لا نعتقد أن هناك من يجادل في الأهمية الكبرى والدور الفعال الذي أصبحت الجرائد الإلكترونية تلعبه،في إثراء وإغناء عملية النشر والتواصل بين الكتاب والقراء على اختلاف مشاربهم ومستوياتهم.ولا يمكن الحديث عن هذا الزخم الكبير وهذا الشلال العارم من الكتابات الذي تنشره هذه الجرائد كل يوم، بل كل ثانية، حول قضايا الوطن كالتزام، دون الحديث عن نتائجها في ما بعد، أي الإنطباع الذي من المفترض أن تتركه هذه الكتابات في وجدان وعقول المسؤولين، كل في ميدانه.وإلا ما الغاية أصلا من هذه الكتابات إذا كان هؤلاء المسؤولون الذين نكتب عنهم "ما مسوقينش"،ينظرون إليك بعين الإشفاق، وكأني بهم يقولون لك وهم في حالة غيبوبة أو انتشاء :أكتب ما طاب لك ايها الكاتب، اليوم وغذا وبعد غد، فلن تغير من واقع اللعبة شيئا يا حبيبي، فكثيرون من حملة الأقلام قبلك ملأوا العالم خربشات وصراخا وزعيقا، ثم انحدروا مع دروب الزمان ، ولم يزحزحوا بذلك صخرة الواقع قيد أنملة...ومع ذلك، ورغم كل المحاولات لزرع الإحباط والعدوان على الكتابة وكسر جسور الإنتماء إليها، نعيد سؤال العنوان بإلحاح: هل يقرأ المعنيون بأمورنا ما نكتب؟ ونقصد بتعبير ". المعنيون بأمورنا"، كل الذين يتحكمون من قريب أو بعيد في خيوط حياتنا، باعتبارهم سلطة لهم موقع ليس في البطش والقمع ولكن في الفهم والإصلاح والتوجيه وتبادل الرأي.فنحن لا نكتب من خارج مجرةالوطن والأرض ومن فوق حياةالناس، وبالتالي نوهم أنفسنا بأن أحكامنا ونظراتنا موضوعية،، وهذاهو الذي يعطينا حسا بالطمأنينة ويجعلنا نعتز بأحكامنا ونثق بها ونسترسل في الكتابة، الخيمة التي نأوي تحتها كلما مارست عدوانها علينا، كما مارسته على من حمل القلم قبلنا.لقد صرنا نتجه صوب الجمال، كي نفضح القبح ،وصوب الصدق كي نفضح الكذب والبهتان ،وصوب الوضوح كي نفضح الغموض والإلتباس.نحن على قناعة تامة من وجاهة ما نفعل وتساميه، مما يجعلنا فخورين به ومقتنعين بقيمته وصلاحيته.ومن هنا فإننا جزء من بناة الوطن لا نرى هذا الوطن ولا نفهمه إلا بواسطة الكتابة ومن خلالها، والعكس صحيح.ونقول للذين يروجون بأن الكتاب كائنات طوباوية لا يرقون إلى درجة الفهم التي تؤهلهم لتفكيك مشاكل بلادهم وما أكثرها ،وليس لديهم المؤهلات لا ستلهام الحلول لها لا يعرفون في هذه الحياة إلا فعل الكتابة ، يكتبون ويكتبون ويكتبون بالليل بالنهار يحلمون،لا شيء غير الكتابة ،كلمات على ظهر أخرى، كلمات لا تستطيع أن تطعم جائعا ، أو تسد رمقا،نقول لهؤلاء من حرر الشعوب أيها السدج من طغاتها وأوهامها وتخلفها غير الكتاب واامفكرين والشعراء والفلاسفة؟ راجعوا تاريخ الأمم والشعوب التي تنعم الآن بثمرات احترامها لأهل الفكر والصحافة والثقافة، وستجدون أن رهان جني ثمار المشروع المجتمعي الشامل لن يتحقق ما لم يصاحبه بشكل سلس وعميق فتح المجال للإبداع والفكر وحرية التعبير . وإذا كان الأمر ليس كذلك فلماذا ينتفض مسؤول من مقعده يرغي ويزبد وينفجر مثل بركان أو ثور هائج،كلما أصابت سياسته سنان الأقلام الحادة؟ فلغة التعبير والفكر والإفصاح والكتابة كانت وستبقى بكل أنواعها ذات وظيفة تنويرية تصحيحية تنبيهية تحث الغافلين والنائمين والعميان والموتى وااظالمين على استنهاض الحس بالحياة،ضد الموت، حس الإيخاء ضدالعدوانية ، حس النزاهةضد الغش،حس البناء ضد التدمير .الكتابة تفكير بصوت مرتفع ، وكل إلغاء أو تهميش لها خسارة، فهي سباق ضدالساعة ،ضد الزمن الخامل، إنها دفاع عن المشترك، الأمل في صناعة حياة أرقى وأجمل، وليس في هذا القصد ما يمكن أن يعكر أو يسئ إلى إلى علاقة الكتابة سواء كانت صحفية أو إبداعية بأصحاب المسؤولية والسلطة. فليس عيبا أن يكتب الصحفي عن مسؤول في بلده كبيرا أو صغيرا، ويستنطقه بشفرة قلمه باعتباره مسؤولا، وأبادر فأقول العيب كل العيب في سياسة الباب المسدود الذي يظل الكاتب يطرقه باستمرار، ولكن هذه التأويلات المتوارثة والمحدودة النظر لما يخطه الكتاب والصحفيون عن أحوال بلادهم وأوضاعها ، لا ترقى في النسق الأصيل والمكتمل بما يضاهي ويزاحم، ولا نقصدبهذا الكلام الإسترشاد الأعمى بما يكتبه الكتاب والصحفيون والتماس بذور المعرفة وقنوات الهداية منهم ، بل ما نقصده هو اندماغ رجل السلطة بخلة الديمقراطية ، أي الإيمان بالإختلاف وقراءة ما يكتب عنه بروح المسؤولية. وما نقوله عن رجل السلطة نقوله كذلك عن حملة الأقلام في الصحافة ، فهم أيضا ليسوا في حل من النقد والمتابعة ،وحتى إذا كانت الساحة الصحفية والأدبية بصفة عامة ، قد ازدانت بأقلام جريئة وتتمتع بقدرة على المتابعة والتحليل لمشاكل وأوضاع الحياة في المغرب ، وأخص هنا بالذكر الأعمدة الثابتة في الصحافة المستقلة الورقية والإليكترونية ،فإنه أضحى لازما على القارئ أيضا ألا تنطلي عليه خدعة الجرأة المريضة ، وينسى دوره كناقدلهما ، أي لأصحاب المسؤوليات وأصحاب الأقلام ، وبهذا تكتمل دورة التفاهم والتواصل وتمر الرسائل وتحصل الفائدة.إن مايميز ساحة الكتابة الآن هو هذا الحراك الذي تشهده باستمرار.فمنذ اعتلاء الإعلام الإليكتروني عرش الإتصال والتواصل، وهيأ المنابر لأصوات الكتاب والصحفيين بغض الطرف عن مرجعياتهم الإيديلوجية والفكرية، تحرر الكاتب ومعه الكتابة، بعدما كانا محاصرين مقموعين مطمورين، واتسعت دائرة النقاش و نقد الأوضاع ،بإصرار وصمود وعزيمة، مما جعل الكتابة حاضرة بقوة، تقوم بتأريخ ما لم يقم بجرده التاريخ المأجور . فافتحوا لها أيها المسؤولون أزرار قمصان صدوركم الضيقة ،عوض أن تتصيدوا هناتها وأخطاءها اللاإرادية والمحتملة بالفصول والأبواب وتباغثوها من حين لآخر بشبح المحاكمات ونصب المقاصل، لإعدامها..