المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    توقيف المتورط في ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة في الدار البيضاء    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية        الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    الناظور بدون أطباء القطاع العام لمدة ثلاثة أيام    بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    نُبْلُ ياسر عرفات والقضية الفلسطينية    الإيليزي يستعد لإعلان حكومة بايرو        محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    تولي إيلون ماسك لمنصب سياسي يُثير شُبهة تضارب المصالح بالولايات المتحدة الأمريكية    حقي بالقانون.. شنو هي جريمة الاتجار بالبشر؟ أنواعها والعقوبات المترتبة عنها؟ (فيديو)    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    الحلم الأوروبي يدفع شبابا للمخاطرة بحياتهم..    أسرة المدرسة العليا للتربية والتكوين بجامعة ابن طفيل تستنكر "المس بالأعراض" الذي يتعرض له بعض أطر المؤسسة    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    "إسرائيليون" حضروا مؤتمر الأممية الاشتراكية في الرباط.. هل حلت بالمغرب عائلات أسرى الحرب أيضا؟    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    من يحمي ادريس الراضي من محاكمته؟    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقترحات جديدة لمناهج المدرسة المغربية
نشر في هسبريس يوم 07 - 12 - 2014

فيما ينشغل المجلس الأعلى للتعليم بإعادة جدولة الميثاق الوطني للتربية والتكوين ،فإن دفاتر التحملات التي سيبنى على هيكلها المنهاج الدراسي الجديد تحتاج الى إعادة صياغة جذرية مستعجلة ،وذلك حتى تواكب التغييرات الاستراتيجية التي تنتظر المدرسة المغربية ،فشكل المنهاج الجديد هو من سيمنح الروح للإصلاح التربوي المرتقب ويطبعه بمسببات النجاح والانخراط ،ولا بد من التدقيق فيه ووسمه بصيغة التجديد الهادف حتى يواكب التغييرات السريعة التي يشهدها الكوكب معلوماتيا و اقتصاديا واجتماعيا وقانونيا.فحينما يتعلق الأمر بصناعة أجيال المستقبل يصبح تدخل الدولة أساسيا في فرض الجودة ،ولا مكان لتجارة السوق المفتوحة التي قد تنتج جيلا مشوها يصعب معه إصلاح أعطابه الفكرية مستقبلا.
لقد أصبحت معظم التآليف المدرسية مجرد تجارة رابحة لمجموعات ضاغطة من المنتعشين على هامش وزارة التربية الوطنية ،ووصل القحط في فن التأليف المدرسي للطفل المغربي درجة من السوء قد يكون معها الاتجاه للتدريس بالكتاب الأروبي كما تفعل جل المدارس الخاصة أو الترجمة عن المراجع الأجنبية مباشرة أقل ضررا ،ففي أغلب الكتب المدرسية لم تتم مراعاة ميولات الطفل ولا رغباته وخياله، بل مجرد سيل من المواعظ والأخلاقيات والنصوص الجافة والوطنيات الثقيلة التي لا يدرك مدلولاتها عقله والحشو المبالغ فيه لنفخ بطن الكتاب،ويشعر كثيرون بالحنين الى سلسلة بوكماخ الرائدة بقصصها وشخوصها الممتعة المحببة لنفسية الطفل ،فليس كل ممتهن للتدريس أو التفتيش مؤلفا ومقتبسا ناجحا ،بل لا بد أن يكون مربيا بسيكولوجيا وفنانا مبدعا ،وقد حان الوقت لوقف هذا النزيف الذي جعل المغرب يحتل مراتب متأخرة في التقويم الدولي لامتلاك مهارات القراءة والرياضيات من جهة ،وقفز بمعدلات الهدر المدرسي بالمدارس والإعداديات المغربية أرقاما غير مقبولة .
إن الخطوة الاستراتيجية الأولى لإصلاح أعطاب المناهج المغربية المدمنة وإبراء مسؤولية وزارة التربية منها وخلق توافق مجتمعي عليها ،على اعتبار أنها بحاجة الى تطوير مستمر يشمل عناصرها مجتمعة كل عشر سنوات وفق أحدث النظريات والأساليب والطرائق التربوية المعاصرة ،ستكون التفكير في إنشاء لجنة حكماء تربويين مستقلة ملحقة بالمجلس الأعلى للتعليم على غرار الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري ،وعلى درجة عالية من الكفاءة النظرية والميدانية للإشراف على تصميم المناهج التربوية وتطويرها ومراجعتها وتنقيحها في جميع الأسلاك التربوية بعيدا عن كل استقطاب سياسي أو نقابي أو مصلحي نفعي أو رؤية منكمشة ورتيبة لموظفين اداريين ،مع الحرص على التجديد المستمر لأعضائها دوريا لتكون قادرة على مواكبة مستجدات آخر البحوث والدراسات التربوية والتعليمية العالمية وذات رؤية شاملة لشكل تطور المجتمع بما يخلق التوازن بين احتياجات سوق العمل والتنمية الشاملة ،على أن تضطلع وزارة التربية الوطنية والأكاديميات التربوية بمهام تنزيل وتنفيذ الصيغة النهائية للبرامج والتوجيهات الخاصة بها في كل مراحله .
ويكفي أن نذَكر بأن مناهج الثانويات المغربية لم تعرف تغييرات جوهرية مهمة منذ اجتهادات ساعف حيث يتم التركيز على التعليم الابتدائي لأهميته العددية في التهام المشاريع ،ويهمل المختبر الرئيسي لإفراز نخبة الغد حيث تتفتح المواهب وتبرز في الثانويات بسلكيها،وإطلالة صغيرة على مناهج الرياضيات والفيزياء والعلوم الطبيعية مثلا وفقرها في التعليم الاعدادي والقطيعة المعرفية والمنهجية الحادة بينها وبين ما سيدرسه المتعلم في التعليم الثانوي التأهيلي ينبئ بضرورة توجيه الجهد كاملا لتغيير شامل لمقررات التعليمين الاعدادي والتأهيلي من خلال استشارات مكثفة لرجال الميدان ممن يرى في نفسه القدرة على انتاج افكار أصيلة لتطوير المناهج في مختلف المواد التعليمية كما فعلت الامارات العربية المتحدة مؤخرا عوض تعويم الاستشارات الفلكورية التي لا تسمن ولا تغني من جوع ،مع ضرورة التنبيه الى أن التضخم الحالي للنقط في امتحانات البكالوريا المغربية لا يؤشر بأي حال من الأحوال على جودة المخرجات التعليمية ولا يبشر بمدرسة العقول المبدعة،فقط هي تخريجة ذكية للمركز الوطني للامتحانات من خلال فرض أطر مرجعية عقلنت من جهة التقويم بتركيزها على التطبيق والفهم بما يضمن رفع نسب النجاح ،وخنقت في الان نفسه المستويات العليا للتفكير العلمي أساس كل نهضة حقيقية خصوصا في الشعب العلمية ،فأي إصلاح تربوي لن يقفز بتدريس الرياضيات والعلوم شكلا ومضمونا في مدارس وثانويات بلدي خطوات معقولة وحقيقية الى الأمام سيبقى إصلاحا عابرا مهما كانت حجم التغييرات الأخرى المرافقة ،فالعالم في سباق جارف من الهند حتى ولاية ألاسكا الأمريكية لتوسيع قاعدة المواهب البشرية والمبدعين الذين سيخلقون الفارق بين الأمم في زمن عولمة التكنولوجيا المتاحة للجميع ،والأمر ليس ترفا بل واجبا لدخول نادي الدول الصاعدة ورسم طريق المستقبل باطمئنان.
إن آخر اسهام في هذا الباب كان اصدار مديرية المناهج بوزارة التربية الوطنية في شتنبر 2011 وثيقة البرامج والتوجيهات الخاصة بالتعليم الابتدائي بعد مشاورات واسعة ،والتي رامت توحيد تمثلات كل الفاعلين التربويين والمعنيين لأسس المنهاج التربوي من خلال تنزيل مقاربة الكفايات وفق بيذاغوجيا الادماج .ولأن عملية تأليف الكتب المدرسية الجديدة توقفت لحين وضوح الرؤية البيداغوجية والديداكتيكية التي ستحكم المدرسة المغربية ،فإن الضرورة ملحة لإبداء الرأي في بعض مواصفات المنهاج التربوي المنتظر بالتعليم الابتدائي انطلاقا من تجربة ميدانية غنية حيث نأمل أن يعرف التغييرات التالية :
التدقيق في قبول النصوص القرائية من طرف لجان المصادقة وفق معايير صارمة تنحاز لرغبات الطفل واهتماماته وميولاته ،على أن تتجاوز النصوص القصصية والممسرحة ثلثي التغطية ،مع إعطاء الأسبقية لإنتاجات الكتاب والقصاصين المغاربة دون اهمال الابداع النسوي المغربي لخلق ذاكرة ثقافية وطنية غنية ،والعمل على استبعاد النصوص التاريخانية المغرقة في المثالية الاخلاقية أو التي تجعل من الراشد مالك الحقيقة الوحيد
إلغاء تدريس القواعد : التراكيب والصرف والتحويل نهائيا في المستويات الثالث والرابع ابتدائي لعدم جدواها في تدريب التلاميذ على امتلاك ملكة اللغة من جهة ،وامتصاصها وقتا مهما كان من الأفضل أن يستغل في تجويد القراءة وتوسيع الرصيد اللغوي ،فمصطلحات القواعد من مبتدأ وخبر ومفعول لأجله وقاعدة صياغة اسم الفاعل ...فوق مدارك الطفل ،ويستحسن في هذه المرحلة أن يتعلم الطفل اللغة بالقياس والأذن والأمثلة ،وليس بقواعد جافة مربكة يمكن أن تمرر للتلميذ ضمنيا دون تصريح ،ويتم التركيز خلال هاتين السنتين على التحكم في مهارات القراءة بمختلف مراحلها من مخارج الاصوات والقراءة السليمة الى فهم المقروء وإعادة صياغته أو مسرحته شفهيا مع الرفع من ورشات الأنشطة المندمجة داخل الفصل .وواضح أن جودة التعلمات الاخرى رهين بمستوى قدرة المتعلمين على التحكم في القراءة كما قال السيد الوزير مؤخرا .
تيسير تدريس التراكيب في المستوى الخامس والسادس من خلال تحليل الجمل الى عناصر واضحة مع الاكثار من الامثلة والقياس عليها لتنمية ذخيرته اللغوية لتصبح القاعدة التركيبية في النهاية تحصيل حاصل ،مع الاستغناء عن الاعراب تماما و بعض التفرعات المعقدة لبعض الابواب كالاستثناء والتمييز والمعرب والمبني و...الى التعليم الاعدادي ،وتعطى الأولوية لدرس الصرف والتحويل في المنهاج الدراسي على اعتبار أن اللغة العربية اشتقاقية بطبعها ،وذلك من خلال تدريب المتعلمين على انجاز جداول كاملة للتصريف وعدم التركيز على القاعدة الصرفية ،بل بالتمرن العملي عليها ،أما بالنسبة لحصص الاملاء وخصوصا ما تعلق منها بالهمزة ومواضعها وحالاتها المتعددة ،فإن استخراج القاعدة الاملائية وتطبيقها تعسف واضح على الطفل في سن مبكرة ،وتنميةُ الادراك والملاحظة للتلميذ تصنع في عالم اليوم بمواد وأنشطة أخرى غير الإملاء كما كان الحال في العصر الوسيط ،والأولى تدريس درس الاملاء بواسطة أمثلة مختارة بعناية يتدرب التلميذ على كتابتها واستبطانها كما هو معمول به في حفظ تصريف بعض الافعال الشاذة للماضي في اللغة الانجليزية ،ويكفي أنك الان تكتب الهمزة صحيحة في موضعها دون أن تتعب ذهنك بتذكر القاعدة الاملائية وتطبيقها ،والخليل الفراهيدي نفسه في اجتهاداته اللغوية كان يهدف للتبسيط وتيسير قراءة المكتوب ،وقد كانت الهمزة قبله تكتب بدائرتين فوق بعضهما، وليته كان تركها دون تعديل .
اعتماد مكون واحد في مادة التربية الاسلامية عوض ثلاثة مكونات كما هو معمول به حاليا،فتحفيظ سور القرآن الكريم للصغار بتتابع وفق الطريقة المتبعة حاليا لا يحقق الأهداف المرجوة للكفاية التعليمية المنتظرة لدرس الاسلاميات ،بل الأجدى اختيار آيات محكمات من القرآن الكريم في كل أسبوع تكون مدخلا لتمرير درس العقائد أو العبادات أو الآداب الاسلامية ،فسورة الضحى مثلا منطلق جاذب ليتعرف متعلم السنة الثانية طفولة الرسول الحبيب ،وسورة الرحمان خزان رصيدي وبلاغي وعقائدي متميز لتلميذ المستوى السادس .ويمكنني أن أسألك : هل لا زلت تحفظ سورة الحاقة أو سورة البينات ؟
اعتماد ثلاث مكونات لتدريس الرياضيات عوض اثنين وفق الترتيب التالي : العد والحساب،القياس والهندسة ،الاحصاء والاحتمال . إن إضافة هذا المكون الأخير مستقلا والذي يحضر في كل البيذاغوجيات العالمية لتدريس الرياضيات ضرورة للتلميذ المغربي ليتمرن على تخطيط وتنفيذ جمع البيانات وتنظيمها بوسائل معبرة : جداول، رسوم بيانية ثم قراءة وتفسير نتائجها لاكتساب الفكر الاحصائي منذ سن مبكرة ،وكذا لتدريبه على المنطق الاحتمالي منذ الصغر من خلال أنشطة متدرجة على طول سنوات التعليم الابتدائي ،وتقوية حاسة التنبؤ والاحتمال الأرجح لديه ،وفي هذا تنشئة على مبدأ الاختيار عوض اليقين المكلس للعقل البشري .إن العجز الرياضي وهو المصطلح المعادل لعدم القدرة على القراءة أصبح اليوم ظاهرة متفشية في مخرجات التعليم الابتدائي المغربي حيث يجد التلاميذ صعوبات كبيرة في ترجمة معطيات ومسائل بسيطة الى عمليات حسابية من مرحلة أو مرحلتين ،كما أن طرق وأساليب تدريس بعض قواعد الهندسة كمحيط ومساحة الدائرة وأشكال هندسية أخرى مثلا يعتريها النقص وتحتاج الى مراجعة ،وذلك من خلال محاكاة تاريخ تطور هذه المفاهيم الرياضية .وحاليا هناك موجة عالمية في أوروبا والولايات المتحدة لتطوير تدريس الرياضيات معلوماتيا ورفع سقف المعايير والمخرجات التي يجب أن يمتلكها الطفل في الرياضيات نهاية المرحلة الأساسية ،ولابد للمغرب أن يفتح نقاشا هادفا حول رفع الأسس الرياضية المشتركة الواجب توفرها في تلميذ الابتدائي ضمانا لتطور أجياله مثلا : إضافة مفهوم القوى وعملياته ومبادئ أولية في المجموعات لمقرر المستوى الخامس والسادس .
لا تثير الدروس الحالية المقترحة في التاريخ والجغرافية أية جاذبية للطفل المغربي ،بل يكاد يكون النفور وعدم الاهتمام هو السمة الغالبة حتى بين التلاميذ النبهاء كيفما كانت طرق تقديمها، وهذا شيء لاحظناه لا تظنناه ،ويكفي أن نذكر بعض الدروس ليتبين مدى هشاشة المضمون الذي لا يتناسب مع البيئة المغربية وحضارتها الغارقة في القدم ،بل هي عناوين مستنسخة بشكل مشوه من المنهج التعليمي للكبييك للسنة الأولى والثانية ابتدائي والذي لا تتناسب معطياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مع المغرب : أكتشف تاريخ مدرستي ؟أجمع شهادات عن أحداث وقعت في محيطي ؟أكتشف ماضيا بعيدا /قريبا من تاريخ مدينتي /بلدي ؟ليخرج التلميذ في نهاية المرحلة الابتدائية دون ذاكرة وطنية أو فكرة واضحة ومتسلسلة عن تاريخ بلده والأحداث الكبرى التي مر به والدول التي تداولت حكمه وأسماء المعارك وسنواتها التي ربحتها الدولة المغربية ،ودون أن يتعرف جغرافية بلده : توطين المدن التاريخية والحديثة ،السهول الكبرى ،السدود،المناجم ،السكة الحديدية ،المطارات ،الموانئ ،المناطق الصناعية ،الطرق السيارة ،وهي المشاريع الكبرى التي ما فتئ جلالة الملك يجاهد لتوسيعها وتقويتها والتي يجب أن يوضع التلميذ المغربي في صورة تطورها ،فالطفل في هذه المرحلة يكون مولعا باكتشاف المعلومات الجديدة وتخزينها وتذكرها ،ولابد من استثمار هذه الملكة لديه بطريقة ذكية تبتعد عن التلقين والحفظ بل بالتفاعل والاشتغال المحسوس،فكم سيكون ممتعا للطفل المغربي معرفة سنة افتتاح وطول الطريق السيار بين طنجة والقنيطرة أو اسما مطاري الداخلة والعيون من خلال ترتيب عدد المسافرين سنويا في مطارات المملكة ،أو تاريخ تدشين الميناء المتوسطي، أو رسم مسار القطار من وجدة حتى مراكش ،فالأساسي في هذه المرحلة هو أن يتعرف التلميذ المحطات الكبرى لتاريخ وجغرافية بلده وفق تسلسل زمني واضح ما يصنع اعتزازه بهويته المغربية على أن يبدأ إدراج تدريس التاريخ والجغرافية في السنة الخامسة ابتدائي ،بينما تدرس التربية على المواطنة بعناوين مبسطة منذ المستوى الرابع .ولست من الداعين الى تركيز التعلمات الجغرافية على الجهة التي يوجد بها التلميذ فقط لعدم تمثله مفهوم الجهوية في هذه السن ،وله أن يتعرف الجهات المكونة للمملكة ككل بما فيها جهته ،على أن يتوسع في معرفة خصائص جهته في التعليم الاعدادي .
لم يعرف منهاج ولا عناوين دروس النشاط العلمي في المدرسة المغربية أية تغييرات جوهرية تذكر باستثناء استبدال الغلاف الخارجي منذ التسعينات ،وهكذا يتم مقاربة مفهوم علمي في سنة دراسية معينة ليختفي ذلك المفهوم في السنة اللاحقة الى أن يظهر في المستوى الخامس أو السادس أو يختفي ،ما يعطل تكون الحس العلمي المساير لدى التلميذ لتصبح هذه المادة التي وجدت من أجل تحفيز المتعلم على التجربة والملاحظة إنشائية محضة ،لهذا وجب عقد مائدة مستديرة بين خبراء تربويين متخصصين وعدم الاكتفاء بمشاورات سطحية مع فاعلين تربويين ،لإعادة هيكلة وتسمية وتقسيم عناوين الدروس وشكل تقديمها ،بما يضمن توسع المفاهيم العلمية كل موسم دراسي وفق منظور متدرج ،يساير التحولات العلمية والتكنولوجية والمعلوماتية الهائلة التي يحبل بها الكوكب حاليا .والتركيز على تدريسها وفق طرق مبتكرة تتجاوز الكتاب المدرسي والملخصات الموجزة وتتجه للتعليم التفاعلي المبني على وسائط الاتصال الحديثة .وليصبح اسمها مادة العلوم والتقنية .ولم لا التفكير في ادماج تدريس البرمجة المعلوماتية منذ الصغر لخلق جيل مؤثر ومتفاعل مع روح التكنولوجيا عوض الاستهلاك فقط
التركيز على الانشطة التواصلية والتعبير الشفهي والمحادثة وبنسبة كبيرة في تدريس مادة الفرنسية خصوصا في السنة الثالثة والرابعة ابتدائي عكس ما هو حاصل حاليا ،حتى يتقن المتعلم آليات التواصل الخاصة بهذه اللغة لتكون منطلقا له للتحكم في باقي المكونات الكتابية لهذه المادة ،وذلك حتى تتقلص الهوة بين مخرجات التعليم العمومي والخصوصي في التواصل بهذه اللغة ،على ان يتم تعميم تدريس اللغة الانجليزية منذ السنة الاولى اعدادي .
تدريس الرياضيات والنشاط العلمي بالفرنسية انطلاقا من السنة السادسة ابتدائي ،لتكون هذه السنة فرصة تكوينية وتدريبية للمتعلمين لاستكمال تعلمهم هذه المواد باللغة الفرنسية في السلكين الثانوي الاعدادي والتأهيلي على اعتبار أن التخلص من تعريب المواد العلمية في الثانويات المغربية أضحى مطلبا للجميع آباء وطلاب ،فالمنطق السليم يقتضي من جهة أن يتدرب التلاميذ في السنوات الخمس الأولى على تعلم الرياضيات والنشاط العلمي باللغة العربية ليتمكنوا من معالجة المواقف الحياتية المستقبلية ،ومن جهة أخرى لا يعقل أن تتم نقلة مفاجئة في لغة تدريس هذه المواد فور التحاقهم بالتعليم الاعدادي ،لهذا فالحل هو استغلال السنة الاخيرة من التعليم الابتدائي لإعادة تعلم ما سبق تعلمه في مجالي الأعداد والحساب أو الهندسة والقياس والإحصاء بلغة فرنسية ،في انتظار نضوج الظروف المساعدة لتدريس العلوم باللغة الانجليزية في المستقبل القريب .
تغيير النظرة البيذاغوجية للمستوى الأول والثاني من خلال تفعيل مبدإ التخفيف والتركيز على الأنشطة الشفهية والمسرح والأناشيد ،مع توسيع فعاليات التربية الفنية والجمالية والتشكيلية بمختلف أشكالها بما يحبب المدرسة للطفل ،وذلك لصعوبة العمليات التربوية المرتبطة بمرحلة الطفولة المبكرة وما تلزمه من اشتغال مكثف على الاسس الحس حركية والتصورات الذهنية الخاصة بهذا السن والتي يشكل اللعب جوهرها ،وهنا ننصح بتغيير طرق تقديم الحروف للتلميذ بشكل مخالف تماما لما هو معمول به حاليا حيث يتعرف الطفل كل مرة مجموعة الحروف المتجانسة والمتشابهة التي تقدم في وحدة كاملة ،أما تنزيل التعليم الأولي دون توفير عدة ديداكتيكية وبيذاغوجية مناسبة وعتاد ووسائل خاصة ،ودون إعداد متين ومحكم للأساتذات والأساتذة الذين سيتكلفون بتدريس مستويات ما قبل التعليم الاساسي لاختلافه الجذري عن التعليم الاساسي ممارسات مهنية وطرق تدريس وكفايات الممارسين به ،فلن يكون سوى فقاعة فارغة لمنح بعض الضجيج الاعلامي للإصلاح المرتقب ،خصوصا وأن دولا كالولايات المتحدة والبرازيل تجد صعوبات في تعميم هذا النوع من التعليم لصعوباته على أرض الواقع ،فما بالك ببلد العشرة آلاف قرية حيث سيصبح عبئا مضافا على كاهل التعليم الأساسي في كل قرية دون امكانيات لوجستيكية وبنيات استقبال وهدرا غير مبرر للموارد البشرية للوزارة ،وقد يكون الحاق التعليم الأولي مباشرة بالجماعات المحلية اطرا تعليمية وتجهيزا ومراقبة حلا مناسبا حتى يكون العرض على حسب الطلب ،مما سيفتح الباب لتوظيفات إضافية ومناصب شغل في الجماعات المحلية لامتصاص البطالة وفق شروط تربوية مضبوطة على أن تتكفل وزارة التربية الوطنية بالتكوين البيذاغوجي المرتبط بهذه المرحلة العمرية الخاصة.
توفير صيغة رقمية تفاعلية لكل الكتب المدرسية المستقبلية لإدخالها عالم تكنولوجيا المعلومات والاتصال ،وعدم التسرع في إطلاق وتعميم تجربة المدرسة الرقمية لحين نضوج الشروط الموضوعية والتقنية المرافقة لها في مدارسنا بحيث يبدو الان تعميم المدارس الجماعاتية أولا وتوفير الثانويات بكل جماعة قروية هدفا استراتيجيا أكبر نفعا لمستقبل أجيال المغرب من محفظة رقمية لم يستشر أحد في مضمونها ولا مناهجها ،هي فقط اجتهادات فردية لمهندسين لم يخبروا واقع التعليم بالمغرب حق قدره بما يعيد انتاج نفس أخطاء مخطط جيني وكراسات ادماج البرنامج الاستعجالي ،فحتى فنلندا التي تتوفر على أحسن نظام تعليمي عالمي لم تتجرأ بعد على إلغاء الكتاب الورقي واستبداله بالكتاب الرقمي لما تطرحه العملية من صعوبات الصيانة للأجهزة وتكوين الأطر معلوماتيا،وتتجه دول غربية عدة للعمل فقط بنظام BYOD أي دعه يجلب جهازه الخاص به حسب امكانياته المادية ،فما بالك ببلد الضفة الجنوبية والذي تعيش طبقات واسعة منه هشاشة اقتصادية وفوارق اجتماعية وتعليمية تتوسع صعودا.
فهل ستجد هذه المقترحات الجديرة بالتأمل مكانها في المنهاج المرتقب ؟
- باحث تربوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.