يرى العديد من المتتبعين أن منح المغرب فرصة احتضان المنتدى العالمي لحقوق الإنسان، في نسخته الثانية، هو تثمين لمجهود بلد يقدم نموذجا متميزا في المشهد الحقوقي مقارنة بباقي دول المنطقة. وبالمقابل يرى آخرون أن المنتدى الذي افتتحت أشغاله اليوم الأربعاء، هو "مسحوق زينة" إضافي يوضع على جبين المغرب الذي أضحت خدوش التجاوزات الحقوقية تسيء للصورة التي تحاول السلطات عكسها في مرآة المؤسسات الدولية. هذه إطلالة على مبادرات إيجابية قامت بها الدولة وسلوكيات أخرى سلبية، قبيل افتتاح المنتدى العالمي لحقوق الإنسان، فضلا عن انتظارات الحركة الحقوقية من هذه التظاهرة العالمية. خطوات ذكية يوم الاثنين الماضي، وقبيل افتتاح أشغال المنتدى العالمي لحقوق الإنسان، وضع المغرب على مكتب الأمانة العامة لمنظمة الأممالمتحدة بنيويورك، وثائق التصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة. هذا البرتوكول تساءل الحقوقيون عن مصيره وصدق نية الحكومة في تبنيه خاصة أن المصادقة عليه تمت في مجلس حكومي ترأسه عباس الفاسي، الوزير الأول السابق، شهر يونيو من سنة 2011، بعد ظهور مطلب احترام حقوق الإنسان كشعار مركزي في مسيرات حركة 20 فبراير. منذ صيف سنة الحراك وتقديم الطيب الفاسي الفهري، وزير الشؤون الخارجية والتعاون آنذاك للبروتوكول، نسيت الحكومة أو تناست، كما يتهمها المعارضون، وضع وثائق التصديق لدى المنظمة الأممية. اختيار الحكومة لتوقيت المنتدى العالمي، بعد ثلاث سنوات ونيف، جعلها تربح تصريحات إيجابية كان أبرزها وصف بودلير ندونغ إيلا، رئيس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، يوم الأربعاء بالرباط، إيداع المغرب لوثائق التصديق ب“التقدم الملحوظ”، منوها بالانجازات التي حققتها المملكة في مجال حقوق الإنسان عموما. قرار المحكمة الإدارية بالرباط ، منذ أيام، والقاضي بان تدفع وزارة الداخلية تعويضا قدره 100 ألف درهم للجمعية المغربية لحقوق الإنسان مع إبطال قرار بمنع أحد أنشطتها، الذي كان مقررا تنظيمه بالمكتبة الوطنية، يدخل أيضا في إطار الخطوات الذكية، حسب عدد من الملاحظين، الذين رأوا أن قرارا من هذا النوع يعطي الانطباع أن السلطة القضائية في المغرب تبحث لنفسها عن مساحات الاستقلالية بعيدا عن سقف التعليمات. ندوب على الجبين يوم واحد قبل افتتاح المنتدى العالمي لحقوق الإنسان، كانت عصي رجال الأمن وأحذية القوات المساعدة الثقيلة بالمرصاد لعدد من الطلبة التابعين للإتحاد الوطني لطلبة المغرب، والذي حجوا بالعشرات للاحتجاج على مشاريع القوانين الهادفة لتجريم العمل النقابي داخل الجامعات المغربية، حسب تصريحاتهم. وقفة الطلبة التي تم تعنيفها ليست حالة معزولة، إذ وجه لسلوك قوات الأمن بالمغرب انتقادات عدة من تقارير أصدرتها منظمات وطنية ودولية، آخرها قدم بمراكش عشية افتتاح المنتدى، من طرف الفدرالية الدولية لمنظمات حقوق الإنسان، والتي طالبت السلطات باحترام الحق في التظاهر السلمي. التعنيف في الوقفات وإبان الاعتقال في المخافر والسجون وبعض الأحكام التي تصفها المنظمات الحقوقية بالسياسية، ليست الندوب الوحيدة الظاهرة على الجبين الحقوقي للمملكة، فمنع عدد من الأحزاب والجمعيات من حقها الدستوري في التنظيم يعتبر من علامات التراجع التي يسجلها مراقبو الشأن الحقوقي بالمملكة. اللجنة التحضيرية لحزب الأمة اختارت توقيت احتضان المغرب للمنتدى العالمي، كي تجدد تأكيدها على أن الحق في التنظيم والتعبير هو جوهر الديمقراطية، والمؤشر الأساسي لتقييم الوضع الحقوقي، حسب بيان قال فيه أصدقاء المرواني "أن الإجهاز عليه هو ردة حقوقية لن تنفع معها محاولات تزيين صورة السلطة في المحافل والمنتديات الدولية". البحث عن هدية.. منظمة العفو الدولية، التي تحضر المنتدى ببرنامج يؤطره أزيد من 200 عضو من نشطائها على المستوى الوطني، قالت إن الهدف من مشاركتها استغلال مناسبة يزيد حضورها عن 94 دولة و5000 مشارك ومشاركة، بالإضافة إلى 100 منظمة غير حكومية محلية ودولية، للفت انتباه الحكومات إلى احترام حقوق الإنسان. الرسالة التي تود منظمة العفو الدولية أن توجهها بهذه المناسبة، هي أن حركة حقوق الإنسان تمثل الضمير الأخلاقي للمجتمعات في الدفاع عن الحرية والعدالة في مواجهة الاضطهاد. بيان "أمنيستي"، الصادر عشية تنظيم المنتدى، عبر عن الأمل في أن تنتهي أشغال هذا المنتدى، وقد قدمت الحكومة المغربية هدية إلى حركة حقوق الإنسان بالإعلان عن التزام ملموس بخيار حقوق الإنسان، والقضاء على التعذيب بمختلف أشكاله وحماية المرأة من العنف والتمييز، وتعزيز حماية المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان وسلامتهم، والكف عن استخدام النظام القضائي من أجل اضطهادهم وإخراس أصواتهم. الإطلالة المتأنية على "بروفيلات" المشاركين المغاربة في هذه التظاهرة الدولية تظهر أن عددا كبيرا ممن حجوا للمدينة الحمراء لهم باع طويل في الدفاع الحقوق الكونية، وأن مشاركتهم ستظهر ملامح المغرب الغني بحركاته المدنية المتعددة، غير أن التخوف قائم، حسب تصريحات بعض المشاركين، من الإساءة لهذا المحفل التي قد تخلفها مشاركة جمعيات خلقت للدفاع عن السلطات ظالمة أو مظلومة".