لا يجد الأفارقة القادمون من دول جنوب الصحراء إلى مدينة الدارالبيضاء صعوبة كبيرة في العثور على منتجات بلدانهم التي اعتادوا عليها، بل حتى نمط حياكة ملابسهم وحلاقتهم.. كل شيء متوفر في "السوق النموذجي" بقلب العاصمة الاقتصادية للمغرب. وتبدو السلع بهذا "السوق النموذجي" غريبة عن باقي الأسواق المغربية، منها المجفف والمعلب والمراهم ومواد التجميل وغيرها.. بينما جولة صغيرة بالمكان تجعل الزائر يشعر أنه داخل سوق إفريقية مصغرة، فيها يوجد الغينيون والإيفواريون والسنغاليون، بالإضافة إلى بعض المغاربة الذين يبدون غريبين عن المكان الكائن بجانب سور المدينة العتيقة. جولة في السوق الإفريقية تجعل القائم بها بلحظ جلبة كبيرة وحركة دؤوبة.. بشرات سمراء ولغات لم يعتد عليها المغاربة طيلة العقود التي خلت.. ونداءات وضحكات تتعالى داخل أزقة ضيقة ، من دكاكين متراصة بشكل منتظم. سايدو كاي هو شاب ثلاثيني سنغالي، وقد قدم إلى المغرب منذ سنوات ليعمل تاجرا داخل هذا السوق.. دخل دكانه الذي لا يتجاوز طوله المترين واشرأب بعنقه إلى السلع الموضوعة على رفوف بالجدران، مشيرا إليها بيده، ليقول إن كل السلع التي يبيعها هنا إما من السنغال أو كوت ديفوار أو غينيا. وأضاف كاي أن زبائنه متعددون.. منهم المتحدرون من إفريقيا جنوب الصحراء ومنهم المغاربة كذلك.. كما زاد الشاب السنغالي: "أبيع عسل الغابة المستورد من السنغال، والزيت المستخرج من ثمر شجر الدوم، والعديد من المراهم، بالإضافة إلى التوابل ومنسمات الطعام، والأرز وبعض العيدان الخاصة بتنظيف الأسنان وغيرها". غير بعيد عن دكان كاي يوجد محلّ باري أسيني، وهو شاب عشريني ينحدر من غينيا، سلعه لا تختلف كثيرا عن سلع سايدو.. وقد وضع أسيني أمام محله أسماك مجففة، ونوعا من الخضر المستقدم من غينيا، وصندوقا من الموز الأفريقي، وقال: "هذا النشاط التجاري يغنيني عن العمل في المصانع أو ما شابه ذلك.. وهو يسمح لي بالتواصل مع أبناء بلدي، كما أنه يجعلني لا أشعر بالغربة".. وفي السياق ذاته قال باري إن هذا السوق يشكل قبلة لكل المتحدرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء القاطنين في مدينة الدارالبيضاء. أمينة نداي، شابة من السنغال تعمل في أحد محلات الحلويات بالمدينة، قالتإنها تزور هذا السوق مرة في الأسبوع على الأقل.. وأضافت ضاحكة: "أحس أنني في بلدي هنا.. وكلما شدني الحنين إلى المواد الغذائية السنغالية أتيت إلى عين المكان". السلع الأفريقية المعروضة في دكاكين "السوق النموذجية" لا يتكبد أصحابها عناء استقدامها من جنوب الصحراء، حيث إن هناك تجار آخرين متخصصون في جلبها على متن سياراتهم وبيعها هنا للتجار بالتقسيط، بحسب باري.. وعلى بعد أمتار من محل هذا الاخير يوجد محل شابة من كوت ديفوار تدعى ماتي تيو، وماتي لا تبيع السلع الأفريقية كباقي زملائها، بل إنها جعلت من دكانها مطعما صغيرا يقصده العديد من المتحدرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء. ماتي التي سبق لها أن عملت في إحدى البيوت المغربية تقول إن عملها هنا أقل تعبا من العمل كخادمة.. أما جارتها السنغالية أمينة توري فإنها تمتلك محلا تجاريا متخصصا في بيع اللباس الأفريقي الخاص بالنساء والشعر المستعار.، وتقول إنّ جل زبوناتها من أفريقيات جنوب الصحراء، أما المغربيات فنادرا ما يقصدنها.. وبدوره يقرّ مصطفى كاي، الخياط المتخصص في الأزياء الأفريقية، إنه لا يخيط إلا للقادمين من جنوب الصحراء الإفريقيّة الكبرى للاستقرار ب"كَازَابلاَنكَا". * وكالة أنباء الأناضول