لا يجد الأفارقة القادمون من دول جنوب الصحراء، إلى مدينة الدارالبيضاء، صعوبة كبيرة في العثور على منتجات بلدانهم التي اعتادوا عليها، بل حتى نمط حياكة ملابسهم، وحلاقتهم.. كل شيء متوفر في "السوق النموذجي" بقلب العاصمة الاقتصادية للمغرب. وأفريقيا جنوب الصحراء أو أفريقيا السوداء، هو المصطلح المستخدم لوصف المنطقة التي تقع جنوب الصحراء الكبرى، وتتكون من 48 دولة منها 42 تقع على البر الرئيسي للقارة، و6 دول عبارة عن جزر وهي مدغشقر وسيشيل، جزر القمر، الرأس الأخضر وساو تومي وبرينسيبي. وتبدو السلع بهذا "السوق النموذجي" غريبة عن باقي الأسواق المغربية، منها المجفف والمعلب والمراهم ومواد التجميل وغيرها. جولة صغيرة بالمكان تجعل الزائر يشعر أنه داخل سوق أفريقية مصغرة، فيه يوجد الغينيون والإيفواريون والسنغاليون، بالإضافة إلى بعض المغاربة الذين يبدون غريبين عن المكان، إنه سوق صغير يوجد على جانب سور المدينة العتيقة للدار البيضاء. مراسل "الأناضول" تجول في السوق الأفريقي المصغرة فلاحظ، جلبة كبيرة وحركة دؤوبة.. بشرات سمراء ولغات لم يعتد عليها المغاربة في العقود التي خلت.. نداءات وضحكات تتعالى داخل أزقة صغيرة، ودكاكين أصغر متراصة بشكل منتظم إلى جنب بعضها. "سايدو كاي"، شاب ثلاثيني يتحدر من دولة السنغال، قدم إلى المغرب منذ سنوات يعمل تاجرا داخل هذا السوق. دخل كاي إلى دكانه الذي لا يتجاوز المترين، واشرأب بعنقه إلى السلع المعلقة على الجدران، مشيرا إليها بيده، ليقول لمراسل "الأناضول" إن كل السلع التي يبيعها هنا إما من السنغال أو كوت ديفوار أو غينيا. وأضاف كاي، أن زبائنه متعددون.. منهم المتحدرون من أفريقيا جنوب الصحراء ومنهم المغاربة كذلك. وقال الشاب السنغالي "أبيع عسل الغابة المستورد من السنغال، والزيت المستخرج من ثمر شجر الدوم، والعديد من المراهم، بالإضافة إلى التوابل ومنسمات (منكهات) الطعام، والأرز وبعض العيدان الخاصة بتنظيف الأسنان وغيرها". غير بعيد عن دكان كاي، يوجد دكان "باري أسيني"، وهو شاب عشريني يتحدر من دولة غينيا، سلعه لا تختلف كثيرا عن سلع زميله السينغالي. وضع أسيني أمام محله أسماك مجففة، ونوعا من الخضر المستقدم من غينيا، وصندوقا من الموز الأفريقي. وقال أسيني، لوكالة الأناضول، إن "هذا النشاط التجاري يغنيني عن العمل في المصانع أو ما شابه"، مضيفا بلغة عربية مغلفة بنبرة أفريقية: "هذا المكان يسمح لي بالتواصل مع أبناء بلدي، كما أنه يجعلني لا أشعر بالغربة". في السياق ذاته، قال باري للأناضول إن هذا السوق يشكل قبلة لكل المتحدرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء القاطنين في مدينة الدارالبيضاء. أمينة نداي، شابة من السنغال، تعمل في أحد محلات الحلويات بالمدينة، قالت ل"الأناضول" إنها تزور هذا السوق مرة في الأسبوع على الأقل. وأضافت ضاحكة: "أحس أنني في بلدي هنا. وكلما شدني الحنين إلى المواد الغذائية السنغالية أتيت إلى عين المكان". هذه السلع الأفريقية المعروضة في دكاكين "سوق الدارالبيضاء"، لا يتكبد أصحابها عناء استقدامها من جنوب الصحراء، حيث إن هناك تجار آخرون متخصصون في جلبها على متن سياراتهم وبيعها هنا للتجار بالتقسيط، بحسب باري. على بعد أمتار من محل باري، يوجد محل شابة من كوت ديفوار تدعى ماتي تيو، وماتي لا تبيع السلع الأفريقية كباقي زملائها، بل إنها جعلت من دكانها مطعما صغيرا يقصده العديد من المتحدرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء. ماتي التي سبق لها أن عملت في أحد البيوت المغربية تقول للأناضول إن عملها هنا أقل تعبا من العمل كخادمة في البيوت. أما جارتها السنغالية أمينة توري، فإنها تمتلك محلا تجاريا متخصصا في بيع اللباس الأفريقي الخاص بالنساء والشعر المستعار. وتقول أمينة لمراسل الأناضول إن جل زبوناتها من أفريقيات جنوب الصحراء، أما المغربيات فنادرا ما يقصدنها. وبدوره قال مصطفى كاي، الخياط المتخصص في الأزياء الأفريقية، للأناضول إنه لا يخيط إلا للقادمين من جنوب الصحراء.