اعترف الأستاذ مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات مؤخرا بأنه كان محاميا فاشلا في الدفاع عن بقاء النيابة العامة بيد وزير العدل أثناء مصادقة أعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة على خلاصات الحوار ومن ضمنها النقطة المتعلقة باستقلالية النيابة العامة، ، خصوصا وأن وزير العدل لم يبد أي اعتراض في الموضوع. ففي حديث لي سابق مع السيد وزير العدل والحريات، قبل المصادقة على مشروع الإصلاح ، عبرت عن موقفي بأن إبعاد النيابة العامة عن وزارة العدل في غياب ضمانات دستورية وقانونية يعتبر خطا تاريخيا سنتحمل تبعاته في المستقبل. فإذا كان الهاجس عند أعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني حول اصلاح منظومة العدالة ، هو تفعيل مبدأ فصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية تطبيقا لمقتضيات الدستور، وبالتالي إبعاد جهاز النيابة العامة عن وزير العدل، فإنه في المقابل ينتابنا هاجس كبير وجدي، لأن وضع النيابة العامة تحت وصاية الوكيل العام لدى محكمة النقض، في ظل الوضع الحالي للجهاز القضائي، بدون محاسبة برلمانية، لن تكون سوى امتيازا قضائيا، لأنه اليوم، على الأقل هناك مسؤوليات على عاتق رئيس النيابة العامة، في شخص وزير العدل والحريات، الذي يلزمه الدستور بتوجيه أوامر كتابية إلى النيابة العامة في إطار تطبيق القانون دون تعسف أو تدخل في اختصاصاتها وقراراتها ذات الشرعية، بالإضافة إلى مثوله أمام البرلمان بمجلسيه لمساءلته عن قراراته عندما تكون خارجة عن نطاق القانون أو تمس بمبدأ استقلال القضاء. وباختصار، فإن ذلك يعني خروج النيابة العامة من وزير منتخب يخضع للمساءلة البرلمانية إلى مسؤول غير منتخب، كما هو الحال بالنسبة لبعض الدولة العريقة في الديمقراطية، وغير متبوع بمحاسبة البرلمان. ذلك أنه لن تتحقق الاستقلالية الفعلية للوكيل العام إلا إذا كان منتخبا من قبل القضاة أنفسهم بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية. وعلى هذا الأساس، فإن أعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة قد ارتكبوا، في رأينا، خطأ تاريخيا جسيما، باقتراحهم في مشروع إصلاح القضاء، استقلال النيابة العامة بشكل تام عن وزير العدل (والحريات حسب التسمية الحالية)، في ظل ظروف ملغومة وغير واضحة. وحتى بعض زملائنا الحقوقيين الذين طالبوا ودافعوا عن استقلال النيابة العامة عن وزير العدل، بحسن نية ، لم يعوا خطورة هذا المطلب، نظرا لغياب ضمانات قانونية تتعلق باختيار الوكيل العام وآليات محاسبته بعيدا عن السلطة التنفيذية. ولا ينبغي أن يفهم من هذا الطرح، بكونه تراجعا وجنوحا عن المطلب الحقوقي التقليدي، والكوني بطبيعة الحال، القاضي باستقلالية النيابة العامة عن السلطة التنفيذية، لأننا ببساطة، سنطرح على معارضي طرحنا هذا السؤال الجوهري البسيط ، ما هو معياركم في فهم نطاق السلطة التنفيذية ببلادنا ؟ وأنتم الذين صممتم آذاننا بتنديداتكم واستنكاركم بوجود دولة عميقة، وبوجود نافذين ومتنفذين خارج المحاسبة وخارج القانون، يستعملون القضاء لخدمة أهدافهم الخاصة ، التي تسمم الانتقال الديمقراطي الذي يصبو إليه الشعب المغربي. لذلك، حين نتحدث عن إبقاء النيابة العامة، في الظروف الراهنة، تحت مسؤولية وزير العدل والحريات، فإن في ذلك ما يعنيه من توفير فرص التطهير والمأسسة والترويض على قواعد المساءلة والمحاسبة وقيم الديمقراطية، بما يحقق انتقالا سلسا وتدريجيا نحو جهاز قادر على الاضطلاع بمهامه كسلطة قضائية مستقلة، حامية ليقم الديمقراطية، وراعية للعدل المنشود، الذي بفضله تصح الأمم، وبسبب علله تفسد الأمم، وآنذاك، سنكون أول المطالبين باستقلالية النيابة العامة، ورؤوسنا مرفوعة بلا وجل. نتمنى استدراك هذا الخطأ عند عرض مشروع إصلاح السلطة القضائية على البرلمان، لأن الانعكاسات السلبية لن تهم الجهاز القضائي ببلادنا، ولا القضاة أنفسهم فحسب، ولكن ستطال نزاهة العدالة أيضا.