لعل ما يميز الحقل السياسي المغربي بعد دستور 2011 هو ظهور خطاب سياسي جديد عوض إلى حد ما الخطاب الكلاسكس المألوف لدى عامة المغاربة والفئة المثقفة بالخصوص، ذلك الخطاب الذي يطلقون عليه في أحايين كثيرة "لغة الخشب"، فالخطاب السياسي الجديد هو عملة رائجة في زمن الربيع الديمقراطي الذي أشعل فتيله محمد البوعزيزي بتونس، عملة وجهها خطاب تبسيطي وظهرها خطاب شعبوي، فهل الخطاب السائد وسط سياسيي المغرب خطاب واحد تختلف صفاته حسب الزاوية التي ينظر منها المتلقي هذه الزاوية التي غالبا ما لا تسلم من حمولة أيديولوجية؟ ثم ما هي انعكاسات هذا الخطاب على العمل السياسي فكرا وممارسة؟ الخطاب الشعبوي: يعرف الخطاب الشعبوي عادة لدى المهتمين بالشأن السياسي على أنه ذلك الخطاب الذي يفتقر إلى أرقام وحجج ويعتمد على الكلام الذي يستجدي العاطفة، فالظاهر إذا أن الخطاب الشعبوي لا يخاطب العقل أي أنه غير موجه إلى العقلاء أو المفكرين كما أنه من فرط شعبيته لا يحتاج إلى تحليل فهو إذا خطاب سطحي لا ينفذ إلى العمق، عمق الأفكار التي تدغدغ العقول بحيث أنه لا يحتوي على حمولة فكرية تحتاج إلى تفكيك، وبالتالي فهو ليس خطاب نخبوي أو فئوي بل خطاب موجه إلى العامة بغرض التمويه والمناورة والخداع وبالتالي تضليل الجماهير، هذا الخطاب الذي لا يستدعي بالضرورة انتباه النخبة. الخطاب التبسيطي: لو حولنا التأصيل لهذا المفهوم سنلاحظ أنه عرف أوجه مع العومة السياسية وهكذا نسمع ونقرأ عن تبسيط الخطاب القومي الذي انقلب إلى خطاب تجزيئي، وتبسيط الخطاب الديني هذا الأخير الذي دك الفكر الديني خصوصا مع احداث 11 شتنبر حيث طفى على سطح هذا الخطاب مفاهيم ذات أبعاد مختلفة مثل: الإرهاب، الإسلام المعتدل، الإسلام المتشدد أو المتطرف...، ثم مع الربيع الديمقراطي حيث سادت من جديد مفاهيم الديمقراطية، الثورة، الديكتتورية..... الواقع أن الخطاب التبسيطي يعتمد هو على تفكيك المفاهيم المركبة والمعقدة بحيث لا يحتاج إلى تحليل، فجمهور المتكلمين بالخطاب التبسيطي يرنون إلى إيصال فحوى الخطاب إلى أكبر قاعدة جماهرية وبالخصوص تلك التي تتميز بمستوى ثقافي متواضع وقدرة بسيطة على الفهم فهذه الفئة في نظر أهل الخطاب التبسيطي لا تحتاج إلى أرقام أو مقارنات إو إلى مفاهيم فضفاضة بقدر ما تحتاج إلى الحقيقة كل الحقيقة. مجرد رأي: من خلال ما سبق يتضح أن الخطاب السياسي في زمن الربيع الديمقراطي في المغرب هو خطاب موحد يختلف توصيفه حسب الزاوية الأيديولوجية التي ينظر منها الفاعل السياسي، فبالإضافة إلى الأغلبية والمعارضة نجد فئات المحبين والمتعاطفين والمساندين... لهتين الفئتين والتي ليست بالضرورة فاعلة سياسية بل منها من لم تمارس السياسة قط إن على مستوى الخطاب أو الممارسة ومع ذلك تتبنى أحد مواقف الفئتين السابقتين في المقابل نجد فئتين أخريين تصنف ضمن "الأغلبية الصامتة" لا يستهان بعددها داخل هذه الأغلبية نجد فئتين إحداها "ساخطة" على الفاعلين السياسيين خصوصا الممارسين منهم بحيث في نظر هؤلاء أن السياسي هو في نهاية المطاف "شفار" وسند هؤلاء هو الوعد الانتخابي فهو لا يحاول أن يطيل نظره إلى ما تتحقق خارج محيطه الفردي، بينما الفئة الثانية تختار الانزواء والترقب إلى ما ستؤول إليها الأمور فإن كانت حسنة ذلك ما يريده الجميع وإن كان العكس ترى أنها حققت لنفسها انتصارا نفعيا أكثر منه نوعي وذلك لموقفها السلبي من السياسة عموما، غير أن ما يعاب على "الأغلبية الصامتة" خصوصا الفئة الأولى هو سيادة الأحكام الجاهزة وطغيان النظرة السلبية إلى العملية برمتها، فلو افترضت العكس لكانت النتائج أكثر من حسنة. الفاعل السياسي: إن الفاعل السياسي هو المنوط به دور تجويد السياسة خطابا وممارسة، فالحزب السياسي قبل أن يكون مؤسسة قانونية هو مدرسة للتنشئة السياسية والفاعل السياسي هو المؤثر داخل هذه المؤسسة فإن كانت أخلاقه السياسية حسنة فستنعكس إيجابا على نواة ومحيط الحزب والعكس بالعكس، وأول قناة تواصل بين الفاعل السياسي والجماهير هو الخطاب السياسي فالخطاب اليوم موجود داخل المؤسسات الدستورية مثل البرلمان كما أنه موجود وبغزارة داخل الاعلام الرسمي منه وغير الرسمي كما أن موجود في الشارع العام، لكن درجة الخطاب قد تختلف من مكان لآخر حسب زاوية التأثير، فخطاب الشارع ليس بالضرورة هو خطاب الاعلام كما أنه لا يجب أن يكون نفسه خطاب المؤسسات. فالمتلقي المغربي اليوم أضحى أكثر وعيا من ذي قبل بدور العمل السياسي وهو ما تعكسه درجة النقاش السياسي السائد ببلادنا، كما أنه أكثر نضجا سياسيا والشاهد على ذلك التفاعل الإيجابي مع كل المبادرات الخلاقة التي ترنو إلى تحسين السياسة خطابا وممارسة، الفاعل السياسي هو كذلك مدعوا اليوم أكثر مما مضى إلى لعب دوره الأساسي والخروج من بوتقة النفعية والقبلية والارتجالية إلى الموضوعية لأن الشأن السياسي بعد دستور 2011 لم يعد شأن خاص بل أصبح شأنا عاما، كذلك الأمر بالنسبة لشخص الفاعل السياسي إذ لم يعد فردا طبيعيا كباقي الأفراد بل شخصا عاما له اعتبارات أساسية وكل أفعاله تقاس بمعيار العامة وليس الخاصة لذى وجب عليه أن يكون كذلك، هذا إن أردنا الارتقاء بالسياسة فعلا وممارسة. - باحث مهتم بالشأن السياسي