تحكي الرواية التاريخية لعبد الجواد جوريو المعنونة ب "أندلسيات.. أبواب المنفى" (باللغة الفرنسية)، التي احتفت بها جمعية ذاكرة الأندلسيين مساء الثلاثاء بالرباط، أحداث خيالية مستندة إلى وقائع تاريخية، تدور أحداثها خلال القرن 17، بعد طرد المورسكيين من الأندلس واستقرارهم في الرباط لا لذنب اقترفوه سوى لكونهم تشبثوا بدينهم الإسلامي. وتكتب الرواية التي صدرت عن دار النشر (كازا اكسبريس) في 304 صفحة، من القطع المتوسط، قصة مجموعة من ضحايا الطرد من إسبانيا، الذين تمكنوا من الاندماج في مدينة الرباط بفضل براعتهم ومهاراتهم وحسهم السياسي والاقتصادي خاصة في مجال القرصنة، وتوصلوا إلى بناء وجه جديد للمدينة وكانوا بمثابة فاعلين داخل مجتمع تخترقه صراع المصالح. ويتوخى الكتاب إبلاغ رسالة مزدوجة تولي أهمية كبرى للتسامح والانفتاح على الآخر (شخصا أو شعبا أو بلدا...الخ). وقال الباحث الجامعي والروائي والعضو المؤسس لجمعية ذاكرة الأندلسيين، حسن أوريد، في كلمة ألقاها بالمناسبة إن الكتاب عكس ببراعة تاريخ طرد الموريسكيين من الأندلس واندماجهم في مدينة الرباط بعد سقوط غرناطة، كما أنه كرم النساء الأندلسيات من خلال تقسيم الكتاب إلى خمسة أجزاء يحمل كل جزء اسم امرأة وهن إيزابيل وماريا وعايشة ومرجانة والحاجة. وأوضح أوريد أن الموريسكيين قبل طردهم استدعوا علماء من المغرب وتلمسان ومصر طالبين منهم النصيحة بخصوص دينهم الإسلامي، فأوصاهم هؤلاء بمبدأ التقية، وبأن يجهروا عكس ما يخفون، مشيرا إلى أن الموريسكيين كانوا ضمن طاقم كريستوف كولومب عند اكتشافه أمريكا نظرا لتوفرهم على مهارات معينة. وأكد على أهمية تثمين التبادل الثقافي بين المغرب وإسبانيا، ووصله بالذاكرة المشتركة. أما محمد نجيب لبريس رئيس جمعية ذاكرة الأندلسيين فقد عرض ملخصا للرواية قائلا إنه منذ القصة الأولى التي تجري حوالي سنة 1572، ينقل الكاتب قارءه، عبر مسار الفتاة الموريسكية إيزابيل، إلى زمن كان فيه كل شيء يوحي بنصرانيتهم، إلا ما كان من قناعة النصارى بأن الموريسكيين ليسوا كذلك. انه زمن كان فيه استعباد الموريسكيين، من طرف مواطنيهم المسيحيين، مصدر غنى وثروة وجاه ورفعة. في زمن إيزابيل الموريسكية، أصبح المسيحي المعدم، صاحب أراض وبساتين، والموريسكي الثري عاملا مستعبدا، طائعا لسيده، ومجتهدا متفانيا في عمله، حتى ولو من غير أجر، إلا ما كان من تكتم رب العمل عن حقيقته. زمن لم يعد أحد من المسلمين القدامى، يجرؤ على حمل إسم عربي. بعد معاناة إيزابيل، ينقل النص الروائي قراءه في رحلة التهجير مع ماريا دينيا، ووالدها وأخيها، حوالي سنة 1614. رحلة نحو المجهول مع جثمان الأم، النصرانية التي آثرت مرافقة زوجها على البقاء في وطنها، حيث هيمن الاستبداد الكنسي والقهر التشريعي والسلخ الثقافي. والدها الذي يصلي بتمتمات نصفها إسباني، بعد لقائه مع مضيفه ادريس شامورو الموريسكي، ثم سكنه بزنقة لوباريس في حي قبالة القصبة، قبل اغتيال خطيب ماريا ثم زواجها من إبراهيم بلافريج، وإقامتها بالقصبة حيث تم انتخاب إبراهيم بن سهيب بركاش حاكما على القصبة. هي إذا رحلة تهجير وبناء علاقات اجتماعية ثم استقرار واستسلام للقدر. بعد هذا، تنتقل القصة الثالثة مع عائشة العالمة، وجمالها، وفطنتها، وقوة شخصيتها، حوالي سنة 1636، إلى فضاء القصبة وزمن الثورة الأندلسية ضد الهورناتشوسيين الذين استحوذوا على مداخيل العمليات البحرية. ثورة أوقدها بحث الأندلسيين عن العدالة الاجتماعية، وعزمهم على محاربة الاستبداد والإقصاء. فهم لا يريدون أن يكونوا ضحايا مرة أخرى، الأندلسيون الذين سيفشلون في تدبير الشأن السياسي، ليجدوا أنفسهم محاصرين داخل القصبة، من طرف القائد العياشي و البحرية الفرنسية. وهي نفس الفترة التي تذكر المصادر التاريخية دور الرايس علي أوليفاريس سنة 1636، في مد الأندلسيين بمساعدات السلطان السعدي محمد الشيخ الأصغر. بعد عائشة العالمة، والتي تعرف في الثقافة الشعبية ب "للا عيشه عريانة الراس" تتواصل القصة الرابعة ابتداء من سنة 1748، من خلال مغامرات مرجانة، الأمة التي تملكها حليمة زوجة الحاج الزبدي، ومغامرات الياقوت التي يملكها السيد بنطوجة وزوجته خدوج، تمضي إلى زمن اختطاف الأبكار، من حضن أسيادهم من الأريسطوقراطيين الرباطيين، لإعادة بيعهن خارج البلاد. في هذه الفترة، أي سنة 1666، انتهى حكم الديوان الأندلسي بالقصبة، وصارت هذه الأخيرة وكل مدينة الرباط تحت حكم السلطان. ومنذ يومئذ صار إسم القصبة هو قصبة الاوداية. ومع انحصار السلطة الموريسكية تزايد نشاط اختطاف العذارى، لبيعهن في المدن الأوروبية، بتواطؤ مع الأمير حاكم القصبة. مما يؤدي إلى ثورة أهل الرباط سنة 1748، وإبعاد الأمير عن القصبة، مذلولا مدحورا. أما القصة الأخيرة فتلقي بالمتلقي، من خلال حياة الحاجة زوجة الحاج ادريس، في مغرب حصدت الأمراض والأوبئة نصف سكانه، وقد تكون قد قضت واندثرت فيه عائلات أندلسية بأكملها. عائلات لم يعد لها ذكر إلا في كتب التاريخ الذي يتناول القضية الموريسكية. المؤلف عبد الجواد جوريو قال في كلمة بالمناسبة إنه كان يبحث عن هوية ذلك الموريسكي الذي وجد نفسه ذات يوم مجبرا على الاختيار بين أمرين لا ثالث لهما: التحول إلى المسيحية أو المغادرة. وهذا ما دفعه إلى البحث في كتب التاريخ عن ذاكرة الموريسكيين قبل أن يصوغ ذلك على شكل رواية خيالية مبنية على أحداث تاريخية، قائلا: "كان يجب الكثير من التاريخ من أجل قليل من الرواية". وأبرز عبد الجواد جوريو أن القضية الأساسية كانت ترتبط بالهوية، فعندما ترتهن هذه الأخيرة بدائرة مغلقة تتسبب في كثير من الخسائر وعندما ترتكز على التعدد والتنوع فإنها تصبح عاملا في التنمية والتفتح، مؤكدا أن الإسبان مارسوا بعد سقوط غرناطة هوية واحدة وحيدة لا تعترف بالآخر، وهو ما جعل الموريسكيين يصبحون مواطنين من الدرجة الثانية. *و.م.ع