لن تضطر بشرا جونجور الطالبة في السنة الاولى بالجامعة لوضع شعر مستعار على رأسها لاخفاء حجابها مثلما فعلت كثيرات من قريباتها وصديقاتها المتدينات لتجنب طردهن من الجامعة. ففي قرار تاريخي أمر المجلس الاعلى للتعليم في تركيا في وقت سابق من الشهر الجاري جامعة اسطنبول وهي واحدة من أكبر الجامعات في البلاد بمنع المدرسين من طرد الطالبات اللائي لا تلتزمن بحظر الحجاب من الفصول الدراسية. ويمثل هذا القرار أحدث حلقة في نزاع سياسي وقانوني في تركيا بين من يعتبرون الحجاب رمزا لعقيدتهم الاسلامية ومن يعتبرونه تحديا للدستور العلماني للبلاد. قالت جونجور (18 عاما) التي غطت شعرها بحجاب أخضر اللون "كنت مستعدة لوضع شعر مستعار تماما مثلما فعلت ابنة خالتي... هذا الامر يتعلق بالحرية. لا أرى سببا يجعل حجابي يمثل تهديدا لاي أحد." وهذا الجدل لا يقتصر على تركيا فحسب .. ففي فرنسا وكوسوفو على سبيل مثال هناك حظر على ارتداء الحجاب في المدارس الحكومية وفي أجزاء من المانيا هناك أوامر بمنع المدرسات من ارتدائه. لكن القضية تتعلق بجوهر الهوية الوطنية في هذا البلد الذي يقطنه 75 مليون مسلم والذي تأسست الدولة الحديثة به كجمهورية علمانية متشددة بعد الحرب العالمية الاولى. ويمثل النزاع حول الحجاب وغيره من الرموز الاسلامية الظاهرة جزءا من جدل أوسع نطاقا حول الطريقة التي يمكن بها التوفيق بين الحداثة والتقاليد في الوقت الذي تحاول فيه تركيا تحقيق طموحها الذي يعود الى عشرات السنين في الانضمام الى الاتحاد الاوروبي. والى جانب النظام القضائي فان الجيش التركي -ذا التاريخ الطويل من التدخل في السياسة والذي أطاح بأربع حكومات منتخبة- يعتبر نفسه منذ فترة طويلة حائط الصد في مواجهة أي عودة لمظاهر اضفاء الطابع الاسلامي على البلاد. لذلك فان التخفيف من غلواء القوانين العلمانية في تركيا لم يكن واردا قبل عدة سنوات. لكن الاصلاحات التي تهدف الى تقريب تركيا من الاتحاد الاوروبي أدت الى الحد من سلطات قادة الجيش. وفي مؤشر على مدى التغير الذي يحدث للتأثيرات والمواقف العامة فان أحدث تغيير فيما يتعلق بارتداء الحجاب في الجامعة لم يصاحبه صخب عال كالمعتاد بل مجرد اعتراضات محدودة. قال الكاتب محمد علي بيراند في مقال بعنوان "دعهم يرتدين ما يردن" معلقا على الامر "انها نفس المعركة التي تجري في تركيا منذ 80 عاما حول قضية العلمانية والتدين." وأضاف بيراند "لقد تغير العالم. لقد تغيرت تركيا. لابد من طي هذه الصفحات القديمة والتطلع للمستقبل." وأشعلت محاولة من حزب العدالة والتنمية الحاكم لرفع الحظر المفروض على الحجاب قبل ثلاث سنوات أزمة سياسية كبرى وكادت أن تؤدي الى اصدار المحكمة الدستورية أمرا بحل الحزب بسبب ممارسته أنشطة مخالفة للدستور. لكن صعود طبقة جديدة من المسلمين المتدينين أصبحت تشكل الركيزة الاساسية لحزب العدالة والتنمية ذي الجذور الاسلامية الذي يتولى السلطة منذ عام 2002 ساعد على ضعف الافكار القديمة. ويقول معارضو حظر الحجاب -المطبق منذ انقلاب عسكري في 1982- انه انتهاك للحريات الشخصية ولا يتوافق مع الديمقراطية الحديثة. في حين يقول أنصاره ان هذا الحظر ضروري بالذات للدفاع عن القيم الديمقراطية لتركيا. وقال ارجون أزبودون وهو خبير دستوري في مأدبة غداء أقميت مؤخرا مع سفراء الاتحاد الاوروبي والصحفيين "تحتاج تركيا لايجاد علاقة جديدة بين الدولة والدين." وأعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان -الذي فاز في استفتاء في الشهر الماضي على اصلاحات دستورية ترعاها الحكومة- خططا لقانون أساسي جديد تماما. ومن المتوقع على نطاق واسع أن يحاول حزب العدالة والتنمية الذي ينظر له على أنه الاوفر حظا في انتخابات 2011 مرة أخرى الغاء حظر الحجاب. ومن بين الاصلاحات التي تمت الموافقة عليها في الاستفتاء الذي أجري الشهر الماضي اصلاح المحكمة الدستورية التي يهيمن عليها في العادة قضاة علمانيون. وقبل أن يتخذ المجلس الاعلى للتعليم قراره كانت الفتيات من الاسر المحافظة تقول انهن اضطررن لوضع قبعات أو شعر مستعار لاخفاء الحجاب لحضور الفصول الدراسية في حين قررت أخريات البقاء في المنزل. ومع حدوث التحولات يخشى بعض العلمانيين أن يؤدي تنامي التيار المحافظ في المجتمع والضغوط الاجتماعية الى اجبارهم على تغيير نمط حياتهم وأيضا تبني الحجاب. وقالت بيجوم يلدز (18 عاما) التي كانت تدخن سيجارة أمام مدخل الجامعة "لا أعتقد أننا سنشعر بضغط لتغطية رؤوسنا هنا في اسطنبول لكني أعتقد أنه ربما يكون هناك احتمال في أغلب الجامعات بمدن الاناضول." وقالت طالبة أخرى لم تذكر اسمها "لا أريد رفع الحظر. أعرف الكثير من الفتيات اللائي تجبرهن أسرهن على ارتداء الحجاب ويخلعنه في الجامعة. بالنسبة لهن الجامعة مكان للشعور بالحرية." وقالت بينار جيديك التي تدرس اللغة العربية وتضع حجابا وردي اللون ان هذا الحظر ما زال مطبقا في بعض الكليات. ومضت تقول "يمكن أن أحضر فصولا دراسية بالحجاب الان لكنه ما زال محظورا في الكثير من الاقسام. ما زال الضغط قائما." وعلى الرغم من أن رموز الاسلام أصبحت أكثر شيوعا في الحياة العامة فان الحساسيات ما زالت قائمة. على سبيل المثال فان حديث الساعة في الوقت الراهن هو ما اذا كان القادة العسكريون والساسة العلمانيون سيحضرون حفل استقبال يوم 29 أكتوبر تشرين الاول في القصر الرئاسي بمناسبة العيد الوطني. وعادة ما ينظم الرئيس عبد الله جول -الذي ترتدي زوجته الحجاب وكذلك زوجة اردوغان- حفلي استقبال منفصلين للضيوف الذين لا ترتدي زوجاتهم الحجاب والاخرين الذين ترتدي زوجاتهم الحجاب. أما في العام الحالي فانه يعتزم تنظيم حفل واحد فقط. ويقول محرم اينجي وهو نائب رفيع في البرلمان من حزب الشعب الجمهوري العلماني ان حزبه سيقاطع حفل الاستقبال. ومضى يقول "سيغير الرئيس تقليد تنظيم حفلين. هذا لان حزب العدالة والتنمية يريد أن يفرض الحجاب ليس فقط في الجامعات بل من قمة (المجتمع) وحتى قاعدته."