اتفق فاعلون يساريون وإسلاميون ينتمون إلى مجالات السياسة والحقوق والإعلام والثقافة على تحميل النظام السياسي المغربي مسؤولية "إعاقة تنمية البلاد"، لكونه لا يربط ممارسة السلطة والمسؤولية بالمحاسبة والجزاء، فيعجز عن تحقيق التنمية، ويتسبب في نتائج عكسية". هذه الخلاصة أوردها هؤلاء الناشطون الذين ينتسبون إلى مرجعيات مختلفة، حيث وقعوا على عريضة عبارة عن نداء لإطلاق حوار وطني حول ما سموه التنمية المعاقة بالمغرب، وذلك على خلفية الخطاب الملكي في عيد العرش الذي تساءل فيه العاهل المغربي عن الثروة وعدم استفادة الجميع من عائداتها. واعتبر النداء، الذي توصلت هسبريس بصيغته النهائية، أن خطاب الملك محمد السادس "هيأ شرطا مواتيا لفتح نقاش حقيقي وبناء وعميق حول قضايا الثروة وإنتاجها وتوزيعها، والعدالة والفوارق الاجتماعية، والعلاقة بين السلطة والثروة، والربط بين ممارسة السلطة والمحاسبة". ووضع الموقعون على النداء السياق الذي أتت فيه مبادرتهم، حيث شددوا على أنهم يدلون بدلوهم بصفتهم الشخصية، وفي إطار تعددية التيارات الفكرية التي ينتمون إليها، معتبرين أنها فرصة لفتح نقاش جماعي ورصين، وبناء حول قضايا حيوية ترهن مستقبل مجتمعنا برمته". وسرد الفاعلون المظاهر الأساسية لما رأوه ضعفا وهشاشة يعاني منها النمو الاقتصادي، ومن ذلك ما يعتري الثروات المنتجة سوء توزيع كبير، حيث إن غالبيتها محتكرة من طرف الأغنياء وذوي النفوذ، مما يوسع انتشار الفقر والهشاشة على نطاق واسع من المواطنين. وأبرز المصدر ذاته أنه لا يتم تطوير الخدمات الاجتماعية بوتيرة قادرة على الاستجابة لحاجات السكان، بل إنها تعرف تراجعات كثيرة، كما هو الشأن بالنسبة إلى الخدمات الصحية الأساسية"، مردفا أن "التفاوتات الصارخة تعمق الإحساس بالفقر والشعور بالإقصاء". وبخصوص الأسباب التي أفضت إلى هذه الوضعية، أفاد النداء بأن "التوجهات العميقة والمستمرة لا يمكن أن تعزى فقط إلى المكلفين بتنفيذ السياسات العمومية، بل تتعلق أساسا بالاختيارات الكبرى في إطار الحكم المطلق للملك الراحل الحسن الثاني، وهي الهندسة التي لم تتم إعادة النظر في جوهرها خلال 15 سنة من الحكم الحالي" يقول النداء. ولفت الموقعون إلى أن المشكلة تكمن في تعطل شروط الإقلاع الاقتصادي بموازاة استمرار الطبقات الفقيرة والوسطى وحدها في مراكمة التقهقر الاجتماعي، واستمرار الطبقة الغنية، خاصة تلك المتحلقة حول الحكم، في مراكمة الامتيازات". وفي الجانب السياسي، أورد النداء أن التعديل الدستوري لسنة 2011 أضاف صفة "الملكية البرلمانية" إلى نظام الحكم، غير أن الدستور نفسه لم يتضمن مقتضيات كفيلة بترجمتها إلى اختصاصات السلط والعلاقات بينها، حيث احتفظ للملك بالاختصاصات الاستراتيجية على المدى البعيد، وحصر باقي المؤسسات في نطاق تدبير السياسات العمومية". وبما أن الملك ليس مطالبا بتقديم برنامج أو حساب عن قراراته وأدائه، يكمل النداء ذاته، فإن الاختيارات الكبرى التي يفرضها تُفْلِت عمليا من النقاش العمومي ومن التقييم ومن المحاسبة، وهذا الأمر مخالف لمنطق كل نظام ديمقراطي جدير بهذا الوصف" بحسب الموقعين. وتابع المصدر بأن العيب الرئيسي في النظام السياسي المغربي يكمن في أنه "لا يربط ممارسة السلطة والمسؤولية بالمحاسبة والجزاء، ويعجز عن تحقيق التنمية، بل يتسبب في نتائج عكسية، ليخلص إلى أن النظام أصبح بالشكل الذي يشتغل به يشكل عائقا أمام تنمية البلاد". وكحلول للبحث عن مسارات الثروة، اقترح الفاعلون أن ينصب النقاش الوطني على عدد من القضايا الأساسية، منها توضيح المسؤوليات المؤسسية والسياسية عن الاختيارات الاستراتيجية للدولة، وتدقيق الارتباط بين السلطة والمسؤولية والمحاسبة والجزاء. ودعا النداء إلى التقييم المستقل والعلني للبرامج والمخططات القطاعية وللمديونية العمومية، وإخضاع هذه الأمور إلى نقاش وطني، وإلى تبني استراتيجية حقيقية لمحاربة الرشوة وكل أشكال الفساد، ووضع حد للإفلات من العقاب في هذا المجال، وتعليق تنفيذ البرامج المثيرة للجدل والمشكوك في جدواها، من قبيل برنامج الطاقات المتجددة. وطالب الموقعون بترشيد وعقلنة نفقات الجيش، وعدم الانجرار إلى سباق التسلح مع الجزائر الذي لا يمكن أن يشكل استراتيجية عقلانية أو بديلا عن مقاربة سياسية ودبلوماسية مقررة بشكل ديمقراطي، فضلا عن إعادة الاعتبار إلى قيمة العمل وثقافة الاستحقاق ونبذ ثقافة الريع والزبونية.