يوم الثلاء19-8- 2014 غيب الموت هرم من أكبر أهرامات الشعر الفلسطيني والعربي على الإطلاق ، الشاعر الفذ سميح القاسم .رحل هذا العبقري بعد صراع مرير مع مرض السرطان الخبيث .وقد نعاه الرئيس الفلسطيني بالكلمات للتالية : إن الشاعر القاسم، صاحب الصوت الوطني الشامخ، رحل بعد مسيرة حافلة بالعطاء، والذي كرّس جلّ حياته مدافعا عن الحق والعدل والأرض. وإذا كان القدر كما يقال لا يرحم، فإن هذا القدر الذي لا مفر منه قد اختار للشاعر بذكاء الوقت المناسب للرحيل .نعم لقد رحل القاسم في لحظة متميزة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ستترتب عنه ولا شك نتائج حاسمة في مستقبل هذا الصراع .فإسرائيل التي اهتبلت فرصة اختفاء ثلاثة من جنودها لتعلنها حربا شعواء على الفلسطينيين ،هدفها الأول والأخير الحفاظ على مصالحها ، ومصالحها لا تتحقق إلا بدوام النزاع الفلسطيني الفلسطيني خاصة بين حماس وفتح ،رفضت رفضا بات أن يتم الصلح بين الحركتين .لأن دلك لا يخدم أهدافها الإستراتيجية فقررت ضرب حماس وكل الشعب الفلسطيني حكومة وشعبا لأنها خرجت عن طوعها ، ولم تحافظ على الأجندة التي فرضتها على أبو مازن . في هذه اللحظة الشامخة التي استشهد فيها الآلاف ، أكبر نسبة منهم من الأطفال والنساء وعشرات الرجال الصناديد .الذين أظهروا قبل استشهادهم شجاعة نادرة في مقاومة جيش يعتبر من أقوى الجيوش في العصر الحديث،بحيث أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وجد نفسه مضطرا للمضي في حرب لا يحقق فيها سوى الهزائم ، وفي الكواليس يستنجد بكل حلفائه العرب وغير العرب لمساعدته بشرف من هذه الحرب التي ستقضي دون شك على مستقبله السياسي .في التوقيت بالضبط قرر الموت أن يقل شاعرنا الكبير على متن سفينة الر حلة الأبدية .حمله كما حمل كل الشهداء منتصبين القامة ، وهم يمشون نحو الموت بعزة وكرامة ، لأن الفلسطيني ندر للموت منذ ولادته ينتظر المنية في أي وقت وحين ، لذلك صاغ القاسم هذا المعنى في قصيدته الشهيرة منتصب القامة أمشي ،هذه القصيدة التي افتتن بها مارسيل خليفة ولحن كلماتها الخالدة في أغنية أصبحت منذ أن غناه الشحرور مارسيل تتردد على لسان كل عربي من المحيط إلى الخليج . شكل الشاعر محمود درويش بمعية سميح القاسم ثنائيا متفردا في الدفاع عن القضية الفلسطينية في كل أرجاء المعمور .كانا ولا يزالا فارسي هذه القضية التي يبدو أنها أصعب قضية في التاريخ المعاصر والتي يأبى الغرب أن يفهم أنها إضافة إلى الفقر سبب كل المصائب التي يتعرض لها الإنسان الحديث . وقد كانت بين ممدود وسميح مراسلات عديدة دامت زمنا طويلا ، هذه المراسلات جمعت في كتاب سمي –كتابات شطري البرتقال –وقد ظل سميح اقاسم وفيا لذكرى الشاعر الكبير محمود درويش من خلال العلاقة التي بقيت تربطه بعصام خوري مدير مؤسسة محمود درويش . وحصل سميح القاسم على العديد من الجوائز والدروع وشهادات التقدير وعضوية الشرف في عدّة مؤسسات فنال جائزة "غار الشعر" من إسبانيا، وعلى جائزتين من فرنسا عن مختاراته التي ترجمها إلى الفرنسية الشاعر والكاتب المغربي عبد اللطيف اللعبي، وحصل على جائزة البابطين. كما حصل مرّتين على "وسام القدس للثقافة" من الرئيس ياسر عرفات، وحصل على جائزة نجيب محفوظ من مصر وجائزة "السلام" من واحة السلام، وجائزة "الشعر"الفلسطينية. لم يكن سميح القاسم ينظم الشعر بعيدا عن الحراك السياسي الذي تعرفه القضية الفلسطينية ، فقد كان مثقفا عضويا فاعلا في خضم هذا الصراع ،حيث إنه وقف ضد عملية التجنيد التي فرضها الاسرائليون على الدرزيين وهي الفئة التي ينتمي إليها . وقد اعتقل في العديد من المرات ووضع رهن الإقامة الجبرية و الاعتقال المنزلي ،كما طرد من عمله وهدد بالقتل بسبب حمله لواء الدفاع عن قضية شعبه والتي هي قضية الأمة العربية قاطبة . لا شك أن اسمي محمود درويش وسميح القاسم سيبقيان في تاريخ الشعر العربي والإنساني دائما وأبدا ، لأنهما كانا مبدعين بحق ،وكانا مناضلين بحق وقفا في وجه الصهاينة بأدبهما الفذ ،وإسرائيل تخشى القصيدة الجميلة الملتزمة والفن والأدب بصفة عامة أكثر مما تخشى صواريخ المقاومة . وأكبر دليل على ما نقول اغتيالها لناجي العلي وغسان كنفاني وغيرهم كثير .