جلالة الملك يتبادل التهاني مع قادة الدول بمناسبة السنة الجديدة    التهراوي يختتم عام 2024 بتقديم رؤية شاملة حول مستجدات المنظومة الصحية    الحسيمة.. استنفار أمني لتأمين احتفالات رأس السنة الميلادية (صور)    النظام الجزائري يعيش أسوأ أيامه والارتباك سيّد الموقف    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الارتفاع    48 ألف مخالفة سير الأسبوع الماضي ضخت 860 مليونا في صندوق الدولة    بتعليمات ملكية.. المفتش العام للقوات المسلحة الملكية يستقبل مستشار أمير دولة قطر لشؤون الدفاع    بايتاس يستعرض بمجلس المستشارين التدابير المتعلقة بتحسين الوضعية المالية والإدارية لموظفي إدارة السجون وإعادة الإدماج    رأس السنة الميلادية.. نارسا تحث السائقين على اتخاذ الاحتياطات    تحويلات مغاربة العالم تتجاوز 108 مليارات .. والاستثمارات الأجنبية ترتفع    ارتفاع أسعار اللحوم .. مستوردون يطالبون برفع القيود عن المجازر    منظمة تثمن مسار مراجعة مدونة الأسرة    سوريا: تعيين مرهف أبو قصرة وزيراً للدفاع.. بعد يومين من ترقيته إلى رتبة لواء    المغرب ‬يفتح ‬أول ‬قنوات ‬التواصل ‬مع ‬النظام ‬الحاكم ‬الجديد ‬في ‬سوريا    أمن الحسيمة يُحقق في وفاة شخص عُثر على جثته داخل منزل    تعيين الفنانة الأمازيغة لطيفة أحرار عضواً بمجلس إدارة وكالة تقييم جودة التعليم العالي    ضبط شحنة ضخمة من المخدرات بالمعبر الحدودي بفضل عملية أمنية نوعية    حجز 7 أطنان من الكوكايين مدفونة في مزرعة بإسبانيا    تنبيه من خطورة عودة انتشار "بوحمرون" بالمغرب ودعوة إلى ضرورة التلقيح للقضاء عليه    أي موعد لأي فن سابع ..    دراسة: هذه المشروبات قد تحد من مخاطر الإصابة بالسرطان    الرجاء البيضاوي يعلن عن "لقاء تواصلي للتنسيق للمرحلة الانتقالية" بعد تدني النتائج    كلُّ عامٍ والدّنيَا بخير..!    تقنية جديدة من شأنها إنقاذ مرضى سرطان القولون    اختتام مهرجان بويا في سمفونية نسائية بسماء الحسيمة    ابن الحسيمة المحامي رضوان الداودي ينال شهادة الدكتوراه في القانون الخاص    مطالب برلمانية بتشكيل مهمة استطلاعية مؤقتة حول سير عمليات إعادة الايواء والإعمار بمناطق الزلزال    الصحة العالمية تطالب الصين بمشاركة البيانات حول أصل كوفيد-19    أول اتصال رسمي بين المغرب وسوريا بعد الإطاحة بنظام الأسد    حجيرة: المشاورات الجهوية لتهييء برنامج عمل التجارة الخارجية (2025-2026) أسفرت عن 524 مقترحا    براد بيت وأنجلينا جولي يوقعان اتفاق طلاق بعد 8 سنوات من المعركة القانونية    المغرب يسجل تحسنا في معدل النمو    لاعبون جدد يطرقون باب المنتخب المغربي بعد تألقهم رفقة نواديهم    استجابة قوية من المغاربة المقيمين بالخارج للاستفادة من برنامج دعم السكن    ارتفاع مرتقب في أسعار الغازوال والبنزين مع بداية السنة الجديدة    أطباء مغاربة ينددون ب"جريمة" إحراق إسرائيل مستشفى كمال عدوان بغزة    الإدارة الجديدة في سوريا تعين مقاتلين إسلاميين أجانب في الجيش بعضهم برتب عليا    بنك المغرب: تزايد نمو القروض البنكية إلى 2,5 في المائة    ألمانيا تتهم إيلون ماسك بمحاولة التأثير على انتخاباتها التشريعية    الدكتور فؤاد بوعلي ضيفا في حلقة اليوم من "مدارات" بالإذاعة الوطنية    فنانون مغاربة غادرونا إلى دار البقاء في سنة 2024    تطورات مثيرة.. هل ينجح برشلونة في تسجيل داني أولمو اليوم … ؟    منخرطو الوداد الرياضي ينتقدون أيت منا ويصفون وضع الفريق ب "الكارثي" بسبب التعاقدات الفاشلة والتسيير العشوائي    توقعات أحوال الطقس ليوم الثلاثاء    الجامعة تعلن عن اجتماع تحضيري استعدادا للجموع العامة للعصب    تسبّب أمراضاً قاتلة..الفئران تحاصر ساكنة مدينة غلاسكو البريطانية    لحسن الهلالي : " نتائج إيجابية حققها الأبطال المغاربة في مختلف البطولات القارية و العالمية "    محكمة استئناف فدرالية تؤيد حكما بإلزام ترامب دفع 5 ملايين دولار في قضية اعتداء جنسي    الصين: صدور أول تقرير عن الأبحاث العلمية في "محطة الفضاء الصينية"    إشبيلية يودع أيقونته نافاس بحفل تكريمي أمام 45 ألف متفرج    تراكم الثلوج يحفز الجهود في ميدلت    باسل خياط يخالف مبادئه ويقع في الحب ضمن الدراما الاجتماعية الرومانسية "الثمن" على "5MBC"    إدارة "غلطة سراي" تفاوض زياش    بنكيران: الملك لم يورط نفسه بأي حكم في مدونة الأسرة ووهبي مستفز وينبغي أن يوكل هذا الموضوع لغيره    الثورة السورية والحكم العطائية..    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة أولية في نتائج المجلس الأعلى للقضاء
نشر في هسبريس يوم 14 - 08 - 2014


دورة ماي 2014
بعد أكثر من يومين من تسريبها جزئيا عبر الهواتف والمواقع الالكترونية بل وحتى عبر صفحات التواصل الاجتماعي نشرت وزارة العدل والحريات عبر موقعها الرسمي أخيرا نتائج أشغال المجلس الأعلى للقضاء لدورة ماي 2014، والتي همت بالأساس الترقيات والمسؤوليات والمتابعات التأديبية وتعيين قضاة بمحكمة النقض فضلا عن جعل حد لتمديد حد سن تقاعد قضاة، وتغيير المناصب لبعض القضاة.
القراءة الأولية للنتائج تؤكد ورغم بعض التحسن في طريقة عمل المجلس على مستوى معايير الاشتغال إلا أنه لم يرقى بعد لمستوى تطلعات القضاة والمطالب التي لطالما عبروا عنها رفقة كل المهتمين بمنظومة العدالة بضرورة معيرة طريقة الاشتغال وضمان موضوعية النتائج وشفافيتها وتكريس مبدأ تكافؤ الفرص بين القضاة وتحصينهم من كل محاولات التأثير غير المشروع عليهم أو محاولة استغلال المؤسسة لتحقيق أهداف انتخابوية أو سياسية أو فئوية ضيقة .
أولى الملاحظات التي يمكن ابداؤها بخصوص القراءة الأولية لهذه النتائج عدم القطع مع لغة الهواتف من خلال التأخير المتعمد في نشر نتائج أشغال دورة المجلس عبر الموقع الرسمي وتسريبها من خلال الاتصالات الهاتفية مع بعض الأعضاء أو المقربين منهم وهو ما يكرس ثقافة انعدام الشفافية وتكافؤ الفرص في الوصول إلى المعلومة ، وحري بنا أن نتساءل كيف يتفاجأ القضاة ببعض التسريبات التي تصل أحيانا لدرجة نشرها في مواقع الكترونية وصحف ورقية ويكون القضاة أنفسهم آخر من يعلمون بها عبر قنوات التواصل الرسمية؟
ثاني ملاحظة تتعلق بتعمد وزارة العدل والحريات نشر نتائج هذه الدورة من خلال موقعها الرسمي رغم امكانية نشرها عبر موقع كتابة المجلس الأعلى للقضاء وهي مبادرة كان من شأن اللجوء إليها اعطاء اشارة قوية لوجود نية صادقة في التأسيس لفك الارتباط بين مؤسسة المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل في أفق تأسيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ولا شك أن اقدام الوزارة على نشر نتائج المجلس في موقع خاص بهذه المؤسسة الدستورية لم يكن ليكلفها الكثير لا سيما إذا استحضرنا التطور الذي تعرفه وسائل الاتصال الحديثة والإمكانيات التي تتيحها شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الافتراضية لكي تفي بالمطلوب وبأقل تكلفة.
وإذا تجاوزنا هذه الملاحظات الشكلية الأولية وحاولنا دراسة النتائج من حيث مضامينها يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
أ‌- الشق المتعلق بالمسؤوليات وأزمة الحلقة المفرغة:
حسب المعطيات الأولية التي نشرتها وزارة العدل والحريات يتبين وقوع تغييرات على مستوى المسؤوليات القضائية همت 9 مناصب في محاكم الاستئناف و35 منصب على مستوى المحاكم الابتدائية، شملت مسؤولين قضائيين قضوا مدة 10 سنوات في مناصبهم وقد أفرزت النتائج :
- تعيين 16 مسؤولا جديدا من مجموع 35 مسؤولا في المحاكم الابتدائية .
- تعيين مسؤول جديد واحد من مجموع 9 مسؤولين في محاكم الاستئناف.
وبقراءة أخرى لهذه النتائج يلاحظ أنه كان لافتا تعيين عدد من المسؤولين القضائيين في مناصب جديدة رغم أنه لم تمر على تعيينهم في هذه المناصب سوى أشهر قليلة، كما يلاحظ أن أسماء قليلة لنفس الأشخاص تتردد بين دورة وأخرى للمجلس وهي ملاحظات أولية تدفع لطرح أسئلة كبرى من قبيل : هل نعاني أزمة كفاءات؟ أم أن القضاء المغربي زاخر بأسماء كفاءات قضائية لكن الأضواء لا تسلط عليها ؟ ولماذا الاعتماد دوما على نفس الأسماء لدرجة أننا أضحينا أمام ما يشبه الحلقة المفرغة في توزيع مناصب المسؤولية القضائية والتي يبدو أنها تتداول داخل اطار ضيق. وفي نفس المجال ثمة ملاحظة أخرى يمكن لأي باحث أو مهتم أن يسجلها بخصوص كون النصيب الأوفر لمناصب المسؤولية القضائية عادت من نصيب قضاة النيابة العامة وهي الجهة القضائية التي لا تزال تابعة لوزارة العدل، دون اغفال كون أغلب مناصب صنع القرار القضائي منحت لقضاة ينتمون لإطار جمعوي معين وهو ما قد يطرح أكثر من سؤال حول معطى الانتماء الجمعوي وأثره في توزيع مناصب المسؤولية القضائية.
لكن الخاسر الأكبر في نتائج أشغال الدورة الأخيرة في الشق المتعلق بالمسؤوليات القضائية هي المرأة القاضية التي يبدو أنها لم تحظ بعد بثقة المجلس إذ أن أغلب التعيينات الأخيرة تطغى عليها السمة "الشرفية" بوجود حالات محدودة لتعيين المرأة القاضية كمسؤولة قضائية.
وما يؤكد تجاهل وزارة العدل والحريات لمقاربة النوع الاجتماعي غياب أي احصائيات أو معطيات تتعلق بالنوع في الورقة التي نشرتها بخصوص نتائج أشغال المجلس الاعلى للقضاء مما يؤكد أن ثقافة النوع الاجتماعي لا تزال مغيبة تماما في طريقة عمل هذه المؤسسة.
ان استثناء النساء القاضيات من التعيين في مناصب صنع القرار القضائي رغم النجاحات الكبيرة التي استطاعت المرأة القاضية تحقيقها مدة تزيد عن نصف قرن من الزمان ، وعدم تدرجهن في مناصب المسؤولية القضائية يؤكد وجود أزمة ثقة في الكفاءات النسائية الموجودة القادرة على ترجمة الاصلاح المنشود للمجال القضائي رغم أن من أسباب معضلة العدالة في بلادنا تهميش الكفاءات النسائية والإبقاء على مناصب المسؤولية القضائية حكرا على دائرة ضيقة دون معايير شفافة واضحة ودقيقة تكفل تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين القضاة وهي ذات الملاحظات التي سبق التنبيه إليها في ورشات نادي قضاة المغرب والمرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية كما تم تبنيها في المناظرة الوطنية لإصلاح منظومة العدالة التي نظمها النسيج المدني للدفاع عن استقلال السلطة القضائية .
ب‌- ترقية القضاة أم الحرمان من الترقية !
يبدو من خلال نتائج الدورة الأخيرة للمجلس أنه تم البت في وضعية القضاة المتوفرين على الشروط الإدارية اللازمة للترقية من درجة إلى درجة أعلى خلال السنة الحالية وهكذا تم:
- ترقية 332 قاضيا من الدرجة الأولى إلى الدرجة الاستثنائية بنسبة 92,99% من مجموع المؤهلين للترقي وهم 357 قاض.
- ترقية 120 قاضيا من الدرجة الثانية إلى الدرجة الأولى بنسبة 86,95% من مجموع المؤهلين للترقي وهم 138 قاض.
- ترقية 4 قضاة من الدرجة الثالثة إلى الدرجة الثانية بنسبة 33,33% من مجموع المؤهلين للترقي وهم 12 قاض.
ومن خلال هذه النتائج يلاحظ أنه :
- تم اعتماد المعايير التي سبق للمجلس أن اعتمدها خلال الدورة السابقة في موضوع الترقيات وهي المحددة في التسجيل بلائحة الأهلية، الأقدمية في سلك القضاء، الأقدمية في الدرجة، الكفاءة المهنية والعلمية، النجاعة في العمل، السلوك، وخلو الملف من أي ملاحظة سلبية خلال الخمس سنوات الأخيرة.
ويتبين من خلال نفس النتائج أنه تم حرمان حوالي 11 بالمائة من القضاة المتوفرين على الشروط اللازمة من الترقية وذلك –ربما- نظرا لوجود ملاحظة سلبية تم تضمينها في ملفاتهم، الشيئ الذي قد يطرح أكثر من سؤال حول الضمانات المخولة لهم من أجل الاستفادة من حق الترقية، فكيف يعقل حرمان قاض من حقه في الترقية اعتمادا على مجرد ملاحظة سلبية دونت بشكل سري من طرف مسؤول قضائي في الملف الاداري للقاضي، وكيف يسوغ للمجلس الاعتماد على هذه الملاحظة السلبية لحرمان قاض من الترقية دون تكليف نفسه حتى عناء اجراء الأبحاث اللازمة للتأكد من صحة ما تم تضمينه في الملف؟ ألا يمكن أن يكون سبب هذه الملاحظات السلبية هو رفض القاضي المعني بالأمر للغة الاملاءات أو محاولات المس باستقلاليته أو حتى محاولات المس بالضمانات القانونية، وفي هذا السياق حري بنا أن نتساءل عن مآل الكتاب الذي وجهه نادي قضاة المغرب للسيد وزير العدل من أجل فتح تحقيق حول أسباب عدم ترقية عدد من قضاة المحكمة الابتدائية بالناظور في الدورة السابقة والذي ظل دون أي جواب ليتفاجأ عدد من القضاة الذين سبق لهم العمل بنفس المحكمة بحرمانهم من جديد من حقهم في الترقية خلال هذه الدورة ..
وعموما فإن الدراسة الأولية لنتائج الشق المتعلق بالترقيات تؤكد وجود نوع من الازدواجية و التعامل بمكيالين مع بعض الحالات وحرمان قضاة من الحق في الترقية لمواقفهم المعروفة في الدفاع عن استقلاليتهم.
من جهة أخرى لا بد من تسجيل استمرار خرق المجلس للمرسوم المتعلق بتنقيط القضاة وخاصة المادة 8 منه وذلك بإخضاع قضاة الدرجة الأولى للتنقيط كأساس للترقية، والحال أنهم يخضعون لمعيار الأقدمية في الدرجة.
وبالرغم من هذه الملاحظات السلبية لا بد من تثمين قرار المجلس الأعلى للقضاء في دورة ماي 2014 بترقية القضاة دون تنقيلهم لمحاكم جديدة دونا عن ارادتهم ونتمنى أن يشمل هذا القرار جميع الأفواج من القضاة وفي جميع الدورات انتصارا لمبدأ عدم قابلية القضاة للنقل ، واستجابة لمطالب نادي قضاة المغرب بإلغاء ما بات يعرف بالترقية الملغومة والتي تعني ربط ترقية القضاة بتنقيلهم بدون طلبهم للعمل بمحاكم نائية . لكون حل مشكل العمل في بعض المناطق يستدعي مقاربة شمولية وليس حلولا جزئية تطبق بشكل انتقائي.
ت‌- التأديبات .. انتكاسة لقرينة البراءة لغة الردع في زمن الاصلاح:
لا شك أن نتائج الدورة الأخيرة للمجلس الأعلى للقضاء في شقها المتعلق بموضوع التأديبات جاءت "صادمة"، وهي أقل كلمة يمكن وصفها كقراءة أولية للنتائج فما بين عزل وتنقيل وتوقيف وتوبيخ وحرمان من الترقية تنوعت العقوبات المتخذة في حق عدد من القضاة خاصة على مستوى ما بات يعرف بملف قضاة الرأي .
ورغم أن وزارة العدل لم تعمل على نشر أسماء القضاة المتخذة في حقهم عقوبات تأديبية فإن ما تم نشره عبر صفحات التواصل الاجتماعي من أخبار تؤكد ادانة عضوي نادي قضاة المغرب القاضيين الجليلين الدكتور محمد الهيني والقاضي رشيد العبدلاوي تدفع للوقوف لحظات تأمل لمعرفة واقع المتابعات التأديبية للقضاة ومدى الضمانات القانونية المخولة لهم فالمستشار محمد الهيني أحيل على المجلس الأعلى للقضاء على خلفية خاطرة أدبية كتبها عبر صفحات التواصل الإجتماعي، اعتبرها السيد وزير العدل تشكل إساءة لمدير مركزي بالوزارة، ورغم أن المستشار الدكتور الهيني أكد أمام المفتشية العامة أن تلك العبارات لم يستهدف بها شخصا محددا، ورغم أن المدير المركزي أكد تنازله عن الشكاية التي سبق أن قدمها للوزارة بحضور ثلاث قضاة، إلا أن السيد وزير العدل والحريات أصر على متابعته، الشيء الذي اعتبرته فعاليات حقوقية ومدنية واسعة استهدافا للمستشار محمد الهيني بسبب الأحكام القضائية التي ساهم في صدورها ورغبة أكيدة في ايجاد مبرر لاستبعاده من المحكمة الادارية الشيء الذي تحقق وبالتأكيد بعد الاعلان عن القرار المتخذ في حق المستشار محمد الهيني بادانته وتنقيله من المحكمة الادارية إلى قضاء النيابة العامة ! الشيء الذي قد يطرح أكثر من علامة تساؤل حول مبررات المصلحة القضائية من وراء هذا القرار الذي سيكلف القضاء المغربي خسارة جسيمة بفقدان أحد رموز القضاء الاداري المعروف بكتاباته ودراساته المتخصصة في المادة الادارية فأي اضافة سيقدمها قاض متخصص في المادة الادارية بمحكمة متخصصة إلى جهاز النيابة العامة في محكمة عادية سوى الخضوع لسلطة وزارة العدل في اطار التسلسل الاداري ولتعليمات المسؤول القضائي. وما علاقة الأفعال المنسوبة إلى المستشار محمد الهيني بالقرار المتخذ في حقه .
إن قضية المستشار محمد الهيني تعد مناسبة هامة لدراسة رصينة ودقيقة حول فصول هذه المتابعة التأديبية التي تعد واحدة من أكثر الملفات التي حظيت بمتابعة اعلامية وحقوقية واسعة ولا أدل على ذلك من عدد القضاة والمحامين المؤازرين له أمام المجلس الأعلى للقضاء والبيانات الصادرة حول القضية ومن بينها بيان وزارة العدل والحريات الذي نشر في موقعها الرسمي والذي استبق قرار الادانة بالإعلان عن ثبوت الأفعال المنسوبة في حق المستشار محمد الهيني في خرق واضح لقرينة البراءة .
أما قضية القاضي رشيد العبدلاوي الذي أحيل على المجلس الأعلى للقضاء بسبب صورة نشرت له تظهر ظروف العمل المزرية بإحدى محاكم المملكة والتي اعتبرتها الوزارة تشكل خروجا عن واجب التحفظ وإساءة لسمعة القضاء! فإنها تطرح للنقاش سؤال الوضعية الهشة للاستقلال المالي للسلطة القضائية بالمغرب، واهمال الجهات المعنية وتقصيرها في توفير البنايات الملائمة والوسائل الضرورية لقيام القضاة والسلطة القضائية بأدوارها الدستورية.
فعوض القيام ببحت محايد ودقيق من أجل التأكد من صحة المعطيات المرفوعة من الادارة القضائية إلى وزارة العدل تم الاكتفاء بالأخذ بما جاء في التقرير الذي أنجزه مسؤول قضائي الذي يؤكد أن المكاتب كانت موجودة وموضوعة رهن اشارة القضاة ، وتم تجاهل الاشهاد الموقع عليه من طرف 14 قاضيا والذين يؤكدون فيه أنه منذ التحاقهم بمقر محكمة الاستئناف بطنجة ابتداء من تاريخ 1-1-2014 لم يتم توفير أي مكتب للقضاة إلا بعد تاريخ 20-1-2014 أي بعد نشر الصورة التي تظهر تردي الوضع بمقر المحكمة .
ان ركون المجلس لنظرية المسؤول القضائي وقراره ادانة القاضي رشيد العبدلاوي يدفع لطرح تساؤلات أخرى من قبيل هل نظرية المسؤول القضائي نظرية مطلقة لا تقبل اثبات أي عكس؟ وهل نظريته تجب ما سواها من أقوال وشهادات قد يدلي بها العاملون بالمحكمة والمعايشون لنفس الأوضاع ؟ ثم هل محاكمة رشيد العبدلاوي هي التي من شأنها أن تحافظ على سمعة القضاء -كما جاء في صك المتابعة- أم أنها بحد ذاتها تشكل نوعا من الاساءة لصورة الحراك القضائي الذي نعيشه خاصة اذا استحضرنا انعدام أي أساس قانوني لها، وحري بنا أن نتساءل أيضا هل اضطرار قاض لتحدي الوضع المزري لظروف الاشتغال وإصراره على الإطلاع على الملفات المزمنة في الأماكن المخصصة للمتقاضين بعد تعذر ايجاد مكان آخر لذلك، يعتبر خروجا عن الأخلاق القضائية وخطأ مهنيا موجبا للمسؤولية التأديبية أم أنه سلوك حضاري نابع من الحرص على تنزيل ميثاق حقوق المتقاضين وترجمة لمبدأ انخراط القضاء في خدمة المواطن مهما كانت الظروف؟ ألم يحمل القضاة زيهم الرسمي وعقدوا جلسات ماراتونية تحت الخيام بالهواء الطلق في الجبال والسهول والضواحي من أجل حملة توثيق عقود الزواج ؟
ان نتائج أشغال الدورة الأخيرة للمجلس الأعلى للقضاء في الشق المتعلق بالتأديبات تدفع أي متتبع ومهتم بالشأن القضائي إلى استخلاص استمرار نفس المؤاخذات التي سبق تسجيلها بخصوص طريقة اشتغال المجلس (انظر بيانات نادي قضاة المغرب وورشات المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية) لا سيما من خلال الانتصار لقرينة الادانة كأصل، وتغليب المقاربة الزجرية على حساب المقاربة الحقوقية لا سيما من خلال المس بحقوق الدفاع ، وإعطاء الأولوية للغة الردع وهي ثمة حاضرة وبقوة في نتائج الدورة الأخيرة للمجلس الأعلى للقضاء والتي تؤكد أن تحسين الأوضاع المادية للقضاة لا يعد انتهاء لمسار الدفاع عن استقلال السلطة القضائية، فالطريق من أجل الاستقلال الفعلي والحقيقي للقضاء ومن أجل احترام الضمانات الدستورية لا يزال طويلا وهو يحتاج لاستمرار تكتل القضاة ومعهم كل الفعاليات الحقوقية من أجل حماية المكتسبات التي تحققت ومن اجل استمرار النضال حتى يتم تحويل استقلال القضاء من مجرد شعار إلى واقع وممارسة .
ولا شك أن ذلك لا يقتضي الانسحاب من الساحة كما أعلن عن ذلك المستشار محمد الهيني احتجاجا على قرار الادانة والتنقيل من القضاء الاداري إلى قضاء النيابة العامة .
فالإصلاح لن يتحقق بالانسحاب وترك الساحة فارغة .
ان الاصلاح يحتاج للمشاركة حتى اذا كانت هناك نوايا لجهات تحاول تجفيف منابع الحراك القضائي أو استهداف القضاة النشطاء في هذا الحراك .
*عضو نادي قضاة المغرب
عضو المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية
باحث بكلية الحقوق بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.