ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد المداولة : مجرد رأي حول نتائج المجلس الأعلى للقضاء دورة ماي 2014
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 09 - 09 - 2014

نشرت وزارة العدل والحريات أخيرا بتاريخ 11 غشت 2014 عبر موقعها الرسمي نتائج أشغال المجلس الأعلى للقضاء لدورة ماي 2014، والتي همت بالأساس مواضيع : الترقيات والمسؤوليات والمتابعات التأديبية وتعيين قضاة بمحكمة النقض فضلا عن جعل حد لتمديد حد سن تقاعد قضاة، وتغيير المناصب لبعض القضاة.
والقراءة الأولية لنتائج هذه الدورة تؤكد ورغم بعض التحسن في طريقة عمل المجلس الأعلى للقضاء على مستوى معايير الاشتغال إلا أنه لم يرقى بعد لمستوى تطلعات القضاة والمطالب التي لطالما عبروا عنها رفقة كل المهتمين بمنظومة العدالة بضرورة معيرة طريقة الاشتغال وضمان موضوعية النتائج وشفافيتها وتكريس مبدأ تكافؤ الفرص بين القضاة وتحصينهم من كل محاولات التأثير غير المشروع عليهم أو محاولة استغلال المؤسسة لتحقيق أهداف انتخابوية أو فئوية ضيقة لا تمت بأي صلة للأهداف التي من أجلها تم احداث هذه المؤسسة الدستورية.
فما هي المستجدات التي حملتها نتائج أشغال دورة ماي للمجلس الأعلى للقضاء؟ إلى أي حد وفق في تجاوز الانتقادات التي وجهت لنتائج الدورات السابقة ؟
أولا : ملاحظات شكلية حول نتائج دورة ماي للمجلس الأعلى للقضاء
تتمثل أولى الملاحظات التي يمكن ابداؤها بخصوص القراءة الأولية لنتائج دورة ماي للمجلس الأعلى للقضاء في عدم القطع الكلي مع لغة الهواتف من خلال التأخير المتعمد في نشر نتائج أشغال دورة المجلس عبر الموقع الرسمي وتسريبها من خلال الاتصالات الهاتفية مع بعض الأعضاء أو المقربين منهم وهو ما يكرس ثقافة انعدام الشفافية وتكافؤ الفرص في الوصول إلى المعلومة ، وحري بنا أن نتساءل كيف يتفاجأ القضاة ببعض التسريبات التي تصل أحيانا لدرجة نشرها في مواقع الكترونية وصحف ورقية ويكون القضاة أنفسهم آخر من يعلمون بها عبر قنوات التواصل الرسمية؟
ثاني ملاحظة تتعلق بتعمد وزارة العدل والحريات نشر نتائج هذه الدورة من خلال موقعها الرسمي رغم امكانية نشرها عبر موقع كتابة المجلس الأعلى للقضاء وهي مبادرة كان من شأن اللجوء إليها اعطاء اشارة قوية لوجود نية صادقة في التأسيس لفك الارتباط بين مؤسسة المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل في أفق تأسيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ولا شك أن اقدام الوزارة على نشر نتائج المجلس في موقع خاص بهذه المؤسسة الدستورية لم يكن ليكلفها الكثير لا سيما إذا استحضرنا التطور الذي تعرفه وسائل الاتصال الحديثة والإمكانيات التي تتيحها شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الافتراضية لكي تفي بالمطلوب وبأقل تكلفة.
ثانيا : نتائج دورة ماي للمجلس الأعلى للقضاء أي معايير لتدبير الوضعية الفردية للقضاة
إذا تجاوزنا الملاحظات الشكلية الأولية وحاولنا دراسة النتائج من حيث مضامينها يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
1- الشق المتعلق بالمسؤوليات وأزمة الحلقة المفرغة:
حسب المعطيات الأولية التي نشرتها وزارة العدل والحريات يتبين وقوع تغييرات على مستوى المسؤوليات القضائية همت 9 مناصب في محاكم الاستئناف و35 منصب على مستوى المحاكم الابتدائية، شملت مسؤولين قضائيين قضوا مدة 10 سنوات في مناصبهم وقد أفرزت النتائج :
- تعيين 16 مسؤولا جديدا من مجموع 35 مسؤولا في المحاكم الابتدائية .
- تعيين مسؤول جديد واحد من مجموع 9 مسؤولين في محاكم الاستئناف.
وبقراءة أخرى لهذه النتائج يلاحظ أنه كان لافتا تعيين عدد من المسؤولين القضائيين في مناصب جديدة رغم أنه لم تمر على تعيينهم في هذه المناصب سوى أشهر قليلة، كما يلاحظ أن أسماء قليلة لنفس الأشخاص تتردد بين دورة وأخرى للمجلس وهي ملاحظات أولية تدفع لطرح أسئلة كبرى من قبيل : هل نعاني أزمة كفاءات؟ أم أن القضاء المغربي زاخر بأسماء كفاءات قضائية لكن الأضواء لا تسلط عليها ؟ ولماذا الاعتماد دوما على نفس الأسماء لدرجة أننا أضحينا أمام ما يشبه الحلقة المفرغة في توزيع مناصب المسؤولية القضائية والتي يبدو أنها تتداول داخل اطار ضيق. وفي نفس المجال ثمة ملاحظة أخرى يمكن لأي باحث أو مهتم أن يسجلها بخصوص كون النصيب الأوفر لمناصب المسؤولية القضائية عادت من نصيب قضاة النيابة العامة وهي الجهة القضائية التي لا تزال تابعة لوزارة العدل، دون اغفال كون أغلب مناصب صنع القرار القضائي منحت لقضاة ينتمون لإطار جمعوي معين وهو ما قد يطرح أكثر من سؤال حول معطى الانتماء الجمعوي وأثره في توزيع مناصب المسؤولية القضائية.
لكن الخاسر الأكبر في نتائج أشغال الدورة الأخيرة في الشق المتعلق بالمسؤوليات القضائية هي المرأة القاضية التي يبدو أنها لم تحظ بعد بثقة المجلس إذ أن أغلب التعيينات الأخيرة تطغى عليها السمة «الشرفية» بوجود حالات محدودة لتعيين المرأة القاضية كمسؤولة قضائية.
وما يؤكد تجاهل وزارة العدل والحريات لمقاربة النوع الاجتماعي غياب أي احصائيات أو معطيات تتعلق بالنوع في الورقة التي نشرتها بخصوص نتائج أشغال المجلس الاعلى للقضاء مما يؤكد أن ثقافة النوع الاجتماعي لا تزال مغيبة تماما في طريقة عمل هذه المؤسسة.
ان استثناء النساء القاضيات من التعيين في مناصب صنع القرار القضائي رغم النجاحات الكبيرة التي استطاعت المرأة القاضية تحقيقها مدة تزيد عن نصف قرن من الزمان، وعدم تدرجهن في مناصب المسؤولية القضائية يؤكد وجود أزمة ثقة في الكفاءات النسائية الموجودة القادرة على ترجمة الاصلاح المنشود للمجال القضائي رغم أن من أسباب معضلة العدالة في بلادنا تهميش الكفاءات النسائية والإبقاء على مناصب المسؤولية القضائية حكرا على دائرة ضيقة دون معايير شفافة واضحة ودقيقة تكفل تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين القضاة وهي ذات الملاحظات التي سبق التنبيه إليها في ورشات نادي قضاة المغرب والمرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية كما تم تبنيها في المناظرة الوطنية لإصلاح منظومة العدالة التي نظمها النسيج المدني للدفاع عن استقلال السلطة القضائية .
2- ترقية القضاة أم الحرمان من الترقية !
يبدو من خلال نتائج الدورة الأخيرة للمجلس أنه تم البت في وضعية القضاة المتوفرين على الشروط الإدارية اللازمة للترقية من درجة إلى درجة أعلى خلال السنة الحالية وهكذا تم:
- ترقية 332 قاضيا من الدرجة الأولى إلى الدرجة الاستثنائية بنسبة 92,99% من مجموع المؤهلين للترقي وهم 357 قاض.
- ترقية 120 قاضيا من الدرجة الثانية إلى الدرجة الأولى بنسبة 86,95% من مجموع المؤهلين للترقي وهم 138 قاض.
- ترقية 4 قضاة من الدرجة الثالثة إلى الدرجة الثانية بنسبة 33,33% من مجموع المؤهلين للترقي وهم 12 قاض.
ومن خلال هذه النتائج يلاحظ أنه :
- تم اعتماد المعايير التي سبق للمجلس أن اعتمدها خلال الدورة السابقة في موضوع الترقيات وهي المحددة في التسجيل بلائحة الأهلية، الأقدمية في سلك القضاء، الأقدمية في الدرجة، الكفاءة المهنية والعلمية، النجاعة في العمل، السلوك، وخلو الملف من أي ملاحظة سلبية خلال الخمس سنوات الأخيرة.
ويتبين من خلال نفس النتائج أنه تم حرمان حوالي 11 بالمائة من القضاة المتوفرين على الشروط اللازمة من الترقية وذلك -ربما- نظرا لوجود ملاحظة سلبية تم تضمينها في ملفاتهم، الشيئ الذي قد يطرح أكثر من سؤال حول الضمانات المخولة لهم من أجل الاستفادة من حق الترقية، فكيف يعقل حرمان قاض من حقه في الترقية اعتمادا على مجرد ملاحظة سلبية دونت بشكل سري من طرف مسؤول قضائي في الملف الاداري للقاضي، وكيف يسوغ للمجلس الاعتماد على هذه الملاحظة السلبية لحرمان قاض من الترقية دون تكليف نفسه حتى عناء اجراء الأبحاث اللازمة للتأكد من صحة ما تم تضمينه في الملف؟ ألا يمكن أن يكون سبب هذه الملاحظات السلبية هو رفض القاضي المعني بالأمر للغة الاملاءات أو محاولات المس باستقلاليته أو حتى محاولات المس بالضمانات القانونية، وفي هذا السياق حري بنا أن نتساءل عن مآل الكتاب الذي وجهه نادي قضاة المغرب للسيد وزير العدل من أجل فتح تحقيق حول أسباب عدم ترقية عدد من قضاة المحكمة الابتدائية بالناظور في الدورة السابقة والذي ظل دون أي جواب ليتفاجأ عدد من القضاة الذين سبق لهم العمل بنفس المحكمة بحرمانهم من جديد من حقهم في الترقية خلال هذه الدورة ..
وعموما فإن الدراسة الأولية لنتائج الشق المتعلق بالترقيات تؤكد وجود نوع من الازدواجية و التعامل بمكيالين مع بعض الحالات وحرمان قضاة من الحق في الترقية لمواقفهم المعروفة في الدفاع عن استقلاليتهم.
من جهة أخرى لا بد من تسجيل استمرار خرق المجلس للمرسوم المتعلق بتنقيط القضاة وخاصة المادة 8 منه وذلك بإخضاع قضاة الدرجة الأولى للتنقيط كأساس للترقية، والحال أنهم يخضعون لمعيار الأقدمية في الدرجة.
وبالرغم من هذه الملاحظات السلبية لا بد من تثمين قرار المجلس الأعلى للقضاء في دورة ماي 2014 بترقية القضاة دون تنقيلهم لمحاكم جديدة دونا عن ارادتهم ونتمنى أن يشمل هذا القرار جميع الأفواج من القضاة وفي جميع الدورات انتصارا لمبدأ عدم قابلية القضاة للنقل ، واستجابة لمطالب نادي قضاة المغرب بإلغاء ما بات يعرف بالترقية الملغومة والتي تعني ربط ترقية القضاة بتنقيلهم بدون طلبهم للعمل بمحاكم نائية . لكون حل مشكل العمل في بعض المناطق يستدعي مقاربة شمولية وليس حلولا جزئية تطبق بشكل انتقائي.
3- التأديبات .. انتكاسة لقرينة البراءة لغة الردع في زمن الاصلاح:
لا شك أن نتائج الدورة الأخيرة للمجلس الأعلى للقضاء في شقها المتعلق بموضوع التأديبات جاءت «صادمة»، وهي أقل كلمة يمكن وصفها كقراءة أولية للنتائج فما بين عزل وتنقيل وتوقيف وتوبيخ وحرمان من الترقية تنوعت العقوبات المتخذة في حق عدد من القضاة خاصة على مستوى ما بات يعرف بملف قضاة الرأي .
ورغم أن وزارة العدل لم تعمل على نشر أسماء القضاة المتخذة في حقهم عقوبات تأديبية فإن ما تم نشره عبر صفحات التواصل الاجتماعي من أخبار تؤكد ادانة عضوي نادي قضاة المغرب القاضيين الجليلين الدكتور محمد الهيني والقاضي رشيد العبدلاوي تدفع للوقوف لحظات تأمل لمعرفة واقع المتابعات التأديبية للقضاة ومدى الضمانات القانونية المخولة لهم فالمستشار محمد الهيني أحيل على المجلس الأعلى للقضاء على خلفية خاطرة أدبية كتبها عبر صفحات التواصل الإجتماعي، اعتبرها السيد وزير العدل تشكل إساءة لمدير مركزي بالوزارة، ورغم أن المستشار الدكتور الهيني أكد أمام المفتشية العامة أن تلك العبارات لم يستهدف بها شخصا محددا، ورغم أن المدير المركزي أكد تنازله عن الشكاية التي سبق أن قدمها للوزارة بحضور ثلاث قضاة، إلا أن السيد وزير العدل والحريات أصر على متابعته، الشيء الذي اعتبرته فعاليات حقوقية ومدنية واسعة استهدافا للمستشار محمد الهيني بسبب الأحكام القضائية التي ساهم في صدورها ورغبة أكيدة في ايجاد مبرر لاستبعاده من المحكمة الادارية الشيء الذي تحقق وبالتأكيد بعد الاعلان عن القرار المتخذ في حق المستشار محمد الهيني بادانته وتنقيله من المحكمة الادارية إلى قضاء النيابة العامة ! الشيء الذي قد يطرح أكثر من علامة تساؤل حول مبررات المصلحة القضائية من وراء هذا القرار الذي سيكلف القضاء المغربي خسارة جسيمة بفقدان أحد رموز القضاء الاداري المعروف بكتاباته ودراساته المتخصصة في المادة الادارية فأي اضافة سيقدمها قاض متخصص في المادة الادارية بمحكمة متخصصة إلى جهاز النيابة العامة في محكمة عادية سوى الخضوع لسلطة وزارة العدل في اطار التسلسل الاداري ولتعليمات المسؤول القضائي. وما علاقة الأفعال المنسوبة إلى المستشار محمد الهيني بالقرار المتخذ في حقه .
إن قضية المستشار محمد الهيني تعد مناسبة هامة لدراسة رصينة ودقيقة حول فصول هذه المتابعة التأديبية التي تعد واحدة من أكثر الملفات التي حظيت بمتابعة اعلامية وحقوقية واسعة ولا أدل على ذلك من عدد القضاة والمحامين المؤازرين له أمام المجلس الأعلى للقضاء والبيانات الصادرة حول القضية ومن بينها بيان وزارة العدل والحريات الذي نشر في موقعها الرسمي والذي استبق قرار الادانة بالإعلان عن ثبوت الأفعال المنسوبة في حق المستشار محمد الهيني في خرق واضح لقرينة البراءة.
أما قضية القاضي رشيد العبدلاوي الذي أحيل على المجلس الأعلى للقضاء بسبب صورة نشرت له تظهر ظروف العمل المزرية بإحدى محاكم المملكة والتي اعتبرتها الوزارة تشكل خروجا عن واجب التحفظ وإساءة لسمعة القضاء! فإنها تطرح للنقاش سؤال الوضعية الهشة للاستقلال المالي للسلطة القضائية بالمغرب، واهمال الجهات المعنية وتقصيرها في توفير البنايات الملائمة والوسائل الضرورية لقيام القضاة والسلطة القضائية بأدوارها الدستورية.
فعوض القيام ببحت محايد ودقيق من أجل التأكد من صحة المعطيات المرفوعة من الادارة القضائية إلى وزارة العدل تم الاكتفاء بالأخذ بما جاء في التقرير الذي أنجزه مسؤول قضائي الذي يؤكد أن المكاتب كانت موجودة وموضوعة رهن اشارة القضاة ، وتم تجاهل الاشهاد الموقع عليه من طرف 14 قاضيا والذين يؤكدون فيه أنه منذ التحاقهم بمقر محكمة الاستئناف بطنجة ابتداء من تاريخ 1-1-2014  لم يتم توفير أي مكتب  للقضاة إلا بعد تاريخ 20-1-2014 أي بعد نشر الصورة التي تظهر تردي الوضع بمقر المحكمة .
ان ركون المجلس لنظرية المسؤول القضائي وقراره ادانة القاضي رشيد العبدلاوي يدفع لطرح تساؤلات أخرى من قبيل هل نظرية المسؤول القضائي نظرية مطلقة لا تقبل اثبات أي عكس؟ وهل نظريته تجب ما سواها من أقوال وشهادات قد يدلي بها العاملون بالمحكمة والمعايشون لنفس الأوضاع ؟ ثم هل محاكمة رشيد العبدلاوي هي التي من شأنها أن تحافظ على سمعة القضاء -كما جاء في صك المتابعة- أم أنها بحد ذاتها تشكل نوعا من الاساءة لصورة الحراك القضائي الذي نعيشه خاصة اذا استحضرنا انعدام أي أساس قانوني لها، وحري بنا أن نتساءل أيضا هل اضطرار قاض لتحدي الوضع المزري لظروف الاشتغال وإصراره على الإطلاع على الملفات المزمنة في الأماكن المخصصة للمتقاضين بعد تعذر ايجاد مكان آخر لذلك، يعتبر خروجا عن الأخلاق القضائية وخطأ مهنيا موجبا للمسؤولية التأديبية أم أنه سلوك حضاري نابع من الحرص على تنزيل ميثاق حقوق المتقاضين وترجمة لمبدأ انخراط القضاء في خدمة المواطن مهما كانت الظروف؟ ألم يحمل القضاة زيهم الرسمي وعقدوا جلسات ماراتونية تحت الخيام بالهواء الطلق في الجبال والسهول والضواحي من أجل حملة توثيق عقود الزواج ؟
ان نتائج أشغال الدورة الأخيرة للمجلس الأعلى للقضاء في الشق المتعلق بالتأديبات تدفع أي متتبع ومهتم بالشأن القضائي إلى استخلاص استمرار نفس المؤاخذات التي سبق تسجيلها بخصوص طريقة اشتغال المجلس لا سيما من خلال الانتصار لقرينة الادانة كأصل، وتغليب المقاربة الزجرية على حساب المقاربة الحقوقية لا سيما من خلال المس بحقوق الدفاع ، وإعطاء الأولوية للغة الردع وهي ثمة حاضرة وبقوة في نتائج الدورة الأخيرة للمجلس الأعلى للقضاء والتي تؤكد أن تحسين الأوضاع المادية للقضاة لا يعد انتهاء لمسار الدفاع عن استقلال السلطة القضائية، فالطريق من أجل الاستقلال الفعلي والحقيقي للقضاء ومن أجل احترام الضمانات الدستورية لا يزال طويلا وهو يحتاج لاستمرار تكتل القضاة ومعهم كل الفعاليات الحقوقية من أجل حماية المكتسبات التي تحققت ومن اجل استمرار النضال حتى يتم تحويل استقلال القضاء من مجرد شعار إلى واقع وممارسة .
ولا شك أن ذلك لا يقتضي الانسحاب من الساحة كما أعلن عن ذلك المستشار محمد الهيني احتجاجا على قرار الادانة والتنقيل من القضاء الاداري إلى قضاء النيابة العامة .
فالإصلاح لن يتحقق بالانسحاب وترك الساحة فارغة .
ان الاصلاح يحتاج للمشاركة حتى اذا كانت هناك نوايا لجهات تحاول تجفيف منابع الحراك القضائي أو استهداف القضاة النشطاء في هذا الحراك .
* عضو نادي قضاة المغرب
عضو مؤسس للمرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية
باحث بكلية الحقوق بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.