إن الهجمة العدوانية الشرسة التي ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة في مستهل شهر أغسطس 2014 ، و التي ما زالت متواصلة لحد الآن ، لم تكن ترمي فقط الى إرواء تعطش الكيان الصهيوني إلى الدماء الفلسطينية و إلى إلحاق أكبر دمار ممكن بقطاع غزة المقاوم و تحطيم سلاح مقاومته و إخضاع قيادته و تركيع شعبه ، بل كانت ترمي زيادة على ذلك كله إلى تنفيذ خطة استراتيجية معدة سلفا طالما تحين هذا الكيان الفرص لإنجازها على ارض الواقع. وقد اعتقدت الدولة العبرية أن الأوضاع المأزومة التي تسود المشهد العربي و الدولي توفر الآن أكثر من اي وقت مضى الظروف المواتية للتحرك من أجل بلوغ أهدافها في غفلة من الجميع. وسعيا إلى تنفيذ مخططاته، قام الكيان الصهيوني بارتكاب مجزرة رهيبة تعد بحق جريمة بشعة ضد الإنسانية. إلا أن هذا الكيان فشل فشلا ذريعا في كسر إرادة المقاومة في غزة ، و مني بهزيمة نكراء متعددة الأبعاد سوف تكون لها تداعيات كبيرة على تماسكه و ديمومته . و لم يفلح المحتل الإسرائيلي في واقع ألأمر إلا في اظهار طبيعته الدموية المريعة و فضح أكاذيبه ألمستهترة ، كما قد تسبب بمنتهى الغباء في اسقاط ورقة التوت عن تآمر بعض الأنظمة العربية المشين ضد المقاومة الفلسطينية تحت ذرائع واهية ، و عن تواطؤ العديد من الدول الغربية المتشدقة و بالديمقراطية و حقوق الإنسان مع جرائمه الوحشية ضدا لأطفال و النساء و الشيوخ في قطاع غزة و الضفة الغربية المنتفضة. و قد قادت عنجهية إسرائيل و صلفها و همجيتها الى سقوطها الأخلاقي و إلى إذكاء مشاعر الكراهية و العداء ضد ها و ضد حلفائها و مناصريها عبر العالم. و لا مراء في أن هذه الهزيمة التي لحقت بالمحتل ا لإسرائيلي على ايدي المقاومة الفلسطينية الباسلة قد شكلت نقطة مفصلية في سيرورة الكفاح الفلسطيني ضد الاحتلال و صيرورة الصراع الحضاري العربي ألإسرائيلي بل شكلت عاملا حقيقيا في رسم ملامح شرق أوسط جديد خارج عن سيطرة الدول الغربية المهيمنة التي طالما توسلت إسرائيل لإحكام سيطرتها على الوطن العربي قصد الاستحواذ على موارده و تمزيق نسيجه الاجتماعي و مسخ هويته الحضارية. و ترمي هذه المعالجة إلى : - الإيماء إلى ملامح السياق المأزوم السائد على مستوى المشهدين العربي و الدولي الذي حفز إسرائيل على القيام بعدوانها على قطاع غزة. - تبيان مدى الدمار المهول الذي لحق بقطاع غزة. - استجلاء الخطط الإسرائيلية المبيتة - استخلاص بعض الدروس و العبر. السياق العربي و الدولي الذي حفز على العدوان لقد تحولت الانتفاضات الشعبية التي أطلقت عليها السيدة هيلا ري كلينتون إسم "الربيع العربي" ، نتيجة لأسباب مختلفة و عوامل شتى، تحولت إلى مواجهات قبلية و جهوية و فئوية ، وأفضت إلى صراعات عرقية و طائفية مزقت النسيج الاجتماعي للعديد من الدول العربية و قطعت أوصالها و حولتها إلى ساحات احتراب مستمر و مواجهات مريرة . و لعل مرد ذلك إلى إخفاق القوى اللبرالية الحداثية في الاحتفاظ بزمام المبادرة و إلى تراجعها المضطرد في وجه المد الكاسح للإسلام السياسي. الذي اكتسى أشكالا مختلفة تراوحت بين توجه معتدل تمثل في حركة الإخوان المسلمين التي وصلت إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع في تونس و المغرب و مصر، و بين توجه رادكالي متشدد يتوسل العنف و القسر و الإرهاب للوصول إلى السلطة و التمسك بها، و يتمثل هذا التوجه في مختلف الحركات السلفية الجهادية ، كالقاعدة و النصرة و أنصار الشريعة و داعش و ما شاكاها. و إذا كان الإسلام السياسي المعتدل قد أخفق في تحقيق التطلعات الشعبية الأساسية في كل من تونس و مصر،ما أدى إلى إزاحته عن السلطة،فإن الإسلام السياسي المتشدد قد أشعل حروبا أهلية ماحقة في الصومال و ليبيا و اليمن و سوريا و والعراق تنذر إذا هي لم يتم تداركها، بأن تتحول إلى صراع هدام بين السنة و الشيعة و بين المسلمين و مختلف الطوائف الدينية الأخرى في منطقة الشرق الأوسط. كل هذه التوترات و النزاعات جعلت المشهد العربي مشهدا مضطربا و مازوما تسود ه البغضاء و المكايدة و العداء. و قد أودى التوجس من توسع نفوذ الاسلام السياسي بمختلف تجلياته إلى ظهور اصطفافات و تحالفات على المشهد العربي هدفها الرئيسي إن لم نقل الوحيد هو الوقوف بكل قوة في وجه الإسلام السياسي سواء تعلق الأمر بحركة الإخوان المسلمين أو غيرها من الحركات الراديكالية. و نظرا لتماهي حماس مع حركة الإخوان المسلمين و تعاونها الوثيق مع نظام محمد مرسي المطاح به في مصر، فإنه قد تم تصنيفها من قبل بعض الأنظمة العربية المتنفذة على أنها حركة مناوئة غير جديرة بالثقة و ينبغي عدم التعامل معها و عزلها و تضييق الخناق عليها . وهذه الحالة العدائية التي نشأت بين حماس و بعض الأنظمة العربية الوازنة هي ما رأت فيه إسرائيل الفرصة الذهبية التي كانت تتحينها للانقضاض على المقاومة الفلسطينية في غزة و التخلص من سلاحها و إبادة كوادرها السياسية و العسكرية وتدمير منشآتها و بناها التحتية وذلك وصولا إلى القضاء التام و النهائي على كل مظهر من مظاهر الممانعة و الصمود الفلسطينيين حتى يتسنى لها التفرغ لبناء المزيد من المستوطنات و تهويد المزيد من الأراضي الفلسطينية و الإمعان في طمس كل الملامح العربية و الإسلامية للقدس الشريف . كما رأت إسرائيل في نشوب و تفاقم الأزمة الأوكرانية عاملا آخر من شأنه إلهاء الرأي العام الدولي عما تبيته من عدوان على قطاع غزة يستهدف في الأساس القضاء على حماس و كل فصائل المقاومة الفلسطينية المتحالفة معها. إلا أن الحظ لم يحالف الكيان الصهيوني حيث أنه مني بهزيمة مدوية رغم الدمار الهائل الذي الحقه بالقطاع. حجم الدمار و تجلياته لقد تذرعت إسرائيل بحجج واهية لتبرر عدوانها على قطاع غزة. و قد توهمت أنه سوف يكون بمقدورها في ظرف وجيز أن تحطم شبكة الأنفاق التي تؤرقها و تدك منظومة الصواريخ التي تقض مضجعها. و لما لم تتمكن من ذلك عبر القصف الجوي و البحري و من خلال الاجتياح ألبري ، جن جنونها وفقدت صوابها ، فصبت جام غضبها على مساكن المواطنين العزل و على المستشفيات و رياض الأطفال و دور الأيتام و المدارس و المساجد و المرافق الاجتماعية كمنشآت المياه و الكهرباء و كا المخابز و المتاجر و المعامل الصغيرة ... فترتب عن هذا العمل الإجرامي الحاقد سقوط أكثر من ألفي شهيد و ما يربو على عشرة آلاف جريح معظمهم من الأطفال و النساء و الشيوخ و من بينهم معوقون و مرضى كانوا يتلقون العلاج في المستشفيات قبل أن تهدم على رؤوسهم بدم بارد و دون اي وازع أخلاقي. كما ترتب عن هذا العدوان تفجير أكثر من 40 ألف منزل ترك أهلها في العراء عرضة للقصف الأهوج و المعاناة الشديدة. و رغم الدمار المريع و الخسائر البشرة المهولة و رغم الاستعمال الممنهج لأشد الوسائل العسكرية فتكا و أكبرها وقعا فإن العدو الصهيوني لم يتمكن من هدم شبكة الأنفاق و لا تحطيم منظومة الصواريخ و لا من شل حركة المقاومين و منع دك المستوطنات بوابل غير منقطع من الصواريخ و القذائف المدمرة. بل لم يتمكن حتى من حماية جنوده من القتل و ألاختطاف فتكبد نتيجة لذلك خسائر لم يكن يتوقعها و لم يسبق له أن عرفها في كل الحروب التي خاضها مع العرب. تمثلت هذه الخسائر في هلاك ما يربو على 70 جنديا صهيونيا و جرح ما يزيد على 700 آخرين فضلا عن عدد وافر من المستوطنين ما بين قتيل و جريح و مصاب بأعراض هلع حادة. فشكل كل ذلك صدمة صاعقة للعدو الصهيوني أجبرته على الانسحاب الاضطراري من الأماكن التي احتلها وعانى جنوده فيها من الأمرين و اضطرته كذلك إلى الإعلان عن وقف إطلاق النار من جانب واحد بناء على نصيحة أكثر اصدقائه إخلاصا له و أكبرهم حرصا على بقائه و سلامته و الذي كان العدو الصهيوني قد استصرخه قبل أن يستنجد بالأمم المتحدة لحمل المقاومة على قبول إطلاق النار. فاستجابت المقاومة لذلك دون أن تكون في عجلة من أمرها ووفق شروطها. ولقد بات واضحا للجميع بما في ذلك القادة الصهاينة و الرأي العام الصهيوني و حلفاء إسرائيل و مناصروها ، أن الكيان الصهيوني قد أخفق على طول الخط في تحقيق أي هدف يذكر من خلال عدوانه الغاشم على قطاع غزة، و من باب أحرى تنفيذ الخطط التي يضعها نصب عينيه. الخطط المبيتة للعدو الصهيوني كان الكيان الصهيوني يرمي من وراء عدوانه على قطاع غزة إلى: - القضاء على القيادة السياسية لحماس و تدمير مؤسساتها و كل وسائلها اللوجستية و بناها الاقتصادية و السسيو ثقافية. - تدمير شبكة الأنفاق و تحطيم منظومة الصواريخ و المنصات التي تطلق منها. و إضعاف قدرات المقاومة على تصنيع العتاد العسكرى و الذخيرة اللا زمة له. - دق إسفين بين الجماهير الشعبية الفلسطينية وقيادة حماس و زعماء المقاومة. - توسيع الشرخ بين قيادة حماس و السلطة الفلسطينية للحيلولة دون قيام حكومة وحدة فلسطينية منسجمة و متماسكة. - إذكاء الخلاف و تأجيج مشاعر العداء و البغضاء بين حماس و العديد من الأنظمة العربية قصد التفرد بحماس و تدمير سلاح المقاومة و تقليص قدراتها العسكرية. - تأليب ما يسمى بالرأي العام الدولي أي الدول الغربية الداعمة لإسرائيل ضد حماس و الإمعان في عزلها باعتبارها منظمة إرهابية تهدد مساعي إسرائيل للدفاع عن نفسها.! - تركيع الشعب الفلسطيني في غزة عن طريق ترويعه و تجويعه و تحويل القطاع إلى سجن كبير مغلق المنافذ و محاصر من كل جانب. هذه هي الخطط الخبيثة التي كان الكيان الصهيوني يسعى إلى تنفيذها. إلا أنها قد باءت بفشل ذريع. بل قد أدت إلى نتائج معكوسة بالكامل. لعل من أهمها اندلاع انتفاضة واسعة في الضفة الغربية و حدوث هبة شعبية عارمة في أراضي الثماني و والأربعين و ظهور تيار تعاطفي عالمي عميق مع الشعب الفلسطيني. لقد أجمع المراقبون الإسرائيليون و الأجانب على حد السواء أن إسرائيل قد منيت بهزيمة شنيعة في غزة، و أن المقاومة الفلسطينية قد انتصرت عليها انتصارا بينا رغم حجم الدمار الذي تكبده المواطنون في القطاع. و لهذه الهزيمة تداعيات متعددة الأبعاد قد طالت الكيان ألصهيوني، لعل من أهمها : على الصعيد النفسي - تحطيم خرافة الجيش الذي لا يبقهر التي رسختها الدعاية الصهيونية في الوعي العام الإسرائيلي و العربي. - تراجع ثقة الإسرائيليين في قدرات جيشهم و مصداقية ساستهم و زعزعة ثقتهم في المستقبل (و سوف يدفع ناتنياهو وليبرمان ثمن هذه الوضعية في الأمد القريب). - تسلل الرعب و الرهاب الى قلوب المستوطنين و الغزاة الصهاينة الذين غادر العديد منهم المناطق المتاخمة لقطاع غزة بنية عدم العودة إليها أبدا و منهم من غادر إسرائيل عائدا إلى وطنه الاصلي. على الصعيد الأخلاقي - لقد عرفت إسرائيل سقوطا أخلاقيا مدويا نتيجة قتلها المتعمد للأطفال و النساء و الشيوخ و استهتارها المطلق بأبسط حقوق الإنسان. - فقد الإعلام الصهيوني لمصداقيته و لتأثيره على الرأي العام الدولي. و بالنتيجة تضررت صورة إسرائيل في العالم كدولة ديمقراطية بل كالدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة كما كانت تروج لذلك. لقد تمت تعرية الوجه القبيح لإسرائيل وفضح جرائمها الفظيعة من طرف ما بات يعرف اليوم بالإعلام المقاوم المتمثل في وسائل وشبكات التواصل الاجتماعي عبر العالم مثل : Twitter - Facebook - Instagram - H-Tag - Grafics…… وغير ذلك من آليات التواصل الاجتماعي ذات الإشعاع الواسع و التأثير البالغ على الصعيد العالمي على الرأي العام و على النخب و بوجه خاص على مستوى الدول الغربية التي تدعم حكوماتها إسرائيل بدون قيد و لا شرط. لقد أكسب هذا اللون من الإعلام الذي اصبح الشباب الفلسطيني يتقن توظيفه لخدمة قضيته تعاطفا دوليا كبيرا مع القضية الفلسطينية في الوقت الذي الحق فيه بإسرائيل ضررا بالغا نجمت عنه تداعيات ملحوظة في المجالين السياسي و الاقتصادي. على الصعيد السياسي: - برزت مشاعر كره شديد و عداء متزايد تجاه حكومة إسرائيل و سياساتها الاستعمارية و ممارساتها الدموية ، تمثلت على وجه الخصوص في تنظيم العديد من المظاهرات المعادية لإسرائيل في العديد من دول العالم ، و على وجه الخصوص في البلدان التي طالما حظيت إسرائيل بدعم حكوماتها الدائم مثل : بريطانيا ( التي نظمت فيها عدة مظاهرات ضم بعضها أزيد من ربع مليون متظاهر!) و فرنسا ( رغم جهود الرئيس فراسوا هولاند المنحاز كليا الى إسرائيل لمنعها) و ألمانيا و بلجيكا و إيطاليا و إسبانيا و حتى الولايات المتحدةالأمريكية ( حيث بدأ الشعب الأميركي يعي ما يلحقه اللوبي الصهيوني المسيطر على مؤسساته السياسية من ضرر بالغ بسمعته و صورته في العالم). هذا ناهيك عن بلدان العالم الأخرى و خاصة بلدان أمريكا اللاتينية كالبرازيل و فنزويلا و بوليفيا... التي قام بعضها بسحب سفرائها من إسرائيل بل قام بعض رؤساءها بنعت إسرائيل بالإرهاب و الإجرام كما فعل رئيس بوليفيا فخامة إيغو مورالس الذي سيخلد له التاريخ موقفه المشرف تجاه المقاومة الفلسطينية في غزة. على الصعيد الاقتصادي لقد تكبد الكيان الصهيوني نتيجة لعدوانه على غزة خسائر اقتصادية لا زالت تتفاقم و يتسع نطاقها. فقد كلفت الحرب إسرائيل لحد اللآن 5 مليارات دولار ( حيث أن كل صاروخ يطلق من القبة الحديدية لاعتراض صواريخ المقاومة يكلف 60 ألف دولار) ناهيك عن الكسب الضائع الناجم عن استدعاء 82 ألف عنصر من قوات الاحتياط و ذلك المتأتي عن إغلاق المجال الجوي الإسرائيلي في وجه الملاحة الدولية بشكل متكرر. يضاف إلى هذا و ذاك تداعيات حملة مقاطعة البضائع الإسرائيلية التي بدأ يطبقها سكان الضفة الغربية. ولعل الأهم في هذا المضمار هي النتائج المعتبرة التي افضت إليها الحملة الدولية المعروفة ب : ( Boycott,Disinvestment,sanctions ) : B D S أي المقاطعة و عدم الاستثمار و العقوبات. وقد أفضت هذه الحملة إلى امتناع عمال الموانئ في العديد من الدول الأوروبية و غيرها من تفريغ و تحميل السلع الإسرائيلية. استخلاص بعض الدروس و العبر لقد اثبت حجم الدمار الذي تعمد الكيان الإسرائيلي إلحاقه بالشعب الفلسطيني في غزة بمباركة 90% من الرأي العام الصهيوني وبدعم لا مشروط من الإدارة الأمريكية (دون اكتراث منها بتظاهرات موطنيها اليومية امام البيت الأبيض و الكونغرس) و بتعاطف جلي من بعض الحكومات ألغربية ، أثبت كل ذلك أن إسرائيل تشكل خطرا ماحقا على الوجود العربي في فلسطين و خارجها و أن حلفاء إسرائيل سوف يستمرون في دعم اعتداءاتها المتكررة على العرب طالما أن ذلك لا يكلفهم شيئا يذكر ، فهم لا يفهمون إلا لغة التكاليف و منطق الربح و الخسارة لا أكثر و لا أقل. و لقد بات جليا لأولي الألباب أنه ليس من الحكمة ولا من التبصر اللجوء تحت أية ذريعة إلى التماهي مع العدو الصهيوني أو الدخول معه في أي تفاهم أو إبرام أية صفقة معه ناهيك عن التحالف معه ضد طرف عربي آخر مهما عظمت المآخذ على ذلك الطرف و مهما اشتد الغضب عليه . فيدك منك و لو شلا كما يقال ! فالعدو الصهيوني و حلفاؤه الأقربون لا تمكن الثقة بهم أبدا و لا الركون إليهم مهما كانت الظروف و الأحوال. !! و بعبارة أوضح فإن أي نظام عربي مهما كان عدم ارتياحه لانتماء حماس الى حركة الإخوان المسلمين و لما كان لها من علاقات مع نظام م محمد مرسي المخلوع ، فإن عليه اليوم وضع ذلك الشعور و الامتعاض جانبا و العمل على تناسيه تقديرا و إكبارا لانتصار كل فصائل المقاومة مجتمعة على العدو الصهيوني. فانتصار المقاومة العظيم وإسهام حماس البين في تحقيق هذا الانتصار ينبغي أن يجب كل ما قبله و يدفع الى الصفح و و التجاوز و المسامحة ، فالحسنة تمحو السيئة ! و على حماس في المقابل أن توسع الهامش بينها و بين حركة الإخوان المسلمين و أن تعمل جادة على طمأنة الدول العربية العاتبة عليها و المتهمة لها بالضلوع في تهديد الأمن و السلم داخلها و أن تسعى إلى استعادة ثقتها و صولا إلى تنقية الأجواء و تطييب النفوس و جبر الخواطر و إعادة بناء الثقة بين الإخوة ، و ذلك سعيا إلى إفشال مخططات العدو الصهيوني و إرباك حساباته وإلى تقوية الصف العربي في وجه التحديات الجسيمة التي تواجه الأمة في الوقت الراهن. ومن أجل تكريس هزيمة الكيان الصهيوني و انتصار المقاومة الفلسطينية ، فإنه بات من الضروري و الملح توحيد الصف الفلسطيني من خلال تثبيت دعائم حكومة وحدة وطنية متماسكة و منسجمة. ويجدر القول بهذا الصدد أنه مما يبعث على الارتياح و التفاؤل هو وجود ممثلين من حماس في القاهرة ضمن وفد فلسطيني موحد تتقاطع رؤاه مع رؤى الحكومة المصرية حول هموم و هواجس الشعب الفلسطيني و مقاومته الباسلة التي تتملكها كل الشعوب العربية اليوم و تعتز بها.ولعل هذا هو أحد أكبر تجليات هزيمة إسرائيل و احد أعظم إنجازات المقاومة الفلسطينية المظفرة. إلا أنه يبقى هناك انتصار لا يقل اهمية عن الانتصار على العدو الصهيوني ، ألا و هو انتصار الدول العربية مجتمعة على المآمرة الخبيثة التي تحاك بمنهجية ضدها من طرف بعض الدول الغربية المتنفذة و تتمثل هذه المآمرة في الهجمة الشرسة التي تشنها اليوم القوى الإرهابية المتطرفة و المتخلفة في بعض ارجاء الوطن العربي و التي تشكل خطرا داهما على أمن و سلامة و استقرار كل البلدان العربية دون اي استثناء فضلا عما تمثله من تشويه للقيم الأخلاقية و الروحية و الحضارية التي يقوم عليها الدين الإسلامي الحنيف الذي هو دين المحبة و التسامح و الأخوة و الرحمة.