باعترافِ المسؤولين المغاربة، يواجِه المغربُ تحدّيات كُبرى في مجال الطاقة تكلفه فاتورةً سنوية بقيمة مائة مليار درهم، في انتظار ما ستسفر عنه عمليات التنقيب عن النفط الجارية حاليا في المملكة، فيما لا تزال تجربةُ المغرب ضمن مجال الطاقات المتجدّدة في بداياتها، بعد إطلاق مشروع "نور" للطاقة الشمسية، والذي يرومُ تقليص تبعيّة المملكة الخارجية في مجال الطاقة. وبالموازاة مع إطلاق الولاياتالمتحدةالأمريكية لبرنامج Africa Power، باستثمار يصل إلى 26 مليارَ دولار، في إطار المنافسة المُحتدمة بينها وبين الصين، وسعي كل واحدة منهما إلى احتلال مواقع أكبر في القارة الإفريقية، يرى متتبّعون أنّ الفرصة مُواتية أمام المغرب ليكون شريكا للولايات المتحدةالأمريكية لتنفيذ هذه الاستثمارات الضخمة، خصوصا فيما يتعلق بالطاقات المتجددة. الباحث المغربي في قانون الطاقات المتجدّدة بجامعة اللورين بفرنسا، والمستشار لمؤسسة الفكر العربي، مراد العجوطي، يرى أنّ على المغرب أن يقدّم نفسه شريكا لبرنامج Power Africa الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ومنصّة لإطلاق الاستثمارات التي خصصتها الولاياتالمتحدةالأمريكية للبرنامج في القارة السمراء. وأضاف العجوطي في حديث لهسبريس أنّ المغربَ يلزمه، للاستفادة بشكل أكبر من البرنامج الأمريكي الضّخم، أن يتوفّر على كفاءات ذات خبرة عالية في مجال الطاقة، وأضاف، جوابا على سؤال عمّا إنْ كان المغرب يتوفّر، حاليا، على هذه الطاقات، أنّ الجالية المغربية المقيمة بالخارج تزخر بكثير من الطاقات في هذا الميدان. في هذا السياق أوضح العجوطي أنّ المغرب، وفي غمرة التزايد المتواتر لحاجاته من الطاقة، التي يستورد 97 في المائة منها، وهو ما يجعله عُرضة لتقلبات السوق الدولية، بحاجة إلى خلق برنامج لاستقطاب كفاءات تقنية وقانونية ومالية عالية التكوين، لصياغة قوانينَ وحلول تمويلية، داعيا إلى خلْق هيئة للتشريع خاصّةٍ بالطاقة. وأوضح المتحدّث أنّ المغرب لم يكن يضع الطاقة كأولوية في سياسياته العمومية، رغم تواجد شركات ذات رأسمال عمومي أو نصف عمومي كالمكتب الشريف للفوسفاط، لافتا إلى أنّ المغرب بمُستطاعه أن يقلّص من تبعيته للخارج في مجال الطاقة، وذلك باللجوء إلى توسيع الاستثمار في مجال الطاقات المتجدّدة، على غرار عدد من البلدان الأوربية، والتي يواجه بعضها صعوبات في هذا المجال، لكون لوبيات الطاقة التقليدية ترى أنّ الانتقال إلى الطاقة المتجددة يتطلب استثمارات ضخمة. واستطرد العجوطي أنّ المغرب يتوفّر على مؤهّلات عالية للاستثمار في مجال الطاقات المتجددة، ولن يواجه مشاكل من هذه الناحية، لاعتبار أنه يستورد جُلَّ حاجياته الطاقية من الخارج، كما أنّ له مؤهلات عالية بالنسبة للطاقة الريحية والشمسية، وهو ما سيُمكّنه، إذا استثمر هاتين الطاقتين بشكل جيّد، من خفض فاتورته الطاقية، وهو ما يفرض، أولا، خلق أرضية اقتصادية وسياسية لاستقبال الاستثمارات في هذا المجال، وضمان نجاحها. فضلا عن ذلك، فإنّ الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة –يشرح العجوطي- له بُعد استراتيجي، لكوْنها ستُمَكّن المغرب من التوفر على استقلالية طاقية، ومواجهة التحديات الديموغرافية، وما يوازيها من تزايد الطلب، وارتفاع أسعار الطاقة، وأضاف قائلا "إذا توفرت إرادة سياسية للانتقال الطاقي واستثمارات مصاحبة ستساهم في تحقيق نمو متوازن داخل جهات المملكة، من خلال تعزيز الجهوية، وخلق فرصِ شُغلٍ مُهِمَّة". وتابع الخبير المغربي أنّ الاستثمارات في مجال الطاقات المتجددة هي استثمارات بعيدة المدى، وتتطلب ميزانيات ضخمة، واسترداد الاستثمار الأوّلي يتأخر غالبا، ولتجاوز هذه العقبة، يقترح العجوطي تعزيز الشراكة بين المغرب مع دول مجلس التعاون الخليجي في مجال الطاقة "لأنّ المستثمرين قادرون على تمويل هذه المشاريع، وأكبر مثال هو تجربة حكومة دبي، في الإمارات العربية المتحدة، الرائدة في هذا المجال". وأضاف العجوطي أنّ من التحدّيات الكبرى التي تواجه المغرب، إضافة إلى الاستثمار في الطاقات المتجدّدة، العمل على التدبير العقلاني للطاقة، مشيرا في هذا الصدد إلى أنّه يمكن استبدال جبايات التلوث المفروضة على الشركات العاملة في مجال الطاقة، أو ما يسمى "كوبا الكاربون"، والتي تُعتبر (الشركات) من أكبر ملوّثي البيئة، بأنْ تضطلع بمسؤوليتها الاجتماعية، وتساهم في توعية المستهلكين بأهمية خفض استهلاك الطاقة، واستعمال مصادر طاقة نظيفة. وأضاف أنّ فرنسا تعتمد برنامج شواهد اقتصاد الطاقة certificat d'économie d'énergie، والذي يُحتّم على الشركات المساهمة في خفض استهلاك الطاقة عبر تمويل مشاريع النجاعة الطاقية، وفي حال تخلفها عن تحقيق الأهداف تدفع غرامة للدولة، داعيا إلى إشراك الجماعات المحلية في بهذا الشأن، للمساهمة في تنزيل إجراءات تروم الحد من استهلاك الطاقة ، عبر إجراءات جبائية تحفيزية، وتشجيع البنايات صديقة البيئة، واستخدام النفايات لإنتاج الميثان.