الأزمة. الحاجة إلى المال لإنقاذ صناديق الدولة. إلى آخره... فصل الصيف. السياحة. أصبحت المدن السياحية المغربية رائعة تتوفر على كل البنيات التحتية، و المواقع الترفيهية، و الرمال الذهبية، و النظافة اللازمة، مع توفير الأمن و ما إلى ذلك، و لكن أغلب المغاربة من الطبقة الوسطى لا يرتاح لهم بال سوى بالذهاب لقضاء عطلة الصيف في ما وراء جبل طارق، فيغدقون على البلاد التي يقصدونها بكل أموالهم التي وفروها طيلة السنة. لو بقي كل هؤلاء في بلدهم المغرب لقضاء عطلتهم لعم الرواج و لازدهرت التجارة و لانتعش الاقتصاد. لا يمكننا كلما احتاجت حكومة إلى المال لدعم بعض صناديق الدولة التي يتهددها الإفلاس أن نلجأ إلى جيوب الموظفين البؤساء و المتقاعدين من الوظيفة العمومية البسطاء المنكوبين وحدهم دون غيرهم بحجة وجوب التضحية من أجل الإصلاح و من أجل الوطن إلى آخره. لا. هذا ليس حلا شجاعا و لا ناجعا لأن من شأنه أن يقلص القدرة الشرائية و يعمق الأزمة. الحل ربما في بدل مجهود في التفكير في حلول بديلة منطقية. الكل يتحدث على ضرورة التضحية في سبيل الإصلاح أو في سبيل الوطن، ولكن لا يضحي دائما سوى من لا اختيار له حقيقة من الحلقة الضعيفة ألا و هي فئة الموظفين أولا، التي هي رهن إشارة الحكومة كما أن مصيرها المادي رهين بين أيادي الحكومات المتعاقبة التي يمكنها أن تقرر بعض الاقتطاعات من الأجور أو العدول عن بعض الحقوق المكتسبة في كل وقت و حين، ثم فئة المستهلكين من البسطاء ثانيا، حيث يمكن لأي حكومة أن تقرر رفع ثمن المعيشة في سبيل الإصلاح أو في سبيل الوطن إلى آخره... ففي الحقيقة لا يضحي سوى من لا اختيار له...، أما الآخرين فلا يضحون، و هذا تحصيل حاصل يتعلق بكل شعوب العالم تقريبا في زماننا هذا، و بالتالي فلا يسعنا إلا أن نحمد الله على الدولة المغربية المنظمة القوية التي باستطاعتها فرض تضحية أبنائها في سبيل الوطن كلما اقتضى الأمر ذلك. فالملتمس إذا هو أن تستدعى جميع الفئات من أجل التضحية في سبيل الوطن، و ليس فقط الحلقة الأضعف المتكونة من الموظفين و المتقاعدين العموميين العزّل و المستهلكين من البسطاء. حسنا. تذهب أعداد هائلة من الأسر المغربية كل سنة إلى إسبانيا لقضاء العطلة الصيفية. قد يستلزم الأمر، مثلا، لكل أسرة 20.000 درهم تقريبا، 10.000 درهم تخصص لكراء مسكن بمعدل، مثلا، 1.000 درهم لليلة الواحدة، و العشرة المتبقية تخصص للتفسح و الاستجمام و التغذية، إلى آخره... و لا ننسى أن على كل أسرة مغربية أن تؤدي ثمن التأشيرة الباهظ لصالح السلطات الإسبانية، مثلا، قبل التفكير في السفر إلى إسبانيا أو فرنسا... قد يقول البعض لما لا نفرض التأشيرة على السياح الأجانب بدورنا من أجل دعم صناديق الدولة إلى آخره... فإذا كانت المسألة ليست بهذه البساطة و الله أعلم، فهناك حل ممكن، ربما أفضل، سنأتي عليه في ما بعد، في هذا المقال. فصبرا، صبرا... لا بد من تمهيد جيد قبل الإلقاء بالفكرة الصادمة الإيجابية إن شاء الله. الملخص هو أن أعداد هائلة من المغاربة يؤدون أموالا هائلة لسلطات إسبانيا، مثلا، كثمن للتأشيرة، بعد طول انتظار في طابور مرعب في ظروف قد تكون مذلة في بعض الأحيان، ثم يأخذون 20.000 من الدراهم المغربية الشريفة لصرفها في إسبانيا و يعودون بلا دراهم تذكر. طيب. لنعالج القضية. في ما قبل كان قضاء العطلة في إسبانيا، مثلا، يكلف أقل بكثير من قضائها في المغرب رغم كون هذا الأخير لم يكن يتوفر على البنيات التحتية السياحية الضرورية. أما اليوم و بعد ما عرفته جل المدن السياحية المغربية من نهضة عمرانية، و تشييد لكل البنيات التحتية الضرورية من طرق سيارة، و تجهيزات متكاملة، و شقق سياحية، و تحسن ملموس في الأداء في ما يتعلق بثقافة السياحة و حسن معاملة الزبائن في المطاعم و الفنادق إلى آخره -خاصة هذه السنة بالذات حيث يسجل عموما تقدم ملموس على كل الأصعدة-، لم يعد من مبرر معقول لهؤلاء المغاربة من الطبقة المتوسطة الذين يصرون على قضاء عطلتهم الصيفية خارج الوطن تاركين بلدهم دونهم. المشكل ربما يتعلق بعقدة نقص ما أو بعقدة "تمجيد الغير" كما يقول البعض من ذوي الأخصاص، إذ كيف يستساغ أن يقدم المغرب على بدل مجهود استثنائي في مجال السياحة دون أن يقتنع هؤلاء المغاربة الذين لا يريدون التضحية ولو بقضاء عطلة واحدة في المغرب، على الأقل للتعرف على ما تم إنجازه و على ما أصبحت عليه الأحوال السياحية من تحسن مبهر، فلربما يقتنعون بأن المغرب أفضل. اليوم كراء مسكن في إسبانيا يستلزم 1500 درهم لليوم الواحد بعيدا عن الشاطئ، في حين أن في مدن شاطئية مغربية فاتنة لا يستلزم الأمر سوى 400 درهم و على خط الشاطئ 700 درهم فقط، دون الحديث عن باقي الإيجابيات الأخرى التي قد لا يتسع هذا المقال لها. فلما إذا الإصرار على عدم قضاء العطلة الصيفية في المدن الساحلية المغربية الرائعة و الفاتنة؟ حسنا. الفكرة الصادمة الإيجابية هي كالتالي: إذا كان المغرب بلد الحرية و بالتالي فلا حق في منع أي مغربي أو مغربية من مغادرة الوطن لقضاء العطلة الصيفية، و إذا كان المغادرون يؤدون بفرح و سرور ثمن التأشيرة لسلطات إسبانيا مثلا، فلما لا يؤدون مبلغا ماليا للسلطات المغربية أيضا كمساهمة منهم في إنعاش السياحة الوطنية و الاقتصاد الوطني، أو كتضحية منهم في سبيل إنقاذ صناديق الدولة التي يتهددها الإفلاس، على أن لا يتعدى، مثلا، المبلغ 10.000 درهم للأسرة الواحدة دون أن يقل على 5000 درهم مثلا، -و للحكومة الموقرة واسع النظر-؟ لقد تقبّل الموظف البسيط كل الإصلاحات في سبيل الوطن، كما تقبّل المستهلك الفقير كل الزيادات في مواد شتى، فلما لا يتقبل الأغنياء المغاربة نسبيا (-بما أن همهم ليس لقمة العيش بل قضاء عطلتهم الصيفية على أحسن حال خارج الوطن-) التضحية بدورهم من أجل إنقاذ صناديق الدولة التي يتهددها الإفلاس كصندوق التقاعد مثلا، و من أجل إطلاق سراح الترقيات العادية للموظفين العموميين البسطاء في وقتها المحدد، مما قد يؤدي إلى رفع القدرة الشرائية عامة فإنعاش الاقتصاد؟ السؤال موجه بطبيعة الحال إلى رئيس الحكومة السيد عبد الإله بنكيران، مع كامل الاحترام، كمساهمة في النقاش العام دون التخلف على تقديم مقترحات قد تكون صائبة.