تشعر الغزية "ربى سالم"، كما لو أنّها انتقلت فجأة للعيش في صحراء قاحلة، تخلو من أي معالم للحياة، فمنزلها الخالي من أي قطرة ماء، والغارق في الظالم ليومين متتالين، جراء الهجوم الإسرائيلي المتواصل على القطاع لليوم الثالث عشر على التوالي، أفقدها الإحساس ب"الحياة". وتعجز "سالم" 45 عاما وهي ربة منزل وأم لسبعة أبناء، عن كيفية تدبير شؤونها أمام هذه الوضع المأساوي والمميت كما تقول لوكالة الأناضول. وتتابع :" منذ 48 ساعة ونحن بلا تيار كهربائي، وبلا ماء، وغاز الطهي نفد، وموزع الغاز يخشى الخروج لتعبئة الإسطوانات الفارغة خوفا من القصف الإسرائيلي الذي لا يتوقف". وقالت شركة توزيع الكهرباء في قطاع غزة، الجمعة الماضية، إن إسرائيل أوقفت تزويد قطاع غزة بالتيار الكهربائي، ما تسبب برفع نسبة عجز الكهرباء إلى 90%. وأضاف مدير العلاقات العامة بالشركة جمال الدردساوي، أن 13 خطًا لتزويد التيار الكهربائي تضرر بفعل الغارات الجوية والمدفعية الإسرائيلية العنيفة المتواصلة في كافة أنحاء قطاع غزة. وأكثر ما يؤرق الخمسيني "عليان رجب"، هو غياب المياه بشكل كامل عن بيته، الواقع شرق قطاع غزة. ويُضيف لوكالة الأناضول، أن غياب المياه بالتزامن مع توقف حافلات المياه الصالحة للشرب عن الذهاب إلى البيوت، لتزويدها بالمياه خشية الغارات الإسرائيلية، حوّل منزله إلى "بؤرة للأشباح". ويلجأ سكان قطاع غزة، لشراء المياه نظرا لندرتها وملوحتها الشديدة، وتشير تقديرات الأممالمتحدة إلى أن 80% من سكان غزة يقومون حاليا بشراء مياه الشرب بثلث الدخل المالي للأسرة. وتابع رجب:" لا يوجد مياه، أسبوع كامل، وأنا أحاول تزويد عائلتي بالمياه (12 فردا)، وأفشل في ذلك". وكان مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية "أوتشا"، قد ذكر في وقت سابق، أن 900 ألف فلسطيني في قطاع غزة يعيشون، في الوقت الحالي بلا إمدادات للمياه بسبب عدم القدرة علي إصلاح أو تشغيل مرافق المياه، التي تضررت بفعل القصف الإسرائيلي العنيف. ويشن سلاح الجو الإسرائيلي، منذ يوم 7 يوليو الجاري، غارات مكثفة على أنحاء متفرقة في قطاع غزة، في عملية عسكرية أطلقت عليها إسرائيل اسم "الجرف الصامد"، تسببت بمقتل 314 مواطنا، وإصابة نحو ألفي، من بينهم 74 طفلا، و28 امرأة. وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه بدأ عملية عسكرية برية ضد قطاع غزة، مساء الخميس الماضي، من أجل تنفيذ ما قال إنها عملية لضرب الأنفاق "الإرهابية" التي تخرج منً قطاع غزة وتدخل الأراضي الإسرائيلية. وتسببت الغارات العنيفة والكثيفة على مناطق متفرقة من قطاع غزة بتدمير 694 وحدة سكنية بشكل كلي، وتضرر 14500 بشكل جزئي، وفق إحصائية أولية لوزارة الأشغال العامة في الحكومة الفلسطينية. وتشير "سعاد عوني" ربة المنزل والأم لتسعة أبناء، إلى أن رفض زوجها وأولادها الخروج من البيت، لشراء الاحتياجات الأساسية، تخوفا من تعرضهم للغارات الإسرائيلية، يتسبب لها بالكثير من المتاعب. وتؤكد عوني "47 عاما" لوكالة الأناضول، أنّ ثمة محال تجارية تفتح أبوابها لتمكين الأهالي من شراء ما يلزمهم، وهناك مخابز لا تتوقف عن العمل. غير أن المشكلة تكمن كما تتابع:" إنّه الخوف من الإصابة، أو الموت، بالأمس نفد الخبز، والكثير من الأساسيات، رفض زوجي وأولادي، وأجمعوا على أنهم لا يريدون الأكل ولا الشراب مقابل أن يبقوا آمنين داخل المنزل". وحتى لو تجرأ كثيرون، وتنقلوا داخل الأسواق، فثمة ارتفاع حاد في أسعار الخضروات، وبعض المستلزمات كما يؤكد "خليل صبيح" لوكالة الأناضول. ويتابع:" هذا إن وجدنا الخضار فالطماطم والخيار والليمون، وكافة الخضروات غائبة عن الأسواق، ولو جدت فسعرها ارتفع إلى الضعف". وتحقق غزة حسب وزارة الزراعة اكتفاءً ذاتيا في الحصول على الخضروات والفواكه يتجاوز ال"90"%، غير أن خوف المزارعين من حصاد المحصول بفعل الغارات الإسرائيلية، وتجريف الآليات الإسرائيلية للأراضي الزراعية غيّب مشهد الخضروات بالشكل المألوف، من أسواق القطاع. ويحيل القصف الإسرائيلي، شوارع قطاع غزة إلى مناطق "محظورة التجوال فيها"، ولا تبدو نابضة سوى بالخوف والقلق من أن يتحول أحد المارة إلى أرقام جديدة تزيد من حصيلة الهجوم. وفي مثل هذا التوقيت وفور أن تبدأ الأيام الأخيرة لشهر رمضان، تبدو شوارع القطاع وكأنها خلية نحل للتزود بحاجيات العيد ومسلتزماته. غير أنّ هذا المشهد غاب، واختفت معه حركة المحال التجارية المعهودة، الأمر الذي يجعل التزود بالطعام في الوقت الحالي مغامرة غير محسوبة الخطى. وفي حال لم يتم فتح معبر كرم أبو سالم المنفذ التجاري الوحيد لقطاع غزة، خلال اليومين القادمين فإنّ المأساة ستزداد كما يؤكد رائد رائد فتوح، رئيس لجنة تنسيق إدخال البضائع، إلى قطاع غزة، في تصريح لوكالة الأناضول. وقال فتوح إن السلطات الإسرائيلية قررت بشكل مفاجئ الخميس الماضي، إغلاق المعبر حتى أجل غير مسمى بذريعة التهديدات الأمنية للمعبر والعاملين فيه. وأضاف:" استمرار إغلاقه سيؤدي إلى كارثة إنسانية، فهناك 300 شاحنة من المواد الغذائية تمر يوميا عبره، إضافة لضخ كميات من غاز الطهي، والوقود لمحطة توليد الكهرباء الوحيدة والتي تعاني أصلا من عجز حاد. واعتمدت إسرائيل "كرم أبو سالم"، والواقع أقصى جنوب قطاع غزة معبرا تجاريا وحيدا بعد أن أغلقت المعابر التجارية في منتصف يونيو/حزيران عام 2007 عقب سيطرة حركة حماس على غزة. ويغلق المعبر يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع، عدا عن إغلاقه لأيام أخرى بسبب الأعياد اليهودية، أو لذرائع أمنية. ويعد معبر كرم أبو سالم المنفذ التجاري الوحيد لسكان قطاع غزة (1.8 مليون فلسطيني). *وكالة الأناضول