تتولى حكومة التوافق الفلسطينية مسؤولية إدارة قطاع غزة بشكل قانوني ورسمي، غير أن الواقع الفعلي يكشف عن بقاء الأمور كما كانت عليه، إذ لا يبدو أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي كانت تدير القطاع منذ عام 2007، قد انسحبت من المشهد السياسي، كما يرى مراقبون فلسطينيون. ووقعت حركتا "حماس" و"التحرير الوطني الفلسطيني" (فتح)، يوم 23 أبريل الماضي، على اتفاق للمصالحة يقضي بإنهاء الانقسام الفلسطيني وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني بشكل متزامن. وأعلن عن تشكيل حكومة توافق وطني فلسطينية في 2 يونيو المنصرم، وأدى أعضاؤها القسم الدستوري أمام الرئيس محمود عباس في مقر الرئاسة بمدينة رام الله وسط الضفة الغربية. وبحسب الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، تيسير محيسن، فإن "الأمر الواقع والمفروض يختلف تماما عمّا تم إقراره من إنهاء عمل حكومتي رام اللهوغزة". ومضى محيسن قائلا، في حديث مع وكالة الأناضول، إن "مسؤولية الحكم في غزة تقع بكامل جوانبها على حكومة التوافق، وهو ما لم يتم حتى اللحظة". وتابع: "حكومة التوافق تتحمل المسؤولية الكاملة في تأخير فرض سيطرتها في غزة، وإنشاء حالة وحدوية إدارية وفنية ومؤسساتية بين الضفة الغربية وقطاع غزة". ورأى أنه "بإمكان وزراء حكومة التوافق تحدي العراقيل التي تضعها إسرائيل أمامهم، ومنعهم من حرية التنقل والسفر". وأضاف محيسن: "بإمكان الوزير أن يتحدث تليفونيا، هناك وسائل اتصال حديثة تزيل كافة عقبات وعراقيل التواصل، لكن من الواضح أن الأمر يتخذ رؤية سياسية معيّنة تتعلق بتنفيذ اتفاق المصالحة، وإخراج حركة حماس من المشهد السياسي، وإبقاء كافة الأمور على ما هي عليه". وعقب فوز حركة "حماس" بغالبية مقاعد المجلس التشريعي في يناير/ كانون الثاني 2006، تفاقمت خلافاتها مع حركة "فتح"، بزعامة عباس، وبلغت ذروتها بعد الاشتباكات المسلحة بين الحركتين في غزة منتصف يونيو/ حزيران 2007، والتي انتهت بسيطرة "حماس" على القطاع، وهو ما اعتبرته فتح "انقلابًا على الشرعية". وأعقب ذلك الخلاف تشكيل حكومتين فلسطينيتين، الأولى تشرف عليها "حماس" في غزة، والثانية في الضفة الغربية وتشرف عليها السلطة الوطنية الفلسطينية. ويرى الخبير في الشؤون الفلسطينية، أحمد يوسف، أن "حكومة التوافق الفلسطينية مطالبة بتولي مهامها في غزة، بشكل عملي، في أسرع وقت". وقال يوسف، رئيس مركز بيت الحكمة للاستشارات وحل النزاعات بغزة (غير حكومي)، في حديث لوكالة الأناضول إن "كل ما يتعلق بشؤون القطاع، وكافة الأمور الإدارية والفنيّة من مسؤولية ومهام حكومة التوافق". ورأى في عدم تحقيق الوحدة المؤسساتية في غزة والضفة حتى اللحظة "مؤشرا على عدم اكتمال الرؤية لدى حكومة التوافق، والعودة بشكل عفوي إلى ما هو قائم قبل اتفاق إنهاء الانقسام بين حركتي فتح وحماس". وتابع: "لابد لحكومة التوافق القيام بواجباتها حتى يشعر الفلسطينيون بأن هناك وحدة حقيقية لا فراغ إداري، وأزمات متتالية، وألا تزداد الأمور تعقيدا". أما طلال عوكل، الكاتب السياسي الفلسطيني، فيرى أن "من يحكم قطاع غزة واقعيا هي حركة حماس". وأضاف في حديث لوكالة الأناضول: "واضح أن حكومة التوافق غير موجودة هنا على أرض الواقع، ولم تتول مهامها، فمن يدير الأمور هي حكومة حماس السابقة". ورأى عوكل أن "اقتراب شهر على تشكيل حكومة التوافق دون توحيدها للمؤسسات وممارستها لمسؤولياتها وإبقاء الأمور على ما هي عليه قد يُحدث نوعا من الفوضى". وتحدث صحفيون في أحاديث سابقة لوكالة الأناضول عن معاناتهم في إيجاد توصيف دقيق لحكومة غزة بأنها حكومة "حماس" أو الحكومة المقالة، أمام عدم استلام حكومة الوفاق زمام الأمور في غزة. ويحتار الصحفيون في تعريف الناطقين باسم وزارة الصحة أو الداخلية وغيرها من الوزارات إذ لا يزال لكل وزارة في غزة والضفة ناطق باسمها. وكشف أيمن عابد، الذي لا يزال يشغل منصب الوكيل المساعد لوزارة الاقتصاد في غزة، أنّ وزارته لم تتلقَ أي اتصال من وزير الاقتصاد في حكومة التوافق محمد مصطفى، منذ الإعلان عن الحكومة. وقال عابد، في حديث لوكالة الأناضول، إنّ "حكومة التوافق لا تتواصل أو تنسق مع الوزارات في غزة لتأسيس وحدة وزارية كاملة بين القطاع والضفة". وتابع: "على الرئيس عباس، ورئيس الوزراء، رامي الحمد الله، إعطاء التعليمات للوزراء في الضفة للتواصل مع الوزارات والمؤسسات الحكومية في غزة، كي تبدأ حكومة التوافق الوطني بمهامها الفعلية على الأرض، وألا يبقى هذا الفراغ الإداري". أما الناطق باسم حكومة التوافق الفلسطينية، إيهاب بسيسو، فقال إن "حكومة التوافق ماضية في تنفيذ مهامها والعمل على إلغاء كافة مظاهر الانقسام السياسي". ومضى بسيسو قائلا، في حديث لوكالة الأناضول، إن "توحيد العمل المؤسساتي والحكومي في غزة والضفة سيتم في أقرب وقت". وتابع: "السنوات السبع الماضية خلَّفت انقساما حادا، وعلاج تلك الآثار يحتاج لوقت ولحكمة، وفي الأيام القادمة سيتم توحيد المؤسسات والوزارات، وسنكون أمام حكومة فلسطينية واحدة". ورأى بسيسو أن "حكومة التوافق هي التي تتولى الحكم في غزة والضفة، ومن مهمتها إزالة كافة أشكال الانقسام السياسي ومظاهر ما خلّفته أعوام الانقسام بين حركتي فتح وحماس". *وكالة أنباء الأناضول