بلاغ من الديوان الملكي: مواصلة التفكير واعتماد الاجتهاد البناء في موضوع الأسرة    توقيع اتفاقية بين المجلس الأعلى للتربية والتكوين ووزارة الانتقال الرقمي    الشبكة الدفاع عن الحق في الصحة تدعو إلى التصدي للإعلانات المضللة    ترامب يعيد تعيين ديفيد فيشر سفيرًا للولايات المتحدة لدى الرباط    يوسف النصيري يرفض عرض النصر السعودي        الفدرالية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب : الاجتماع الأول للمكتب التنفيذي يرسم خارطة الطريق لبرنامج العمل المرتكز على ثوابت استقلالية التنظيم الذاتي للصحافيين الرياضيين    خطوة جريئة في مدونة الأسرة.. الطلاق الاتفاقي سيصبح دون الحاجة للجوء للمحاكم    حصيلة: حوادث السير في المدن في ارتفاع ب14 بالمائة بعد بلوغ عددها هذا العام 97 ألفا        "أفريقيا" تطلق منصة لحملة المشاريع    أ. الدشيرة يفوت على ا. يعقوب المنصور فرصة الارتقاء للصدارة    الملك يشيد بالعلاقات الأخوية مع ليبيا    السكوري: القانون التنظيمي يراهن على منع المشغلين من "شراء الإضراب"    تنزيلا للتعليمات الملكية.. هيئة مراجعة مدونة الأسرة تكشف عن التعديلات المعتمدة وهذه أهمها    أول دواء مستخلص من «الكيف» سيسوق في النصف الأول من 2025    مجلس الحكومة يتدارس أربعة مشاريع مراسيم    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    نظرية جديدة تفسر آلية تخزين الذكريات في أدمغة البشر    تفاصيل التعديلات ال16 في مدونة الأسرة.. تضمنت تقييد الاعتراف بزواج الفاتحة        العصبة تكشف عن مواعيد مباريات الجولة ال17 من البطولة الاحترافية    "فيفبرو" يعارض تعديلات "فيفا" المؤقتة في لوائح الانتقالات        برقية تعزية من الملك محمد السادس إلى أفراد أسرة المرحوم الفنان محمد الخلفي    الإعلان عن تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة    عودة نحو 25 ألف سوري إلى بلدهم منذ سقوط نظام الأسد    الصين تكشف عن مخطط جديد لتطوير اقتصاد الارتفاعات المنخفضة            مبعوث الأمم المتحدة: الصراع الجديد في شمال شرق سوريا ينذر بعواقب وخيمة    مستشار الأمن القومي بجمهورية العراق يجدد موقف بلاده الداعم للوحدة الترابية للمغرب    مدونة الأسرة.. علماء المغرب وافقوا على 7 تعديلات منها "اقتسام الأموال المكتسبة" و"الحضانة للمطلقة"        مختص في النظم الصحية يوضح أسباب انتشار مرض الحصبة بالمغرب    وعكة تدخل بيل كلينتون إلى المستشفى    الفتح يقسو على "الكوديم" بخماسية    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    المغرب يشارك في أشغال الدورة الأولى لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب بالرياض    موظف بالمحكمة الابتدائية بطنجة خلف القضبان بتهمة النصب وانتحال صفة    اختطاف المخيم وشعارات المقاومة    موانئ الواجهة المتوسطية: انخفاض بنسبة 17 بالمائة في كمية مفرغات الصيد البحري عند متم نونبر الماضي    دياز يثني على مبابي.. أوفى بالوعد الذي قطعه لي    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط        "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة السياسة وتراجع مصداقيتها
نشر في هسبريس يوم 28 - 06 - 2014

يعد فقدان الثقة في السياسة وتراجع مصداقيتها من بين أخطر الاختلالات التي تواجه المجتمعات السياسية المعاصرة و المغرب بشكل خاص . فأحجام المواطنين عن العمل السياسي قد وصل في السنوات الأخيرة إلى أبعد مدى وفتح المجال إلى بروز تيارات شعبوية و انتهازية وصعود التطرف ونمو ظاهرة العنف .
هذا الموقف السلبي للمواطن تجاه العمل السياسي سواء كان في شكل المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية أو الانضمام إلى الأحزاب السياسية ،صاحبه فتور في العلاقات بين المفكرين والمثقفين من جهة والوسط السياسي من جهة أخرى، و أضحى كل من له آراء فعالة في الموضوعات السياسية لا يعبر عنها و ينعزل عن الاهتمام بمشاكل المجتمع و المشاركة فيها.
فهل يمكن القول بان السياسة بدأت تفقد شيئا فشيئا شرعيتها وأصبحت بالتالي في حالة رهان ؟
للبحث عن عناصر الإجابة عن هذا التساؤل، لابد من التمييز بين السياسة كسلوك لأشخاص مسئولين عن الشأن العام والسياسة كمجال لممارسة السلطة.
لذلك فان السؤال الذي يجب أن يطرح هو : هل هذه الأزمة في السياسة هي نتاج سياسات حكومية أو أن المشكلة أعمق من هذا واعتبار أن المواطن المغربي فقد الثقة في المؤسسات ونظام الحكم ؟
إذا اعتبرنا بأن الأزمة تكمن في فقدان المواطن للثقة في السياسات الحكومية و الأشخاص القائمين عليها، فإنه يكفي تغيير هؤلاء بآخرين. أما إذا اعتبرنا بأن المشكلة في المؤسسات وفي النظام السياسي، فإنه يجب إعادة النظر في البنيات الأساسية للدولة والقيم التي أسست عليها.
1- أزمة السياسات :
إن أول سبب لهذه الأزمة ذو بعد أخلاقي يتجلى في فقدان المواطن للثقة بالطبقة السياسية نتيجة تفشي ظاهرة الفساد داخل الوسط السياسي بسبب تصرف بعض المسئولين السياسيين الذين يعتمدون على القرابة والزبونة والرشوة من اجل ممارسة السياسة و الوصول إلى السلطة ، حيث أصبحت السياسة حرفة يمتهنها العديد من الأشخاص الذين يسعون إلى الظفر بأكبر عدد من المناصب والجمع بينها والبقاء فيها أطول مدة من اجل خدمة مصالحها الشخصية عوض الاهتمام بالهموم والمشاكل اليومية للمواطن. هذا السلوك احدث قطيعة بين الطبقة المحتكرة للسياسة والمجتمع حتى أصبح هناك فارق متسع على شكل طلاق سياسي بينها .
وللحد من هذه الظاهرة عملت حكومة التناوب الأولى بقيادة قطب يساري خلال حملتها الانتخابية على رفع شعار تخليق الحياة العامة، كما رفع الحزب الإسلامي متزعم الحكومة الحالية شعار محاربة الفساد و الاستبداد ،لكن الواقع أثبت أن ذلك كان مجرد شعارات وأن الهدف كان هو الوصول إلى السلطة والجلوس على الكراسي عوض تنفيذ البرامج والدفاع عن القيم . فالتقارير الصادرة عن المنظمات الغير الحكومية الوطنية والدولية أثبتت أن الفساد زاد واتسع نطاقه في الحياة العامة خلال السنوات الأخيرة. وبالتالي فان الأحزاب أخلت بواجباتها والتزاماتها تجاه الناخب والمواطن بصفة عامة وهذا عمل خطير يضر بالعمل السياسي وبالمجتمع ، ولا يمكن أن ينتج عنه إلا فقدان الثقة بالسياسيين و اللامبالاة وعدم الاهتمام بالسياسة .
فإذا كان المجتمع والعالم من حولنا يتسم بالتحول والتغير وتسارع الأحداث إلى درجة كبيرة ، فإن السياسة في بلدنا لم تواكب هذا التطور ولو بشكل بسيط ، حيث بقيت رهينة تصرف بعض المسئولين في السلطة وأشخاص يمتهنون السياسة و يتخندقون وراء الانتخابات لخدمة أغراضهم الشخصية والعائلية والحزبية عوض الإجابة عن أسئلة المجتمع .
هذا السلوك ترتب عنه عجز الحكومات المتعاقبة على إيجاد الحلول للعديد من المشاكل منها بطالة خريجي المعاهد العليا والجامعات ، ومشكل الصحة والتعليم . فلماذا تصلح السياسة إذا كانت عاجزة عن حل مشاكل المواطنين ؟
إن طغيان المصلحة الفردية والدفاع عن مصالح أفراد معينة أصبح يحجب شيئا فشيئا المصلحة العامة. فبفعل تضارب المصالح الشخصية بين مختلف الفئات ، أصبحت الدولة مجرد حكم . فعوض الانكباب على إعداد وإنجاز برامج تنموية على المستوى المتوسط والبعيد تعود بالنفع على المجتمع، أصبح حل النزاعات الآنية هو الهدف الأساسي للسلطة وأحسن تدبير للشأن العام. فما الجدوى من السياسة إذا اقترنت بالتدبير اليومي للنزاعات ؟ وما الجدوى من تنظيم انتخابات كل دورة إذا كان الهدف من لجوء المواطنين إلى صناديق الاقتراع هو اختيار أشخاص يمتهنون السياسة لخدمة أغراضهم الشخصية الضيقة عوض برامج وقيم ؟
إن ما يهدد المصلحة العامة ويقوض الوطنية هو سيادة هذه العقلية الطائفية ، الشوفينية والأنانية التي تتعصب للدين ، للجهة أو العائلة أو الحزب التي قد تؤدي هدا إلى تدهور التماسك الاجتماعي وانهيار المؤسسات والسلطة السياسية .
2- أزمة السياسة
من بين أسباب هذه الأزمة هناك ما يتعلق بالرواسب التاريخية التي ولدت من رحم النظام السياسي المستبد ، الذي كان يتحكم في آراء وحريات الأفراد ، حيث منع المواطنين من الانخراط والإسهام بكل حرية في العمل السياسي . فلقد قام النظام في ما مضى بتمييع الحياة السياسية عن طريق تزوير الانتخابات والتحكم في أصوات الناخبين ، وعن طريق خلق أحزاب إدارية وصناعة نخب سياسية انتهازية ووصولية لا تراهن إلا على خدمة أغراضها ومصالحها الخاصة بدل الاستجابة لمطالب ورغبات المواطنين . إن هدا التصرف أنتج لنا مواقف سلبية تجاه السياسة حيث تم اعتبارها حكرا على بعض الجهات فقط وليس مجالا مشتركا بين جميع المواطنين .
من جانب آخر فإن السياسة بدأت تفقد قوتها وهيبتها عندما بدأ دورها يتقلص في أداء الوظائف السياسية الجوهرية المنوط بها ، ولا سيما ممارسة السلطة وإنتاج الخطاب والتمثيلية والشرعية . ويعزى هذا إلى تراجع مكانة الدولة – الأمة بفعل تأثيرات العولمة التي فرضت على المجتمعات نوعا جديدا من السلطة والشرعية يعتمد على اقتصاد السوق والتجارة العالمية حيث انتقلنا من مجتمع سياسي إلى مجتمع يدار من خلال الأسواق بواسطة الشركات المتعددة الجنسيات والأسواق المالية .
من ناحية أخرى فإن أزمة السياسة وعدم الاهتمام بها يعود كذلك إلى تراجع الإيديولوجيات الكبرى في العالم وتقلص التعارض بين اليسار واليمين . فالصراع الأيديولوجي بين الاشتراكية والرأسمالية الليبرالية كان يغذي ويعطي القوة للخطاب السياسي ، والتنافس بين اليمين واليسار كان يبني النقاشات العامة ويشكل الدافع لطاقة العمل السياسي .
فبفعل هذا التراجع ، تدهور الخطاب السياسي وأضحى غير جذاب و لا يتضمن في محتواه رؤية سياسية والإجابة عن الأسئلة تجعل الناس على الأقل يحلمون كما في الماضي ،ومما زاد الخطاب السياسي تدنيا تقلد تيار الشعبويين مراكز القرار في السلطة السياسية والمسؤولية في بعض الهيئات الحزبية التي نزلت بالسياسة إلى الحضيض باستعمالها لخطاب منحط يفتقد إلى أبسط قواعد السلوك السياسي و يعتمد على التجريح الشخصي والعنف اللفظي والإقصاء، وهذا لا يليق بمجتمع أصبح أفراده أكثر ثقافة وأكثر استقلالية ويتسمون بالاختلاف والتنوع .
خاتمة
إن الأسباب التي تنتج اللامبالاة وعدم الاهتمام بالسياسة كثيرة ومتداخلة فيما بينها، وبعضها قد يكون سببا في البعض الآخر، فمنها ما هو أخلاقي مرتبط بتصرف بعض المسئولين السياسيين، ومنها ما هو مرتبط بالرواسب التاريخية، ومنها ما هو متعلق بعوامل خارجية. لكن إعادة الثقة للاهتمام بالسياسة لا تتم فقط بتوفير بيئة سياسية سليمة ونظيفة تضمن حق المشاركة السياسية الفاعلة، وإنما يجب قبل كل شيء تربية المواطن على القيم و الأخلاق والمبادئ الديمقراطية التي تشجع على الممارسة الفعلية الرشيدة من جانب الحاكمين والمحكومين .
* دكتور في القانون العام .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.