مقدمات عقد الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية والفريق الاشتراكي بمجلس النواب لقاءا دراسيا بشراكة مع اتحاد كتاب المغرب حول: «الحقوق اللغوية والثقافية والتحديات المطروحة». وذلك يوم الثلاثاء 27 ماي 2014 بمجلس النواب. وبغض النظر عن شكل التنظيم (لكل شكل آفاق مسبقة!) وميقات التنظيم (تأخير بحوالي ساعتين، وأيضا بغض النظر عن الأسباب: تصريح رئيس الحكومة) وغياب إستراتيجية-أطروحة عند المنظمين، سنستعرض الدلالات السياسية والحقوقية لتدخل ممثلي السلطة التنفيذية بخصوص الموضوع. باختصار، ومع كامل التحفظات، تطرق السيد وزير الثقافة للخطوط العامة للسياسة التي تتبعها وزارته في مجال الثقافة والتراث المادي وغير المادي وأشكال الدعم المخصصة للمسرح والكتاب والسينما وما إليها. وتحدث وزير التربية الوطنية عن مظاهر تقدم اللغات في العالم من خلال مثال اللغة الإنجليزية التي انتقل معجمها من حوالي 14.000 كلمة في القرن الرابع عشر إلى أكثر من 600.000 كلمة الآن، لأنها "عرفات كيفاش تتطور". مبينا أن اللغات التي لا تتبنى (وربما المقصود لا تنحت، والله أعلم) كلمات جديدة "غادي توقف". كما ذكر أن الذي يعرف أكثر من لغة يتفوق في جميع المواد بما في ذلك العربية. ويتوقف هذا على الطرق الجديدة في التدريس وثقة المواطن في ثقافته. في حين تطرق وزير التعليم العالي إلى أن دراسة إسبانية بينت أن جميع اللغات ستنقرض باستثناء الإنجليزية والعربية والإسبانية والصينية. وبين أنه لا يفهم الأمازيغية التي يتعلمها التلاميذ، مبينا أن "فئة صغيرة هي التي تتقن تيفيناغ "حول هذه المائدة"! وهذا القول الأخير موضوع لنا فيه عودة. القراءة الأولى ومن خلال التحليل الأولي لشكل ومضامين المداخلات الثلاث، يمكن الوقوف عند دلالاتها من زاوية جبة الوزير واللسان الناطق فيه. يتعلق الأمر برصد كيفية مخاطبة الوزير الجمهور (بغض النظر عن أن الجلسة تمت بالقاعة "المغربية" في البرلمان). هل وظيفة الوزير تتمثل في إخبار الجمهور (بالمعنى التواصلي) بما تنجزه وزارته بخصوص القطاع الذي يسيره أم أنه يقدم أمامه انطباعاته الشخصية؟ وعندما تجيبنا تدخلات السادة الوزراء المذكورين أعلاه، نجد أنفسنا أمام ثلاث أنماط من الخطابات: 1- خطاب يتحدث عما أنجزته الوزارة من خلال الوقوف على أهمية الموضوع وسرد المنجزات. مسبقا (a priori) نلاحظ أن هذا الحديث لا يخرج عن الموضوع من جهة ولا يستعرض الآراء الشخصية والانطباعات الذاتية من جهة ثانية. وأهمية هذا النوع من الخطاب، الذي نعلن من الآن، إيماننا بأنه الخطاب السياسي بالتعريف، هو أنه يتقاسم مع الجمهور سياسة الدولة في القطاع. ويستحسن، منذ الآن ولتجاوز التحديد المسبق أعلاه، أن نحدد طرفي هذا النوع من الخطاب. إذ أنه يمتد من طرف الخطاب الخشبي، الذي يتحدث عما أنجزته الحكومة دون أي اعتبار لنجاعة هذه المشاريع وتناسبها مع منتظرات الناخبين والناخبات ولا لراهنية المنجزات أو أسبقيتها في جدول أعمال المجتمع وبين الخطاب المتفاعل، الذي يدرك الأسبقيات المجتمعية (بكل أطيافها: أحزاب المعارضة والمثقفون والمجتمع المدني والتدبيرات المحلية) ويتحدث عما أنجزته الحكومة بخصوص هذه الانتظارات؛ 2- خطاب يجرد الموضوع من لبوسه المغربية، كما تتجلى في الواقع المعيش والمفكر فيه من طرف أطياف المجتمع، ليحل محله استعراض خبرات كونية أو تجارب ناجحة أو فاشلة عند الاقتضاء، ويستنتج مبادئ أو حكم أو نصائح يرى أنها مفاتيح تصلح لفتح ملف الموضوع في المغرب. ويتميز هذا الخطاب بأنه تبشيري نظريا أنه يبشر باستيعاب تعقد الموضوع، وتعجيزي واقعيا لأنه يؤسس للتبرير الضمني لعجز السلطة التنفيذية على التقدم في إيجاد الحلول وتطبيقها؛ 3- خطاب يستعرض الانطباعات الشخصية والتقديرات الذاتية (وربما المتداولة بين أكثر من ذات) لينتصر في النهاية للرأي المشترك. فهو لا يقدم أية إحالة على ما قامت به وزارته ولا نوع المشاكل التي واجهتها ولا نوع الخبرة التي تحتاجها (على أساس أنه لم يتطرق للموضوع من الناحية المؤسساتية لكي تتبين له الحاجيات): أي انعدام بصمة الوزير (السياسي) الذي يدبر قطاعا يسيره أخصائيون ومسؤولون مكونون خصيصا لإنجاز مهام القطاع والرقي بها نحو الأفضل. الدلالات السياسية والحقوقية إن الخطاب الأول يصيب، دستوريا وسياسيا، عندما يلتزم باقتسام مجريات الموضوع في أشكال اشتغال وزارته. لكنه يقع، نظريا، بين طرفين: استراتيجية الترافع من أجل "ليس بالإمكان أفضل مما كان" المصاحب بتحديد الموضوع بحدود لا تسمح لزوايا النظر الأخرى أن تكون مرئية. وإستراتيجية الترافع من أجل تحديد أكثر رحابة للموضوع يتأسس فيه الحساب على تناسب أو عدم تناسب المنجزات مع الإمكانيات ومصداقية الأولويات المسطرة بالقياس مع الأولويات الموضوعية المؤسسة على المساواة وتكافؤ الفرص. لذلك كلما تواترت لغة الخشب كلما ابتعد هذا الخطاب عن لغة المعيش اليومي للجمهور. في الحالة العادية يعكس هذا الخطاب تفكير اشتغال دواليب ومؤسسات الوزارة في القضايا المطروحة. وهذا ما يمكن الموالاة من الوقوف على نقط القوة قصد تعزيزها والمرافعة من أجلها ونقط الضعف قصد العمل على تجاوزها من جهة، ويتيح للمعارضة، من جهة أخرى، أن تقف على نقط القوة في الإنجاز الحكومي قصد الوقوف على الفرق بين دلالاتها المعلنة ودلالاتها الضمنية تبعا لمختلف السياقات. كما تشكل نقط الضعف، بالنسبة للمعارضة، فرصا لتبيان قصور الأداء الحكومي والعمل على إيجاد بديل له. في كل هذه الأحوال تكون التبادلات والانتقادات والموالاة سلوكات سياسية تنصب على الموضوع وتعمل، من كل الجوانب: حكومة ومعارضة، على تطوير الأداءات التنفيذية بخصوصه. أما الخطاب الثاني فهو خطاب يقع بين الخطاب السياسي والخطاب الأكاديمي، باعتبار أن الأول يهدف إلى إبلاغ السياسة الحكومية للجمهور (أي الناخبين) بينما يهدف الثاني إلى بناء القناعة الضمنية التي مفادها أنه مهما كان الموضوع شائكا فإننا نستطيع القيام باللازم، لأننا نعرف... ونعرف... ونعرف... وهو الإفحام الذي يحاول التفكير التكنوقراطي إنجاحه من خلال "الضرب على الشعا" الذي يشكل أهم آلياته. والحال أن المنتظر من الوزير ليس التصريح بهذه المعرفة الافتراضية (لأن في الوزارة ما يكفي من الخبراء وغيرهم) لأنها تؤول إلى مرافعة دون مبرر! أما إذا صادف الأمر أن كانت مرافعة مبررة فالأجدى أن تعمل الوزارة على استكمال رشدها بالخبراء قبل أن ترافع عن أي موضوع كان! أما هذا الخطاب فيعكس نوعا من الإطلالة الانتقائية على الاجتهادات الأكاديمية دون أن يعكس أشكال اجتهادات دواليب الوزارة ومؤسساتها. وتتوزع آليات اشتغال هذا الخطاب بين: بلاغة حجة السلطة وبلاغة حجة المثال. وكلاهما لا يشكلان إلا حجابا واقيا للتفكير في الموضوع من خلال التغطية عليه بما تقدمه التجربة (الأخرى) على أساس افتراض التماهي والتناظر. والحال أن الحالات في مجال التدبير السياسي تكاد تشبه حالات المجال الطبي، أي لكل حالة تشخيص ولكل تشخيص علاج ولكل علاج مواكبة وضبط. أما الخطاب الثالث فهو الذي يترك خبرات وتخصصات الوزارة التي تكونت بفضل العديد من التضحيات (يعني القيام بالعديد من الواجبات) جانبا ليخبر الجمهور، ليس بما أنجزته الوزارة بصدد الموضوع ولا بالعقبات التي تصادفها لإنجاح التقدم في الموضوع، بل فقط ليتقاسم معه انطباعاته الشخصية! وكأن انطباعات الوزير الشخصية تستحق أن تسمع أكثر من الانطباعات الشخصية لأي مواطن! لأن الذي يميز الوزير عن المواطن هو بالضبط اعتماد الوزير في خطابه على ملفات (تتأسس بالمسؤولية وعلى أساس المحاسبة) يهيئها الخبراء ويكيفها الوزير بالشكل الذي تفهم من طرف أكثرية الجمهور. لأن الوزير لا يناقش التفاصيل بل يناقش التوجهات العامة والمبادئ والاستراتيجيات. وهي الأمور التي تقتلها الانطباعات! إننا لا نتمنى أن نلاحظ سيادة هذا الخطاب الأخير بقدر ما نتمنى أن يلتقي الخطابان الأولان من خلال تفاعل الأول مع الواقع الفعلي واستعمال الثاني للآليات الناجعة، نظريا، في فهم الواقع ومعالجته. ذلك أن وجود الخطاب الأول دون صدمات، يؤول في النهاية إلى تغليب إغراق المشهد السياسي بالآراء الشخصية. أي أن يتحول الأمر إلى تماهي بين ما يقوله المواطن العادي "العاصر" على قهوة طول الصباح وبين وزير يفترض أن يعكس ما يقوله ما آلت إليه إستراتيجية البلد (المغرب) بخصوص قضية أو أكثر. وبذلك يؤول هذا الخطاب، في بعده الاستراتيجي، إلى ترسيم للانطباعات الشخصية (كمرجع مؤسس للقرار) التي يمكن لأي كان أن يمتلكها عن الموضوع، شريطة أن لا يكون مختصا وأن لا يمتلك القدرة على تجميع مختلف المعطيات من مختلف المشارب وتنظيمها في رؤية سياسية تعكس مجهودات أطر الوزارة التي يدبر شؤونها. خلاصات إن الديمقراطية ليست مجرد حساب يحتسب الأصوات ليضع مصير البلد (المغرب) في كف من جمع أكبر عدد منها، ولو كان الاتجاه هو الهاوية وما أدراك ما الهاوية! لأن هذا الجمع في الدول الديمقراطية لا يتم على أساس الانطباعات بل على أساس أنجع السبل للتدبير وأكثرها اعتمادا على التفكير المنظم الذي يوصل البلد إلى أكثر فرص التقدم والازدهار. وهذا ما يستوجب (وليس فقط يفترض) تقاسم الخطوط العامة والأقل عمومية لاستراتيجيات الحكومة مع الناخبين (على افتراض أن السياسة محددة بهم وإليهم)، قصد التمكن من اتخاذ القرار الرصين، الذي يتجلى إما في الاستمرار في التصويت السالف أو استبداله بما يبدو أفضل؛ أي تملك قرار الحكم (غير المفوض) على استراتيجيات الحكومة بالنجاح أو الفشل وتقرير مساندتها أو استبدالها بما هو أفضل. وفي هذا الإطار تلعب المصداقية، في النظام الديمقراطي، دور البوصلة عند الناخب، لأن هذا الأخير ليس سلعة نكسوها بالانطباعات ولا مسوغا لتمرير الحكم بالرأي المشترك ولا متناسيا لنكث العهود ولا منتظرا لمهدي لا ينتظره غير القاصرين. إنه راشد وقادر على التمييز: على الأقل بين من يعمل من أجل التقدم في التفكير والتدبير والتسيير والتقدير والتنوير وبين من يصنع له المرآة التي تتبدى فيها صورته مكرسة لكل أشكال عدم الاجتهاد والقيام باللازم، في وهم بديع. إن المهمة السياسية، التي يتقاضى الوزير عليها أجره، هي تحديد جدول أعمال تدخلاته بحيث تعمل على: تنشيط المشهد السياسي بالمفيد، من خلال التصريح المستمر بالأفكار السياسية التي تعكس برنامج الحكومة وآليات تطبيق بعضه أو جله أو كله، ولم لا تعكس نقاشات الفرقاء والرد المقنع على آراء المعارضين؛ تأثيث المشهد السياسي بالأفكار المفكر فيها، بما يكفي من الرزانة والمرجعيات الموثوق بها، سواء في الأجهزة الحزبية أو في دواليب الحكومة، بحيث يصب الاتفاق أو الاختلاف في بوتقة التقدم في فهم الموضوع واستنبات مقاربات أكثر تقدما، بحيث تخرج عن إشكالية مواجهة المعتوه: فإن ربحته لم تربح إلا معتوها وإن خسرت أمامه فهو العجاب! وعلى أساس هذا التحليل يمكن القول أن الفرق بين الديمقراطيات وأشباهها يكمن في الانتقال (وقد أسال الانتقال الديمقراطي الكثير من أسمغ والحبر معا) من تأثيث السياسة العمومية بالانطباعات أو بالإنبهارات - سواء بهذا السالف الذي أكل الدهر عليه وشرب أو بذلك الغير الذي حقق لنفسه التقدم ويستعمل عندنا لدر الرماد في العيون- إلى تفعيلها بالتحليل الملموس للواقع الملموس بمنهجية علمية ذات آفاق سياسية تضمن للجميع جميع الحقوق دون تمييز أو أو عنصرية أو استعلاء. لأن الوطن (المغرب) لا يمكن أن يتقدم ب"الوجهيات" المسماة عندنا ب"ثوذماوين" ولا بإقصاء مكون من مكوناته السياسية أو الثقافية أو الفكرية. إنه ينتظر المشروع السياسي (الفعلي أما الافتراضي فهو مسطر في الدستور) الذي يستفيد من كل مكونات الوطن لفائدة كل مكونات الوطن من أجل كرامة كل المحسوبين على الوطن وتقدمهم ورقيهم كمكونات شرعية ومشروعة وتشريعية لهذا الوطن (المغرب). - فاعل مدني