أنور مالك (الصورة) المقصود هنا هو الصحفي الجزائري المشهور جداً، أما الصحراء فهي بالتأكيد الصحراء المغربية. القصة باختصار تدور حول ما نشره السيد أنور على حلقات حول مشاركته في أحد الملتقيات الدولية بمدينة الداخلة. لسنا بصدد مصادرة حق هذا الصحفي في التعبير عما رآه وبالطريقة التي تناسبه، لكن المفروض في اسم من هذا العيار يطل على المشاهدين عبر العديد من المنابر والمواقع الإلكترونية والفضائيات، أن يحترم ذكاء القراء لأنهم ليسوا جميعا من عينة مواطنيه الجزائريين الذين غسل الإعلام الستاليني عقولهم. لقد كان واضحا من خلال سلسلة المقالات المشار إليها أن السيد أنور مالك رغم ادعائه بداية بأنه دخل الأقاليم الجنوبية بنية التجرد من كل المواقف المسبقة والأحكام التعميمية، لبناء رأي نزيه وموضوعي اعتمادا على مشاهداته الشخصية بعين المكان، لكنه سرعان ما لحس هذا الادعاء، وكرس قلمه لاجترار المقاربات المغلوطة التي تمثل رأسمال الصحافة الجزائرية حين يتعلق الأمر بالتعاطي مع قضية الصحراء تحديداً. لقد بدا واضحا من كتاباته، أنه حاول أن يعطي لكل شيء وزنا أكثر مما يستحق، من قبيل تعاطف أطفال الداخلة مع المنتخب الجزائري، وتقديم ذلك على أنه برهان على شيء ما والحال أن الشباب المغربي في أغلبيته الساحقة كان متعاطفا مع هذا المنتخب "الشقيق" خلال المونديال، فهل يعني ذلك أن كل من شجع الفريق الجزائري مساند للأطروحة الانفصالية؟ لقد قفز أيضا على مسألة مهمة عندما اعتبر أن زياراته المتكررة إلى الأقاليم الجنوبية وتنقله في شوارعها ومقاهيها بكل حرية - رغم ما قاله عن مراقبته من طرف "المخابرات المغربية"- دليل على أن الوضع عاد للغاية بهذه الربوع، علماً أنه لن يسمح حتما لأي صحفي مغربي بزيارة لا مخيمات تيندوف ولا أي شبر في الجزائر، اللهم إلا إذا كان ممن يتبنون مواقف معادية لمصالح المغرب، أو من نوعية "كاري حنكو". وليت السيد أنور يفسر لنا ما الذي يمكن أن يسمعه صحفي مغربي من أفواه سكان منطقة القبائل مثلاً إذا أتيحت له فرصة لقائهم، وهذا أمر مستحيل طبعا؟ وهل من المنطق أن نبني موقفاً علميا موضوعياً متجردا بناء على شعارات يرددها مراهقون؟ لقد قال إنه في إحدى زياراته إلى إقليم أسا، الذي لم يزه حتما 99.99 في المائة من الصحافيين المغاربة، "فوجئ" بشباب يرددون شعارات "ثورية" داخل القاعة التي احتضنت النشاط الذي دعي إليه، وقد كانت مفاجأته أكبر لأن هؤلاء جميعا دون الخامسة عشر من العمر...وهي ملاحظة لا تحتاج لأي تعليق..سواء نظرنا إليها من زاوية من يتطلعون للانفصال، أو من زاوية حرية التعبير التي لا يمكن أن تمارس بأكثر من هذا الشكل... وهناك خرجات أخرى تثير الضحك، من قبيل أن الصحراويين ممنوعون من امتلاك قوارب الصيد، وأن أحلام أطفالهم غريبة للغاية: فطفل يريد أن يكون شرطيا حتى يرد "حكرة" الشرطة المغربية.. وطفل آخر يتمنى أن يكون نجما مثل اللاعب الجزائري زياني لكن في المنتخب "الصحراوي" وليس المغربي.. وطفلة تتمنى أن تكون طبيبة لتعالج المرضى الصحراويين الممنوعين من دخول المستشفيات العمومية المخصصة حصرا ل"الغرباء".. اللهم إن هذا منكر.. بطبيعة الحال لم يستطع السيد أنور أن يعزز ادعاءاته، وهو يلتقط صورا تذكارية حتى لمدخل الحامية العسكرية بالداخلة، الذي لا تقف أمامه مدرعات ولا متاريس ولا حواجز، لما تخيله من مؤشرات "الثورة"، التي تحدث عن مظاهرها على امتداد سلسلة مقالاته..بل إنه عندما ضاق بالهدوء الذي تعرفه المدينة ادعى أن هناك "ثورة هادئة" تتماوج في الأعماق. المضحك أكثر أنه في كثير من الفقرات تسللت -دون وعي ربما- إشارات إلى الأوراش الكبرى المفتوحة بالمدينة - التي وصفها بالملكية من باب القدح طبعاً-، والبنايات والمحلات الجميلة التي أريد منها -حسب الكاتب دائماً- إبراز الحياة الرغدة والهنيئة، فضلا عن ناحية الاستقرار الذي يطبع المدينة. ومن الغرائب الأخرى التي تكشف انحدار المستوى الفكري لهذا الجزائري، ادعاؤه بأن جهة ما استأجرت طفلاً للمرور قرب المقهى الذي كان يجلس فيه بأمن وأمان، وعلى كتفيه - أي الطفل- علم مغربي، وهي الحقيقة التي اكتشفها بعدما لاحق حامل الراية على مدى أزقة ومنعرجات..وقد فاته أن ما قاله شهادة للمغرب قبل أن تكون ضده، فأن يتحرك صحافي جزائري بكل تلك الحرية في عاصمة وادي الذهب، مسألة لا نظن أنها قد تفوت سوى على من أعماهم الحقد والتحامل.. الغريب أن هذا الشخص لم يستطع نقل صور عن الفقر والتهميش والبؤس رغم أنه صال وجال حيث شاء، بل جلس في مقهى كأيها الناس على نفس الطاولة مع الشاعر الجزائري المعروف سعيد عاهد..المقيم في المغرب، والذي لا ندري لماذا لم ينقل عنه أية شهادة حول الصحراء وأهلها...والمغرب وأهله.. هذا حتى لا نسأله مثلا عن لائحة المسؤولين الجزائريين الكبار الذين يقضون تقاعدهم في المغرب أو يتلقون علاجهم فيه ويموتون في مصحاته.. وعلى كل نتمنى لو يستدرك الزائر الأمر بتقديم حجج منطقية يقبلها العقل، خاصة وأنه تجول في الداخلة من أقصاها إلى أقصاها، وفي أسا أيضاً، ولم يجد ما يسجله سوى أحلام الصبيان واحتجاجات المراهقين..ولا أدري كيف قبل على نفسه أن يعنون سلسلة مقالاته التي نشرتها "الشروق اليومي" بما يلي:" "الشروق" أول صحيفة جزائرية تتسلل إلى الأراضي الصحراوية المحتلة "...علما أن هذه الجريدة كان لها الفضل في إشعال الفتنة بين الجزائر ومصر..؟ وهذا دون الخوض في الممارسات اللاأخلاقية التي لا تليق بصحفي يوزع المبادئ والمواقف، حيث تمت الاستعانة بصور لا علاقة لها بالداخلة، من قبيل صورة المكفوف الذي ربط نفسه بسلسلة في سياج البرلمان، والأطفال الذين يرفعون علم الجمهورية الوهمية في مخيمات تيندوف..وكل ذلك لتأكيد واقع متخيل وأوهام لا تتعدى مخيلة صانعها.. في الواقع، لم يكن ضروريا تخصيص كل هذه المساحة للرد على كلام بلا لون ولا طعم صادر عن صحفي جزائري، ولكنها خطوة أملتها ضرورة التذكير بأنه حين يتعلق الأمر بمعاداة المغرب ومعاكسة مسيرته التنموية، فإنها "لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور".