بدأت أصوات "المولينيكس" تتعالى من شقق الجيران، وفاحت بكثافة روائح النافع والجلجلان، وانطلقت القنوات تتنافس لكل مسلسل إعلان، ماذا حل بنا يا ترى، من القادم ب"شهيوات شميشة" والشيخات ورويشة والسهرات مع الشيشة؟ إنه رمضان... نعم رمضان، شهر من المفترض أنه شهر العبادة وطلب الغفران. على أبواب رمضان، يزدحم هنا بالرباط أحد صانعي حلوة "الشباكية" لدرجة الفتنة، حتى أصبح يعطي نصف كيلو شباكية "بالكوموند"، مع منتصف شعبان توضع لديه "الطاسات" الپلاستيكية مع نصف ثمن كيلوغرامات الشباكية المرغوبة، ويحرر هو في المقابل ورقة بالثمن الباقي يسلمها لصاحب العلبة البلاستيكية كوصل يأخذ به شباكيته حين عودته. أتذكر السنة الماضية أمام المحل الصغير لهذا الحلواني صفا طويلا قطع عن المارة الطريق، لم ينته حتى بعد إعلان رؤية هلال شهر رمضان، فقرر فجأة البائع إغلاق محله حتى يتسنى له تحضير سحوره والاستعداد ليوم الصيام الأول، فانهال عليه جمع المنتظرين بالصراخ والشتيمة وهم يحملون علبهم البلاستيكية التي لم تملأ بعد بحلوى الشباكية، ولم يجدوا بدا من الانصراف بعدما أطفأ الحلواني لهيب النار الذي يشعله على زيت القلي، فقال أحدهم من الذين ألم بهم الغضب: "هادي سبعة دالساعات وانا شاد الصف ودابا نمشي بلا شباكية، بناقص ڭاع من هاد الصيام." وعلى ذكر رؤية الهلال، لا زلت لم أفهم إلى غاية الآن ما معنى أن تبدأ السعودية ودول الخليج المجاورة الصيام في يوم ونتبعها نحن في اليوم الموالي، فالفارق الزمني بيننا ثلاث ساعات حسب خطوط العرض، يعني إن شاهدت السعودية الهلال ودارت الأرض بعد ثلاث ساعات يفترض أن نراه نحن أيضا. فإن كان التقويم الهجري مرتبط برؤية الهلال، بارتفاعه وانحرافه وزواياه، وإن كانت حسبته ومعاييره تعتمد على المكث (تحديد مسبق للزمن) أو الرصد بالأجهزة أو الرؤية بالعين المجردة بإضافة حسابات علماء الفلك، فهذا يجب أن ينطبق على جميع الدول الإسلامية مع الأخذ بعين الاعتبار فارق خطوط العرض بين الدول. وبما أن يوم عرفة المبارك لا يمكن لدولة أو جهة أن تعلن عنه غير المملكة السعودية، فلا عرفة إلا عرفة الحج، ويوم بعده ليس بعرفة ويوم قبله ليس بعرفة، فمن المفترض إتباع التقويم الهجري حسب ما تعلن عنه وزارة الأوقاف السعودية وذلك بجميع البلاد أيضا مع فارق الساعات بين الدول (خطوط العرض للتذكير)، وذلك لتطبيق الحديث الشريف حيث يُكتفى بشاهدة شخص واحدة لرؤية الهلال والإعلان عن بداية الشهر الهجري: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته." العرف الشرعي يقول بأن إذا كان بلدان يشتركان في جزء من الليل تصوم البلد الثانية إن أعلنت الأولى عن رؤية الهلال، يعني أن البلدان من المحيط إلى الخليج عيها أن تتوحد في الإعلان عن الصوم في يوم واحد والإفطار في يوم واحد وفي التاريخ الهجري ككل. ويبقى للأمر منظور آخر سياسي يبغي التفرقة حتى في التأريخ! ويبقى أن على كل شعب أن يتبع حاكمه الذي يصدر بناء على وزارة الأوقاف رؤية الهلال فالصيام، وهذا للتوحد كشعب وأمة على الأمر نفسه والابتعاد عن الجدل والفتنة، فكما قال عليه أفضلا السلام: "صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون" أخرجه أبو داود، يعني إن اجتمعت أمة على يوم بداية شهر رمضان فذاك اليوم حسب عند الله بدايته وإن أخطأت الأمة، فيد الله مع الجماعة. .. .. رمضان والشباكية والجلجلان.. لا رمضان دون سفوف أو زميتة/ زميطة، ولا سفوف أو زميتة/ زميطة دون جلجلان، ولا جلجلان دون تنقية ثم خلط مع الطحين المحروق "فالفرّان"... تحضيرات وتحضيرات من الحلويات والمأكولات لا تنتهي، بالليل نأكل حتى الفجر وبعد الفجر ننام وبالإصباح نفكر ونتناقش حول عشاء الليلة وبعد الزوال ننزل للأسواق لنشتري المؤونة وقبل المغرب بساعات نبدأ الطبخ حتى ننتهي أمام مائدة الإفطار، ثم نسرع في العشاء فالتراويح حتى ننعم بوجبة عشاء طويلة هنيئة. ويا ليت رمضان اقتصر على الأكل فحسب، بل هناك ما هو أهم للمغاربة جنب الأكل، بل وقلته أو رداءته أصبحت من رداءة برنامجهم الرمضاني، ألا وهو "الضّْحْكْ..الضّْحْكْ" يا ويل القناتين الأولى والثانية إن لم تذيعا شيئا مضحكا عند الإفطار أو فشلتا في "تدويز" الحريرة مع قهقهات الأفواه الصائمة.. هادشي مكيضحكش فين الضحك بغينا الضحك ديرو لينا شي حاجة كضحك حيدو علينا هادشي مكايضحكش هادشي باسل ديرولينا شي كاميرا خفية مزيانا بنادم نهار كولو وهو صايم فالأخير ميضحكش المغاربة بغاو يضحكو مع الفطور لا أعلم من سن هاته السنة الحسنة، لكن بما أن المغاربة متيمون بالضحك عند الإفطار الرمضاني لهاته الدرجة هناك اقتراحات عدة يمكن بها تفادي حموضة القناتين الأولى والثانية وضمان الضحك مباشرة بعد الآذان، كأن تطلب من فرد الأسرة الذي يجاورك على مائدة الإفطار بأن "يْهْرّك" وأنت تحتسي الحريرة، ومللي تسالي زلافتك هرُّو أنت. وهكذا كل واحد يدغدغ الآخر وهو يأكل (الهرّان بالنوبة). يمكن إضافة قليل من "المعجون" فالكوكوط، وهكذا بعد الإفطار مباشرة ستجد الأسرة بأكملها تتمايل من الضحك بينما سعيد الناصري يتهجى إرتجاله بتأني، (لأني لا أظن هناك سيناريو يكتب لتلك الآفات مسلسلات )، المشكل في الحل الثاني هو استمرار الضحك في المسجد أثناء صلاة العشاء، يمكن أيضا تسجيل الجلسات البرلمانية في دي في دي وتشغيلها أثناء الإفطار حتى نضحك جميعا مع وزيرة الصحة "على ريوسنا"... المهم يمكن إيجاد اقتراحات عديدة للضحك بدل المغص الذي تبثه القنوات التلفزية. أنا شخصيا أعزف عن مشاهدة التلفاز كليا في رمضان، فحتى المسلسلات المصرية يظهر فحشها أثناء الصيام وبعد الإفطار، مناظر لا تظهر لي حتى في نفسي في الأيام الأُخر... فأحاول تفادي مشاهدة يسرى بسراويلها الضيقة مع أفراد العائلة، وعادل إمام وقبلاته المفاجئة، والمغنيات اللبنانيات ومفاتنهن التي تقفز من فساتين تلمع فتخدع، وأزيل قنوات الموسيقى الغربية والأفلام الأجنبية من على لوحة القنوات حتى لا أصادف شيئا غريبا أثناء الصيام أو بعد الإفطار، فلا يظل إلا القنوات الدينية ببرامج قصص الأنبياء التي أفضل قراءتها في الكتب، ونصائح الفقهاء بالصلاة والقيام، فأقفل التلفاز وأهم بالقيام... أو النوم بما أنني فتحت سيرة المغنيات اللبنانيات، أريد أن أهنئ 250 ألف متفرج على احتفالهم ب "شعبانة" مع هيفاء وهبي. في بلدان تقام بها احتفالات بهذا الحشد وتستثمر في المغنيين الملايين، تقام بها في المقابل مراكز ضخ الذرة لتوليد الطاقة تخترق بضخامتها أرضيات المدن وتستثمر في بحثها العلمي ملايير الأورو سنويا. أما في بلد لم يستثمر قرشا لإزالة مدن الصفيح التي لا زالت في الألفية الثالثة تحيط بعاصمته ولا تخترق أرضية مدنه غير "قوادس" الصرف الصحي "حشاكوم" والتي لم تصل بعد إلى دواويره .. فهذا والله العجب العجاب والطريق إلى الخراب. أتمنى أن تقبلوا مني هاته الصورة التي ألصقت لتهنئتكم ب "شعبانة" ، كانت تسخينات رمضانية ممتعة أتاحتها لنا سياسة عاشورة "بالدبيز" وشعبانة "بالركيز"، و"ليلة سبعة وعشرين" مع "بريتني سبيرز".. سننتظر ونحن ننقي الجلجلان [email protected] http://www.facebook.com/mayssasalama http://www.ipetitions.com/petition/maroctransport