لستُ ممن يُعوّلون على الجامعة العربية، والأمم المتحدّة، ومجلس الأمن، لدعم قضايا الشّعوب...وأستغرب تشبّث بعض أطراف المعارضة السّورية بتكرار التجربة العربيّة، والفلسطينيّة تحديدا، في التّعويل على هذه المنظّمات والمجالس...هذا التعويل لم يكن يوما سوى مضيعة للوقت، وتضليلا للشعوب، وحرفا لاتجاه البوصلة، وإعطاء المهلة تلو الأخرى للقتلة، وعلى رأسهم دولة الاحتلال في فلسطين. لكن قرارات مجلس الأمن تفيد في قراءة المزاج الدولي، وتعطي مؤشّرا عليه. حين طُرحتْ قضيّة العراق في مجلس الأمن، وقف المندوب الرّوسي مُحايدا، ولم يستخدم الفيتو، ولاذ بالصّمت..كان ذلك تعبيرا عن أن المزاج العالمي تُشكّله أمريكا وحدها في تلك المرحلة، وتقودُه دائما باتجاه أمنها وأمن حلفائها. في قضيّة سوريا اختلف الأمر، استخدمت روسيا وإلى جانبها الصّين حقّ الفيتو، بكلّ قوّة وحزم، دون أن يرمش لهما جفن، رغم مجاملة الغرب وأمريكالروسيا في محاولات عديدة، طوال عدّة أيام، للأخذ بتعديلاتها، واسترضائها، لتمرير القرار. هذا ليس حدثا عاديّا... هذا مزاج دولي جديد،مزاج يقول أن أمريكا وحلفاءها يتراجعون، وأن قبضتهم على عنق العالم ترتخي... لا أتحدث هنا عن الشأن السّوري، إلا بوصفه مناسبة كشفت ْ المأزق الأمريكي، ولا أظن أن روسيا يهمّها أمر سوريا أكثر مما كان يهمّها أمر العراق، ولا أعتقد أن أمريكا يعنيها ذبح الشّعب السوري في شئ. روسيا الجريحة بعد الحرب الباردة، وبعد تفكّك الاتحاد السوفييتي، وبعد خسارتها لأفغانستان، وأوروبا الشّرقية، وحلف وارسو، تدرك الآن أن أمريكا خسرت في أفغانستان، وخسرت في العراق، وخسرت في أمريكا اللاتينيّة، وخسرت حتى الآن مع إيران...والتّنّين الاقتصادي الصيني يدرك ذلك أيضا. الإدراك الرّوسي - الصّيني لخسارة أمريكا الاستراتيجيّة هذه، حتّم عليهم هذا الموقف القويّ تجاه أمريكا. ليس الدّفاع عن نظام الأسد هو هَمُّ روسيا، وإنّما تعظيم الدّور الرّوسي هو الأساس، في لحظة تاريخية تلتقطها روسيا لصالحها، بل ربما تبدأ روسيا نفسها - الآن وبعد الفيتو - بطرح الحلول للشأن السّوري. وربما تتخلّى عن النّظام السّوري بعد قليل، المهم عندها أن يكون الحلّ من طرفها، أو برضاها، وبضمان مصالحها، والتّسليم بدورها . ضمنت روسيا سلفا - بناء على إدراكها لمأزق أمريكا - عدم التّدخل العسكري في سوريا عندما استثنته الجامعة العربيّة من مشروع القرار، وتحجّم القرار في البعد السّياسي، والاقتصادي، فتقدّمت روسيا خطوة إضافية، ورفضت أي ضغوط سياسية، واقتصادية، على سوريا...الرّوس كانوا هنا يلعبون لعبة الشّطرنج ببراعتهم المعهودة فيها، وببرود كامل، لا يعنيه الضّحايا، ولا ما يجري في سوريا. روسيا كانت تعلن للجميع أن أمريكا تتراجع... الموقف الروسي يقول لأمريكا وللعرب: لا حلّ بدوني، أنا هنا، وأنا لاعب رئيسي الآن. علينا أن نفهم أن سوريا أصبحت موضوعا دوليّا كبيرا، آخر همّه هو الشّعب السّوري من جهة أمريكا وحلفائها، وآخر همّه هو النّظام السّوري من جهة روسيا وحلفائها، سوريا الآن ساحة صراع على النّفوذ الدّولي. كان على الائتلاف الوطني السّوري أن يفهم ذلك جيدا، وكان عليه أن يفهم أنّ أوراق الحلّ لم تَعُدْ أمريكيّة صرفة، وكان عليه أن يفهم قبل كلّ ذلك، أن الجامعة العربيّة لاعب صغير، عاجز و تابع. إذا أراد الائتلاف الوطني السّوري الآن ، أن يُقدّم شيئا لشعبه، فعليه الانشغال بالثورة التي يخوضها شعبه، وأن يسعى إلى تطويرها، وتصليبها، وتمكينها، بقواها الذاتية أولا، خاصّة أن الشّعب السّوري أثبت قدرة هائلة، على التّحدي، والصّمود، والمواجهة، والتضحية، والجسارة. على الائتلاف الوطني السّوري أن لا يضع البيض في سلّة أمريكا ، فهي غير أمينة عليه. إذا وُضع البيض في سلّة أمريكا، فستسعى روسيا في هذه الحالة وفي إطار لعبتها الدّولية إلى تكسير هذا البيض، وتعقيد أرض المعركة. وسواء نجحت روسيا بذلك، أو فشلت، فإن وضع البيض في سلّة أمريكا لن يُنتج طائرا يُحلّق بجناحين قويّين في فضاء الحريّة، بل سيزيد من السّكاكين التي تُشحذ على عنق الشعب السّوري، شرقا وغربا. الفعل الصحيح - إذا - يكون في الالتفات للدّاخل السّوري أولا، ثمَّ اللّعب مع كل اللّاعبين الدّوليّين، الذين لا يؤمنون بالمبادئ، بل بالمصالح، والمصالح فقط. أمريكا لا تستطيع حسم هذه المعركة، وروسيا لا تستطيع خسارة هذه المعركة. النّظام السوري يُدرك ذلك، ويدير معركته العربيّة - الدوليّة بدهاء، وبرود، ويدير معركته الداخليّة بعصبيّة، وكذب، وإجرام، لأنه يدرك أن الخطر الوحيد عليه هو الشّعب السّوري، ويريد هذا النّظام أن يحسم معركته مع هذا الشّعب بسرعة. الشّعب السّوري الذي يريد الخلاص من الاستبداد، يقف وحيدا وأمامه معركة طويلة، معركة سيكون لها تأثير كبير على المنطقة و العالم.