الخطاب الملكي حول تعيين اللجنة الجهوية ليوم الأحد 03 يناير 2010هو خطاب برنامجي حدد الإطار العام للجهوية المقبلة في أربعة نقط. النقطة الرابعة هي المحدد الأساسي لطبيعة الجهوية المقبلة حيث جاء في الخطاب:" انتهاج اللاتمركز الواسع، الذي لن تستقيم الجهوية بدون تفعيله، في نطاق حكامة ترابية ناجعة، قائمة على التناسق والتفاعل." مصطلح "اللاتمركز الواسع" الذي تحدث عنه جلالة الملك غير وارد بتاتا في نص القانون رقم 47.96 المتعلق بتنظيم الجهات. المصطلح الوارد في نص هذا القانون هو مصطلح "عدم التمركز الإداري". "عدم التمركز الإداري" الوارد في نص القانون المنظم للجهات هو فقط محاولة للحد من سلطة المركز و لكن "اللاتمركز الواسع" الوارد في الخطاب، حسب فهمنا المتواضع، يمكن أن تكون لديه دلالتين: الدلالة الأولى هي على مستوى الاختصاصات و الصلاحيات و الدلالة الثانية هي على مستوى الجغرافيا. على مستوى الاختصاصات و الصلاحيات من المنتظر أن تصبح هذه الاختصاصات و الصلاحيات جد موسعة و من المنتظر أن تشمل تدبير الوضعيات المالية و الإدارية لجميع الموظفين و المستخدمين على مستوى الجهة مع تحديد نسبة التحملات ما بين المركز و الجهة. أما الدلالة الجغرافية فالجهة المنتظرة ستنبني على أساس جهة ممركزة بداخل تجمع حضري في علاقته مع باقي المكونات الحضرية المحيطة به؛ و حتى في هذه الحالة مبدأ اللامركزية الموسعة سيتم احترامه ما بين الجهة وباقي مكوناتها الترابية. هذا النوع من التدبير الترابي يتطلب أنظمة تدبيرية جهوية متعددة على جميع المستويات، أنظمة تدبيرية مستقلة و لكن متناغمة و متكاملة مع باقي الأنظمة الأخرى. هذا النوع من التدبير الجديد سيدفع لا محالة في اتجاه التخلص من التضخم الإداري و السلطوي الغير منتج، لأن هذا النوع من التدبير مفلس و التدبير الجديد المنتظر يتطلب وجود كفاءات عالية. المملكة المغربية تتوفر على هذا النوع من الكفاءات إلا أن معظمها مبعد و لا ينظر إليها بعين الرضى نظرا لانها تفضل في أخر المطاف احترام كفاءتها و الابتعاد عن الاختيارات المتواطئة مع قيم التخلف و التردي. أزمة المملكة المغربية في تدبير مرافقها، هي أزمة استصغار الكفاءات و أزمة عدم تسطير الحدود بين الاختصاصات و الاقتصار فقط على منطق تعويم قيم الصرامة العلمية و القانونية مع قيم التخلف و الارتجال. هذا الاختيار الممارس في جميع المرافق، خلق شبه تردي على جميع المستويات: التعليم لم يعد تعليما، الهندسة المعمارية لم تعد هندسة معمارية، مهندسوا الطرق لم يعودوا مهندسي طرق، بل أكثر من ذلك حتى الأطباء لم يعودوا أطباء. عدم الاعتماد على الكفاءات خلق ترديا ممتدا و مس جميع القطاعات. تجاوز هذا الوضع من التردي يدفع في اتجاه العمل على الرفع من مستوى حماية الكفاءات بدل العمل على محاربتها بواسطة الإشاعات و تلطيخ سمعتها بالأكاذيب. مرحلة التستر عن المدفوع بهم لاحتلال المناصب و المسئوليات يجب أن تروح إلى لا رجعة؛ لأن كل أشكال التمويه و التستر على الرداءة المختلفة يظهر على واجهة البنايات، يظهر في أشكال تدبير المؤسسات و في أنواع العلاج المقدم حتى في المصحات الخصوصية... خلق كفاءات غير حقيقية لضمان ما يسمى السير العادي للمرافق العمومية ساهم بشكل كبير في عملية التردي الشمولي... تعيش المملكة المغربية حاليا تجربتها الجهوية مقتصرة على التكرار اللفظي ل"عدم التمركز" الجهوي، و ستدخل مرحلة "اللاتمركز الجهوي الواسع" التي حددها صاحب الجلالة في خطابه ليوم 03 يناير الماضي؛ هذه المرحلة الجديدة ستكون لا محالة دفعة قوية في اتجاه جهوية على الأقل متقدمة على الجهوية الممارسة حاليا. لأن محتوى الخطاب و فلسفته ينحوان اتجاه سلطات جهوية حقيقية و يحاول القطع مع الوشائج السلطوية للمركز. الأربع نقط الموجهة للجهوية المغربية الواردة في الخطاب الملكي ليوم ثلاثة يناير الماضي هي تطوير لمواد محورية بداخل القانون المنظم للجهات: النقطة الأولى من الخطاب هي تطوير للمادة الثانية من القانون المنظم للجهات. النقطة الأولى من الخطاب تقول:" التشبث بمقدسات الأمة وثوابتها، في وحدة الدولة والوطن والتراب، التي نحن لها ضامنون، وعلى صيانتها مؤتمنون. فالجهوية الموسعة، يجب أن تكون تأكيدا ديمقراطيا للتميز المغربي، الغني بتنوع روافده الثقافية و المجالية، المنصهرة في هوية وطنية موحدة." المادة الثانية من القانون المنظم للجهات تقول:"لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يمس إحداث و تنظيم الجهات بوحدة الأمة و لا بالحوزة الترابية للمملكة." النقطة الثانية من الخطاب هي تذكير للمادة الرابعة من القانون المنظم للجهات النقطة الثانية من الخطاب الملكي تقول: "الالتزام بالتضامن. إذ لا ينبغي اختزال الجهوية في مجرد توزيع جديد للسلطات، بين المركز والجهات. فالتنمية الجهوية لن تكون متكافئة وذات طابع وطني، إلا إذا قامت على تلازم استثمار كل جهة لمؤهلاتها، على الوجه الأمثل، مع إيجاد آليات ناجعة للتضامن، المجسد للتكامل والتلاحم بين المناطق، في مغرب موحد." المادة الرابعة من القانون المنظم للجهات تقول:"يهدف تحديد الجهة إلى تكوين مجموعة متجانسة ومندمجة، و يجب أن يستجيب هذا التحديد للرغبة في تحقيق الانسجام بين المكونات الترابية". [email protected]