باعتقال مغني الراب معاذ "الحاقد" وبمنح 60 مليون سنتيم لمغني راب آخر معروف بعداءه الوقح للربيع المغربي، كأننا نعود للمنطق الاستعماري البغيض، منطق هذا ينفع وذاك لا ينفع. لست ضد أن تعطى منح من وزارة الثقافة لدعم الفن، السؤال هو هل أخد "البيغ" هذه المنحة من أجل جودة فنه أم لمواقفه من حركة 20 فبراير، أو ربما هي بركات الوسام الذي وشحه به الملك، لا زالت تتهاطل عليه؟ وهل الحاقد اعتقل لأنه يبيع تذاكر مباراة في السوق السوداء كما يقال، أم لمواقفه الواضحة اتجاه طبيعة النظام المغربي؟ يبدو أن الدولة العميقة، تفكر بالمنطق الاستعماري نفسه الذي قسم المغرب إلى مغرب نافع ومغرب غير نافع، منطق عدم الاكتراث إلا لشيء واحد وهو البقاء والاستمرار في مص الخيرات والاستفادة ما يمكن من واقع الحال، "ولي مافيه نفع..ادفع". إن غنيت "مابغيتش" لترد على من يهتفون "الشعب يريد"، فأنت نافع جدا، سأوشحك بوسام وسأغدق عليك من أموال دافعي الضرائب، أما إن غنيت " والووو، ما تبدل والو"، فأنت عدمي وما نافع لوالو، ولك سأفتح أبواب سجوني. النقابات مثلا، نافعون جدا، نفعوا حين أفرغوا شوارع الاحتجاج من العمال، وينفعون اليوم في تنظيم مسيرات على المقاس وتحت الطلب، ولأنهم نافعون سأرخص لهم ليحتجوا كما أشاءُ في أكبر المدن، أما إن خرج بعض الشباب الطائش وغير النافع وسط هذه المسيرة المرخص لها فقط للنافعين، وهتف بسقوط الفساد والاستبداد، لهم مني أبهى الزنازين وأبردها. أيوب بوضاض، المهندس الطالب، أحد معتقلي مسيرة 6 أبريل للنقابات إياها، هو أيضا شاب غير نافع، بماذا سينفع هذا الوطن هو وأقرانه من مهندسي المستقبل، إذا كانوا يخلطون الهندسة بجرعات زائدة من حب الوطن، أو إذا كانت لهم قناعات ومبادئ واختيارات، النافعون هم الطلبة الذين لا يفكرون سوى في قنص أجر محترم، يمكنهم من الاقتراض للزواج والاقتراض لشراء منزل والاقتراض لشراء سيارة والاقتراض لدفع القروض المتراكمة مرة واحدة، الضاربون السماء بركلة، الذين لا يصرخون باسم الوطن إلا عندما يتعلق الأمر بكرة القدم، هؤلاء وهؤلاء فقط، هم النافعون. ولأن الدولة وبعد ما يزيد عن نصف قرن من استقلالها، لا زالت ليوطية التفكير، تمنح صفة النافع لمن تشاء وتأخذها ممن تشاء، ربما علينا نحن، معشر غير النافعين، أن نعود إلى أشكال المقاومة التي ابتدعها المغاربة أيام الاستعمار، ربما على "الكرامة" أن تظهر لنا في القمر.