الحلقة 29 رؤيتها لظروف حياة جديدة باذخة خرجت عليها انتهت البوجادية من التحضيرات للحفلة في الصالون فأرسلت السيدة الشيفور ليعود بها للفيلا فتحت لها أبواب خزانة ملابسها و التي حلت البوجادية فيها فمها و هي ترى كل هذا الكم الهائل من الملابس التي لا تدري صاحبتها ماذا تفعل بها فقد كانت مجموعة مثل الزمن في الدواليب اذ كانت تقتنيها بشراهة من كل عواصم العالم مع معرفة مسبقة أنها ربما لن تلبسها يوما. داخت البوجادية و هي تختار، احتارت ماذا تلبس، أتختار فستان عادي بسيط أم تختار آخر جرئ و معري. كانت ترغب في فستان أنيق و خجول يستر العيوب و يتماشى مع قوامها العيان، لكنها لم تعثر على فستان في هذه القيسارية بهذه المواصفات. فغالبيتها كانت مضيقة و معيقة و هي تستحي. تدخلت السيدة لتبدد حشمتها و أقنعتها لتلبس مثل هذه الأزياء الفاضحة و تضع رافعات و نافخات الصدر و غامرت أيضا بانتعال حذاء ذي كعب عالي ففي النهاية آش فيها إلى تعرات هاد اليلة؟ حان وقت السهرة و بدأت الحديقة تعج بالمدعويين و الذين ثم استقبالهم في بيست دائرية الشكل قرب حوض السباحة، كانت هاته الأخيرة مفتوحة من جميع الأطراف، تتسع مساحتها لأية حفلة و لعدد كبير من الناس و لها سقف مرفوع و كانت أرضيتها كلها من الخشب الثمين الملمع، بها عدد كبير من الكراسي و الموائد و في أحد جوانبها كان هناك منظار مكبر منصوب في طرفها من جهة البحر اذ كان المدعوون يستعملونه للفرجة و التسلية فمنظر البحر عبره كان أخادا و رائعا. ابتدأت السهرة الراقصة الكل مبتهج و فرح، ضحكات تتعالى هنا و هناك، كانت البوجادية ضائعة في هاته الأجواء و في كل مرة كانت تقترب فيها من حلقة نساء تستمتع لأحاديثهن و هي لا تفهم منها شيئا. هوس الأناقة و الرشاقة و العياقة لزوم الظهور في مثل هاته الليالي الملاح و انشغال صديقتها عنها بتقديم الترحيب و واجب البروتوكول و الإتيكيت لضيوفها جعل البوجادية تشعر و كأنها تحضر حفلة تعذيب لا تعرف الى متى تمتد ذيولها، فالحذاء العالي بدأ يضبرها و رافعة الصدر تسبب لها ضيق في التنفس و الفستان المجرجر في الأرض يعكلها. انزوت في مكان وحيدة و أخدت تتفرج على حياة الأثرياء و حياة التباهي و الفرشخة و استعراض الإمكانيات المادية والتصرف على السجية فقد كانت تستحي و تخفض عينيها و هي ترى أحدهم دخل ببدلة شيك لكنه و بعد لحظات من مقارعة كؤوس الخمر و الشراب بدأ يرقص و يغني ثملا و يكملها و يجملها عندما ينصل كل ملابسه و كيتلاح في المسبح وسط تصفيف و تصفير المدعوين. لم يكن خيالها الساذج الذي لا يعرف إلا بيتهم و بيئتهم يتصور أن هناك أناس بهذا الشكل يعيشون بهذه الصورة، بينما يشقون هم من أجل رغيف العيش. فكل هؤلاء يظنون أن كل فرد من الناس يسكن فيلا أنيقة مثل فيلتهم، و يطلون على شوارع نظيفة و هادئة مثل أحيائهم و يجدون في الصباح إفطارا شهيا و في الظهر غذاءا لذيذا و في المساء يحيون سهرات يخسرون عليها الملايين و يرقصون فيها و يمرحون و يحسون خلالها أنهم آلهة الكون. لاحظت البوجادية أن أحد المدعويين يصوب نحوها نظراته الطويلة، فسألت نفسها: يا حليلي واش هاذ النظرات موجهة لي؟ أنستها هذه النظرات المتبادلة الوحشة التي أحست بها وسط هذا القوم و أنعشت من جديد حماسها المعروف لنسج الأحلام. في اليوم التالي استيقظت البوجادية من نومها و أخبرتها السيدة أنهن سيعدن، لم تكن تشعر برغبة في العودة، فقد أرادت أن تبقى حتى تلتقي بصاحب النظرات الموجهة اليها، لكنها خجلت من أن تطلب ذلك من السيدة فاستسلمت لطلبها و عادت. أصبحت اذن تبتعد عن أسرتها و استغرقت في عالم هاته السيدة و ولى عاجبها الحال مزيان معاها لكنها حين عادت للبيت رآها أخوها و هي تدخل من الباب، جسدها المزير في سروال تدجين طاي باز و هاتفها على أذنها منظر لم يعجبه فجمعها معاها بواحد الصلية معها سائلا اياها فين كنت؟ فأخوها و رغم علمه أنها كانت مع صديقتها الثرية سألها ناهرا إياها و ذلك تعبيرا عن سخطه من هاد التصاحيبة لأنه لم يكن يحبذ كثرة خروجها و دخولها ومبيتها عندها فهذا سيفسدها و سيجعلها تحتقر الواقع الحقيقي الذي تعيش فيه و تنظر اليه بعدوانية، فتعرفها على ظروف جديدة باذخة غيخرج عليها و هو فعلا ما حدث مع البوجادية لأنها طيلة الطريق الموصلة لبيتهم لم تكن تتعجل بالوصول اليه بل لم تكن تشعر برغبة في العودة اليه و لا تريد أن تدخل غرفه المظلمة، فالفرق كبير بين ما عاشته هاد اليومين في حجرات وصالونات فيلا السيدة وما ينتظرها في بيتهم. للتواصل مع الكاتبة : [email protected]