14 سفينة محملة بعشرات الجنود المسلحين .. العديد من طائرات الهيليكوبتر.. صواريخ صوتية وغازات سامة.. رصاص حي هنا وهناك.. تقتيل وذبح وتجريح وعنف وتخويف... لا بد وأن من يسمع هذه العبارات سيحسب بل سيوقن بأن الأمر يتعلق بحرب ضروس، بين جيش مدجج يريد مهاجمة جيش مثله من العيار الثقيل، لكن المفاجأة هي أن يعلم القارئ، أن الطرف الآخر هو مجموعة من المواطنين العزل من جنسيات مختلفة، يحملون الرايات البيضاء، أتوا فقط لإيصال مجموعة من المساعدات لشعب غزة المحاصر، ليفكوا عنه شيئا من الخناق الذي يقتل العشرات بل المئات من الأبرياء. نعم، تلك هي المفاجأة التي لم يكن يتوقعها أحد، وتلك هي القصة الدرامية التي عاشها الجميع هذا الإثنين، حينما رأوا عملية الكماندوز التي قادتها الجيوش الصهيونية في حق المواطنين العزل بأسطول الحرية والتي راح ضحيتها 19 من الأشراف الأتراك، مع العشرات من الجرحى!! لعل جميع من رأى هذه المجزرة تساءل: كيف تجرأت "إسرائيل" على ذلك؟ ألم تحسب خطواتها جيدا؟ ألا تعلم عواقب فعلها هذا؟ ألم يكن كافيا إيقاف السفن بطريقة سلمية وانتهى الأمر؟ لماذا هذه المجزرة؟ إذا نظرنا إلى الأثر الذي حققه أسطول الحرية خلال هذه الأيام وحققته أيضا مبادرات أخرى سابقة، فإن الملاحظ سيرى أنها استطاعت الوصول إلى أمور لم يستطع الحكام الوصول إليها!! لقد استطاعت إيصال معاناة أهل غزة للعالم، وإظهار الصورة الحقيقية للكيان الصهيوني أمام الجميع، وإبراز همجيته وظلمه في حق مواطنين أبرياء!! لقد برهنت هذه الأساطيل أن الشعوب إذا تحركت فإنها تستطيع فعل الكثير والكثير، وأنه لا مجال لليأس مهما بلغت غطرسة العدو، ولهذا كان الرد قاسيا بغية ردع كل من يحاول السير على نفس الطريق، فلم تسعى "إسرائيل" إلى منع السفن وحسب، وإنما أرادت بمجزرتها تخويف الجميع وإرهابهم لكي لا تتكرر أية مبادرة كهاته، وأرادت أن تقول للجميع أن مصير كل من يأخذ مبادرة جديدة في المستقبل، فإن مصيره سيكون كسابقيه!! تلك هي الرسالة التي وصلت، لكن انقلب السحر على الساحر، وبدل أن يحقق القراصنة الصهاينة مرادهم، تحقق العكس ولم ينالوا من عزم ونية أي شريف في هذه الأرض، بل أصبح الجميع يسعى بكل أمانيه أن يكون في الصف الأول في أية مبادرة مقبلة. والأمر ليس لهذا الحد فقط، فقد استطاع أسطول الحرية أن يحقق جزءا من الحرية لشعب غزة المحاصر بفتح معبر رفح بعد هذه الأحداث، وأيضا كسب تأييد الرأي العالمي والدولي، وسحب الكويت لتأييدها للمبادرة العربية للمفاوضات مع الصهاينة، وقطع تركيا لجزء كبير من علاقاتها مع الكيان الصهيوني، وبإذن الله نتوقع المزيد من النتائج الإيجابية في المستقبل. نقول في الختام "لإسرائيل": ترقبي عما قريب إن شاء الله أساطيل حرية جديدة. ونقول لكل الشعوب خاصة العربية والمسلمة: الأمل موجود، فلنستمر في البذل والعطاء، وبخاصة في هذه الأيام التي سيحاول الصهاينة القيام بحملة إعلامية ضخمة لستر فضائحهم، فالهمة يا شباب!!