يكتسي وجود منظومة إعلامية قائمة على أساس مبدأيْ التعددية والتنوع أهمية خاصة. كما أن وجود نظام إعلامي تعددي ومتنوع هو من صلب وجود أدوات ومؤسسات التنشئة الاجتماعية داخل كل مجتمع، بحكم أن وسائل الاعلام التعددية تساهم بشكل أساسي في خلق الوعي والبناء الديمقراطي والتنمية المستدامة. وهنا تجدر الإشارة بداية إلى أهمية ودور هذا الموضوع بالنظر لما يطرحه من مفاهيم وإشكالات ونقاشات هي من الأهمية بما كان على صعيد عدة تجارب في دول وبلدان عديدة. ويمكن التأكيد على أن الإعلام السمعي البصري يعتبر من أهم وسائل الإعلام التي تؤكد مجموعة من المرجعيات الدولية والتجارب المقارنة على مدى ضرورة إعمالها واعتمادها على مبدأيْ التعددية والتنوع. فكيف تتبلور،إذن، أسئلة التعددية والتنوع في المشهد الاعلامي؟ وما هي المرجعيات التي تٌؤَسِّسُ لمنظومة التعددية والتنوع في وسائل الاعلام؟ وما هي المبادئ والأسس التي تؤطر رهان ضمان التعددية والتنوع؟ وكيف يساهم اعتماد هذين المؤشرين في ضمان حريات التعبير والرأي ودمقرطة الإعلام؟ وما هي عناصر ضبط وتأطير تدبير التعددية والتنوع قصد تطويرها وتنميتها؟ وكيف يتجلى ذلك من خلال المشهد الاعلامي المغربي؟ 1/ وسائل الاعلام: أسئلة التعددية والتنوع تعد أسئلة التعددية والتنوع على مستوى وسائل الإعلام، لاسيما الإعلام السمعي- البصري، من أهم الاسئلة التي تطرح كرهان على صعيد ضبط وتقنين وتطوير المنظومات الإعلامية في مختلف بلدان العالم، خاصة ما يسمى بدول العالم النامي أو الدول النامية والسائرة في طريق النمو. ومن نماذج هذه الأسئلة، ما يتعلق بتدبير التعددية والتنوع في وسائل الإعلام، وكذا أسئلة أهمية حضور هذين العاملين على مستوى مؤشرات تنمية وسائل الإعلام. إضافة إلى أسئلة أخرى يمكن أن نتطرق لها في سياق إبراز مختلف جوانب هذا الموضوع من قضايا وأسئلة وعلاقات محددة. وفضلا عن أهمية التعددية والتنوع ضمن إطار المقاربات المتوازنة المعتمدة في شتى المجالات الفكرية والسياسية والثقافية، يمكن القول، وانطلاقا من عدة تحديدات ومنطلقات، أن إقرار التعددية والتنوع ضمن وسائل الاعلام، بما فيها أساسا ما يسمى بوسائل "البث الاذاعي والتلفزي" أو الاعلام السمعي البصري، يمكن القول أن هذا الإقرار هو مدخل قوي لضمان حرية التعبير والرأي وحرية الإعلام. كما أن ذلك يساهم في خلق أدوات تفعيل المشاركة السياسية. إضافة إلى كون إقرار التعددية هو إقرار وإبراز لمبدأ المواطنة وتكريس ل "إعلام مواطن". من جانب أخر، فأهمية حضور التعددية والتنوع على مستوى وسائل الاعلام والاتصال، تتجلى في كون أن تجارب تحرير الاعلام في كثير من التجارب الدولية تأسست على أساس اعتماد قوانين ومنظورات مُؤَطَّرة ومحكومة بالتعددية والتنوع كقاعدة متينة وكركن يؤهل وسائل الاعلام للانخراط في تطور المجتمع ومواكبة تحولاته وبناء الديمقراطية وحقوق الانسان، بالنظر لدور الاعلام في مسارات الانفتاح وتكريس الحريات والحقوق وتطوير الخدمات العمومية بمنظور تعددي ومتوازن وبتعبيرات متنوعة. وانطلاقا من المقاربات السابقة، يمكن اعتبار التعددية الاعلامية هي جزء من مشروع أكبر هو مشروع التعددية الشاملة بما فيها التعددية السياسية والثقافية والفكرية، ذلك أن وسائل الاعلام التعددية تساهم في خلق شروط التطور والتنمية، خاصة الإعلام العمومي، الذي يجب أن يعكس مختلف الحساسيات والأراء السياسية والاجتماعية، وهو ما يستدعي مزيد من تقوية التعددية والتنوع في وسائل الاعلام السمعية البصرية. أما التعددية السياسية، بمختلف مكوناتها وروافدها ومرجعياتها، فهي تساهم، هي الأخرى، في البناء الديمقراطي عبر وجود قواعد محددة تنظم حق اختلاف الرأي السياسي وفق أسس تدبير التنوع والتعدد، على غرار التنوع الثقافي واللسني والاجتماعي... واذا كانت مجموعة من المواثيق والمرجعيات الدولية تقرن إقرار التعددية والتنوع في وسائل الاعلام- الاتصال السمعي البصري بضمان حرية التعبير، فإنها تقرنها من جهة أخرى بالحق في الولوج إلى وسائل الاعلام، وكذا بحق الحصول على المعلومة وحق إبداء الرأي عبر وسائل الاعلام. إضافة الى ضمان حقوق المجموعات البشرية واللسنية والاجتماعية في وسائل الاعلام. طبعا وفق قواعد وضوابط تؤطر هذه العملية، ذلك أن ضبط المشهد الاعلامي السمعي البصري يتطلب وجود مداخل قانونية ومؤسساتية تناط إليها مهام إقرار قواعد وقوانين تؤسس لمرجعية التعددية والتنوع وتدبيره ومراقبته تبعا لضوابط التقنين والضبط... 2/ وسائل الإعلام: مرجعيات التعددية والتنوع إذا كانت التعددية والتنوع من الضوابط التي لها أهمية خاصة على مستوى وسائل الإعلام بما يمكنها من تطوير وتوازن وحرية التعبير، فإن هذه التعددية تؤكدها مجموعة من المرجعيات الوطنية والدولية والتي تضعها ضمن نطاق المؤشرات التي تساهم في تنمية وسائل الإعلام. في هذا الإطار، فقد سبق للمجلس الدولي الحكومي للبرنامج العالمي لتنمية الاتصال أن وضع، منذ دورته 25 المنعقدة سنة 2006، مجموعة متكاملة من عناصر ومؤشرات تطوير وتنمية وسائل الإعلام. هذه المؤاشرات جاءت نتاج مشاورات وعمل قام بها المجلس الدولي الحكومي، وبناء على عدة برامج لدول مختلفة. وفي سنة 2008، اعترفت بها عدة جهات ومنظمات فاعلة في مجال تنمية وسائل الاتصال، كما هو الشأن بالنسبة لبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي ومنظمة اليونيسكو والبنك العالمي ومنظمات أخرى. وإذا كانت هذه المؤشرات الموضوعة تؤسس لتحقيق التنمية والحكامة والديمقراطية الاعلامية، فإنها – المؤشرات- والتي تم تحديدها في 5 مؤشرات أساسية، تجمع كلها على ضرورة اعتماد وتبني المقاربة التعددية والتنوع، ذلك أنه نجد التنصيص في كل بند من هذه البنود والتوصيات على أهمية سن "منظومة قواعد تفضي إلى حرية التعبير والتعددية والتنوع في وسائل الاعلام". إضافة إلى ما جاء في البند الثاني/ المؤشر الثاني من التأكيد على اعتماد "التعددية والتنوع في وسائل الاعلام كأساس للخطاب الديمقراطي". أما المؤشر الرابع فيؤكد على أهمية "بناء القدرات المهنية ودعم المؤسسات التي تعتمد والتعددية والتنوع"... وتأكيدا على أهمية التعددية والتنوع، فقد سبق أن أكدت الخلاصات والتوصيات الصادرة عن اليوم الدراسي المنعقد حول مستقبل الاعلام السمعي البصري في المغرب على محورية "تعزيز دور وسائل الاعلام السمعية البصرية في تطوير الحوار السياسي والتعددية والتنوع". علاوة على التأكيد بأن "التعددية ضرورية للعملية الديمقراطية، والتنوع يعني أن تكون وسائل الاعلام متنوعة الاتجاهات السياسية والفكرية". أما من جانب المرجعيات الوطنية التي تعزز أهمية إقرار التعددية والتنوع، فنجد أن دستور 2011 نص في العديد من فصوله على الموقع والمكانة التي تحتلها هذه التعددية، حيث نجد أن الفصل 28 من الدستور ينص على "تحديد القانون لقواعد تنظيم وسائل الاعلام العمومية، مع ضمان الاستفادة من هذه الوسائل مع احترام التعددية اللغوية والثقافية والسياسية للمجتمع المغربي". كما أننا نجد هناك تأكيد من الوثيقة الدستورية على ضرورة احترام وتدبير هذه التعددية، وهو ما يندرج ضمن إطار الصلاحيات والمهام الموكولة للمؤسسات التي تسهر على تتبع ومراقبة تطبيق أحكام هذه القواعد والقوانين، كما هو الشأن بالنسبة للهيأة العليا للاتصال السمعي البصري/ الهاكا بالمغرب. وإذا كان إرساء نظام التعددية الاعلامية من مؤاشرات تطور الديمقراطية والتنمية على صعيد وسائل الاعلام، فالتعبير التعددي عن تيارات الفكر والرأي السياسي والتنوع الثقافي والاجتماعي، هو بجانب ذلك أداة لتحقيق المساواة والتوازن، وهو الأمر الذي تؤكده برامج اليونيسكو والمجلس الدولي الحكومي. في هذا الإطار تتعزز المرجعيات والمواثيق الدولية التي تبرز أهمية التعددية والتنوع في علاقتها مع حريات التعبير والاعلام وحقوق الانسان، كما هو الشأن بالنسبة للمادة 19 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان. إضافة إلى إعلان اليونيسكو بشأن التنوع الثقافي الذي ينص في المادة 6 على "الحرص على تمكين كل الثقافات من التعبير عن نفسها والتعريف بنفسها، ذلك أن حرية التعبير، وتعددية وسائل الاعلام، والتعددية اللغوية، والمساواة في فرض الوصول الى أشكال التعبير...، وإتاحة الفرصة لجميع الثقافات في أن تكون حاضرة في وسائل التعبير والنشر، هي كلها ضمانات التنوع الثقافي". 3/ خلاصات: انطلاقا من المعطيات الأولية السابقة تتجلى لنا أهمية العلاقة الوطيدة بين تنمية وسائل الإعلام وتطويرها وبين إقرار التعددية والتنوع. أما عن علاقة التعددية بالتنوع فهناك ارتباط وثيق بينهما من خلال كون التعددية الإعلامية هي التي تتيح شروط التنوع. فكلما تعددت وسائل الاعلام إلا وطان هناك تنوع أكثر على مستوى البرامج والمعلومات الموجهة لمجموعات مختلفة: أقليات ثقافية ولسنية، شرائح اجتماعية من ذوي الحاجات الخاصة، مجموعات بشرية أخرى... ولأن هذه الفئات لها حاجيات ومتطلبات خاصة، فينبغي ضمان التعددية والتنوع كضامن لحقوق وحاجيات هذه المجموعات، مع ضرورة وجود قواعد خاصة قصد تأطير وتدبير هذا التنوع على صعيد وسائل الاعلام.