على خلاف الدساتير الأربع السابقة للمملكة (دساتير 1962، 1970، 1972، 1992، 1996)، توج دستور 29 يوليو 2011 مسارا إصلاحيا متميزا دشن بتولي الملك محمد السادس عرش المغرب، مسارا متعدد الحلقات، واضعا كغاية له إنجاح "النموذج المغربي" المبني على الخصوصية والأصالة وفي نفس الآن معانقة القيم الكونية والإنسانية. فبعد تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة في العدالة الانتقالية، والاعتراف بالأمازيغية كمكون أساسي للهوية الوطنية، والإصلاح العميق لوضعية المرأة من خلال مدونة الأسرة، والتقييم الجريء للسياسات العمومية الوطنية، واقتراح الحكم الذاتي كحل واقعي وذي مصداقية لإنهاء النزاع حول الصحراء...أتى الدستور الجديد لكي يمأسس هذا النفس الإصلاحي في سياق تحولات دولية وإقليمية عاصفة، سماتها الأزمة الاقتصادية التي أنهنت عهد الرخاء المالي، وتداعيات "الربيع العربي" الذي لازالت منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا تعيش على وقع تداعياته. هذا الإصلاح الدستوري، تم أيضا بمنهجية مؤطرة بعنوان "المشاركة الواسعة"، فبعد الخطاب الملكي ل تسع (9) مارس 2011، المحدد للخطوط الكبرى للتعديل الدستوري، تم تشكيل لجنة تقنية من الخبرات والكفاءات الوطنية، وهي اللجنة التي تكلفت بتلقي المذكرات والمطالب الدستورية لمختلف الفاعلين حزبيين، مدنيين، نقابيين... في فضاء عمومي هيمن عليه النقاش حول التعديل الدستوري، مضمونه، خياراته، وآفاقه...وإلى جانب هذه اللجنة تم تشكيل لجنة سياسية للمتابعة مثلت فيها جميع الحساسيات الحزبية وكانت الغاية منها خلق فضاء سياسي مواز لعمل اللجنة التقنية موكول له الحسم في الخلافات وتقريب الأطروحات المتباينة. لقد كان عامل الزمن، عنصرا لفرادة التجربة المغربية، إذ أن مسلسل التعديل الدستوري العميق بالشكل التشاوري الذي تم به، لم يستغرق سوى خمسة أشهر، منحت للمغرب وثيقة دستورية متميزة أشاد الجميع وطنيا ودوليا بالآمال الكبيرة التي تحملها وبالبرنامج الإصلاحي الذي تتضمنه. إن تجربتنا استثنائية بحكم السياق الذي ولدت فيه، واستثنائية بالنظر للأجوبة التي قدمتها، واستثنائية لأنها اتسمت بالسلاسة والتوافقية، ومرد ذلك أن قطار الإصلاح قد انطلق في المغرب منذ مدة طويلة، وأيضا لوجود ثقافة سياسية مشجعة على المشاركة، وكذا لنضج الطبقة السياسية، والحس التوقعي الاستشرافي الذي يتميز به عمل المؤسسة الملكية على الدوام. وسنحاول في هذه الورقة، تقديم أهم خصائص النظام الدستوري المغربي، وفق أحكام ومقتضيات الدستور الجديد. I- الدستور المغربي: وثيقة الحقوق والحريات توج الدستور المغربي التطورات التي لحقت بملف حقوق الإنسان منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس عرش المغرب، والتي من بينها العمل الكبير الذي قامت به هيئة الإنصاف والمصالحة في موضوع "العدالة الانتقالية" وجرأة توصياتها التي وضعت كغاية لها تجنب ما حدث في الماضي، إضافة إلى الرقي بمؤسسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى مصاف الهيئات الوطنية وفق "إعلان باريس". لذا، أتى الدستور ليعلن في تصديره على أن "المملكة المغربية....العضو العامل النشيط في المنظمات الدولية، تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا.... وتِؤكد وتلتزم ب... حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء ...". هذا الالتزام الدولي، المؤكد بسمو المعاهدات والاتفاقيات الدولية "كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة"، سيتمم بلائحة من الحقوق والحريات المكرسة دستوريا، والتي أفرد لها المشرع الدستوري بابا خاصا بها تحت عنوان "الحريات والحقوق الأساسية" والتي تتضمن المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، والسعي نحو تحقيق المناصفة بين الرجل والمرأة (الفصل 19)، والحق في الحياة (الفصل 20) والسلامة الشخصية (الفصل 21)، وتجريم التعذيب والمعاملة اللاانسانية أو المهينة أو المحطة من الكرامة الإنسانية (الفصل 22)، وكذا الاعتقال التعسفي أو السري أو الاختفاء القسري، والتشديد على قرينة البراءة، وحظر كل تحريض على العنصرية أو الكراهية أو العنف (الفصل 23). وإلى جانب هذه الحقوق نص الدستور على حرية الفكر والرأي والإبداع والنشر والبحث العلمي والتقني (الفصل 25)، وحق المواطنات والمواطنين في الحصول على المعلومات (الفصل 27)، وحرية الصحافة (الفصل 28)، والاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي(الفصل 29)، والحق في التصويت وفي الترشح للانتخابات (الفصل 30). هذه الحقوق الدستورية ليست إعلانات نوايا، بحكم أن الدستور يضع على عاتق الدولة واجب تيسير استفادة المواطنين على قدم المساواة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، كالحق في العلاج والعناية الصحية، والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والحصول على تعليم عصري، وعلى السكن اللائق، وولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق، وكذا العيش في بيئة سليمة ... (الفصل 31)، ويوجب على السلطات العمومية اتخاذ التدابير لتوسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية (الفصل 33)، وتفعيل سياسات موجهة للأشخاص والفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة (الفصل 34). ولم يقتصر الدستور المغربي على حماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية، بل نص أيضا على العديد من الحقوق الثقافية واللغوية، إذ أصبح المغرب يتوفر على لغتين رسميتين هما العربية والأمازيغية (الفصل 5)، وأوكل الدستور للدولة "صيانة الحسانية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية الموحدة، وحماية اللهجات والتعبيرات الثقافية المستعملة في المغرب، والسهر على انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية". إضافة إلى ذلك يتضمن الدستور المغربي حقوقا خاصة بالتقاضي من بينها، ضمان حق التقاضي (الفصل 118)، والحق في الدفاع وفي محاكمة عادلة (الفصل 120)، ومجانية التقاضي لمن لا يتوفر على موارد كافية للتقاضي (الفصل 121). ولضمان ممارسة هذه الحقوق نص الدستور المغربي على العديد من الآليات المؤسساتية، نذكر من بينها: - إنشاء مؤسسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والتي تتولى "النظر في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها، وبضمان ممارستها الكاملة، والنهوض بها وبصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين، أفرادا وجماعات، وذلك في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال"(الفصل 161). - خلق مؤسسة الوسيط، والتي تكمن مهمتها في "الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة والمرتفقين، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف، وقيم التخليق والشفافية في تدبير الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة العامة"(الفصل 162). - حظر كل تعديل دستوري يطال المكتسبات في مجال الحريات والحقوق الأساسية، وهو ما شدد عليه الفصل 175 من الدستور "لا يمكن أن تتناول المراجعة ... الاختيار الديمقراطي للأمة، والمكتسبات في مجال الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور". - تمكين المواطن بالدفع بعدم دستورية قانون أمام المحكمة الدستورية، يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور، تطبيقا للفصل 133 من الدستور "تختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون، الذي سيطبق في النزاع، يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور...". II- هندسة دستورية تحقق فصل السلط وتوازنها يقوم النظام الدستوري المغربي على أساس مبدأ فصل السلط وتوازنها وتعاونها (الفصل الأول)، وعلى مبادئ تكرس اقتران المسؤولية بالمحاسبة وتشدد على التخليق والحكامة، فالدستور المغربي قد أحدث تغييرات جذرية على مستوى هندسة السلط من خلال تأكيد الدور التحكيمي للمؤسسة الملكية، وتقوية الشرعية الانتخابية لمؤسسة الحكومة وتخويل رئيسها صلاحيات واسعة، مع توسيع مجال فعل مؤسسة البرلمان سواء في المجال التشريعي أو الرقابي. أ- المؤسسة الملكية تمارس المؤسسة الملكية صلاحياتها الدستورية بناء على صفتين هما: أمير المؤمنين أو رئيس الدولة، فالصفة الأولى تضفي على المؤسسة الملكية "رمزية دينية" تخوله الإشراف على الحقل الديني عبر "حماية حمى الملة والدين، وضمان حرية ممارسة الشؤون الدينية"، من خلال "الظهائر" (الفصل 41)، في حين أن صفته كرئيس للدولة، فتخول له ممارسة وظائف حديثة، فالملك هو "رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها" (الفصل 42)، وبهذه الصفة فإن الملك يمارس الصلاحيات الدستورية التالية: - التحكيم بين المؤسسات الدستورية، وصيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة (الفصل 42)؛ - تعيين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها، وكذا تعيين أعضاء الحكومة بناء على اقتراح من رئيسها (الفصل 47)؛ - رئاسة المجلس الوزاري (الفصل 48)؛ - إصدار الأمر بتنفيذ القانون خلال الثلاثين يوما التالية لإحالته إلى الحكومة بعد تمام الموافقة عليه (الفصل 50)؛ - حق حل أحد المجلسين أو كلاهما (الفصل 51)؛ - التعيين في الوظائف العسكرية (الفصل 53)؛ - رئاسة المجلس الأعلى للأمن (الفصل 54)؛ - اعتماد السفراء لدى الدول الأجنبية والمنظمات الدولية، ولديه يعتمد السفراء وممثلو المنظمات الدولية (الفصل 55)؛ - رئاسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية (الفصل 54)؛ - إعلان حالة الاستثناء بشروط (الفصل 59)؛ ب- حكومة بشرعية انتخابية قوية يتم تعيين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، في حين يتم تعيين باقي أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها (الفصل 47)، وتعرف الحكومة من خلال رئيسها الذي لا يمكن إقالته، وحين يقدم استقالته، فإن ذلك يقود إلى إعفاء الحكومة بكاملها. فاستحضار الشرعية الانتخابية لرئيس الحكومة، هي التي تبرر طبيعة الصلاحيات الدستورية التي يتوفر عليها، إذ بإمكانه أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة (الفصل 47)، والدعوة إلى عقد مجلس وزاري ورئاسته بناء على تفويض ملكي وبجدول أعمال محدد (الفصل 48)، كما يقترح التعيينات في مناصب المسؤولية التي يتم التداول فيها بالمجلس الوزاري (الفصل 49)، وله إمكانية تقديم مشاريع القوانين إلى البرلمان (الفصل 78)، وممارسة السلطة التنظيمية (الفصل 90)، والتعيين في الوظائف المدنية في الإدارات العمومية وفي الوظائف السامية في المؤسسات والمقاولات العمومية (الفصل 91)، ورئاسة مجلس الحكومة (الفصل 92)، إلى جانب امتلاكه حق حل مجلس النواب وفق شروط معينة تضمنها الفصل 104 من الدستور. وإلى جانب رئيس الحكومة، فإن الحكومة تتألف من وزراء (وزير الدولة، وزير، وزير منتدب)، ويمكن أن تضم أيضا كتابا للدولة، وهم يباشرون مهامهم تحت سلطة رئيس الحكومة (الفصل 89)، ويعملون على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القانون (الفصل 89). ج- برلمان يمارس التمثيل ويراقب ويقيم عمل الحكومة أخذ المشرع الدستوري بنظام "الثنائية المجلسية غير المتكافئ"، إذ يتكون البرلمان المغربي من مجلسين، هما مجلس النواب ومجلس المستشارين، الأول منتخب لمدة خمس سنوات بواسطة الاقتراع العام المباشر (الفصل 62)، والثاني منتخب لمدة ست سنوات بواسطة الاقتراع العام الغير المباشر، ويتكون ثلاثة أخماسه من ممثلي الجماعات الترابية، وخمساه الباقيان يتم انتخابهم جهويا من قبل هيئة ناخبة تتألف من المنتخبين من الغرف المهنية ومن المنظمات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية، ووطنيا هيئة ناخبة مكونة من ممثلي المأجورين (الفصل 63). وقد عرف الدستور المغربي في فصله 70 مهام البرلمان في التصويت على القوانين ومراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية، والملاحظ أن الدستور المغربي الجديد قد قوى من صلاحيات البرلمان والتي يمكن أن نذكر منها ما يلي: - 1تنصيب الحكومة: وهو ما يشكل ملمح برلمانية النظام السياسي المغربي، إذ بعد تعيين الملك للحكومة (الفصل 47)، تتقدم إلى مجلس النواب لكي تنال ثقته حتى تستكمل ميلادها المؤسساتي. ويتم ذلك، عبر تقديم رئيس الحكومة للبرنامج الذي يعتزم تطبيقه، أمام مجلسي البرلمان المجتمعين في هيئة مؤتمر، ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به في مختلف مجالات النشاط الوطني وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية. هذا البرنامج، تتم مناقشته أمام كلا المجلسين (مجلس النواب ومجلس المستشارين)، ويتم التصويت عليه فقط أمام مجلس النواب، ولكي تكون الحكومة منصبة برلمانيا يجب أن تصوت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منه لصالح البرنامج الحكومي. 2- احتكار عملية التشريع: حيث أن البرلمان المغربي، هو الوحيد المخول له ممارسة السلطة التشريعية (الفصل 70)، في مجال واسع من الموضوعات قياسا بالدساتير السابقة (الفصل 71). 3- آليات عديدة لمراقبة عمل الحكومة وتقييمه: نص الدستور المغربي على مجموعة من الآليات الرقابية ، كآلية الأسئلة، حيث تساءل الحكومة بشكل أسبوعي من قبل أعضاء مجلسي البرلمان، إضافة إلى جلسة شهرية لأسئلة متعلقة بالسياسات العامة يجيب عنها رئيس الحكومة (الفصل 100)، كما يمكن للبرلمان تشكيل لجن تقصي الحقائق في وقائع ليست موضوع متابعات قضائية (الفصل 67)، ويخصص البرلمان جلسة سنوية لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها، إضافة إلى ذلك، فإن رئيس الحكومة مدعو لعرض الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة إما بمبادرة منه أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين (الفصل 101)،كما خول الدستور للجان الدائمة في كلا مجلسي البرلمان طلب الاستماع إلى مسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية بحضور الوزراء المعنيين وتحت مسؤوليتهم (الفصل 102). ويحق لمجلس النواب تقديم ملتمس للرقابة ضد الحكومة، شريطة أن يوقعه خمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، وفي حالة الموافق عليه بتصويت الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب، فإن ذلك يؤدي إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية (الفصل 105). وإذا كان مجلس المستشارين بالنظر لطريقة انتخابه، وعدم انبثاق الحكومة من أغلبيته، لا يتوفر على إمكانية إسقاط الحكومة، فإن الدستور قد خول له آلية خاصة، تكمن في مساءلة الحكومة عن طريق ملتمس يجيب عنه رئيس الحكومة داخل أجل ستة أيام في حالة ما إذا تم التصويت عليه بالأغلبية المطلقة لأعضاء هذا المجلس (الفصل 106). 4- مؤسسات موضوعة لتقديم الخبرة للبرلمان: عمل الدستور على توفير "خبرة مؤسساتية" للبرلمان، في مواجهة تعقد صناعة القانون وضرورة التوفر على معلومة حائزة على الصدقية، لهذا، فبإمكان البرلمان أن يطلب من المجلس الأعلى للسلطة القضائية آراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بالعدالة (الفصل 113)، كما أن المجلس الأعلى للحسابات يقدم مساعدته للبرلمان في المجالات المتعلقة بمراقبة المالية العامة، ويجيب عن الأسئلة والاستشارات المرتبطة بوظائف البرلمان في التشريع والمراقبة والتقييم المتعلقة بالمالية العامة (الفصل 148)، وبخصوص القضايا التي لها طابع اقتصادي واجتماعي وبيئي، فإنه يمكن لمجلسي النواب والمستشارين أن يستشيروا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (الفصل 152). كما أن البرلمان يستفيد من الآراء التي تبديها مؤسسات عديدة، والتي من بينها: . المجلس الوطني لحقوق الإنسان في موضوع الحقوق والحريات (الفصل 161)؛ . الوسيط بخصوص علاقة الإدارة بالمرتفقين (الفصل 162)؛ . مجلس الجالية المغربية بالخارج، بخصوص توجهات السياسات العمومية التي تمكن المغاربة المقيمين بالخارج من تأمين الحفاظ على علاقات متينة مع هويتهم المغربية، وضمان حقوقهم وصيانة مصالحهم (الفصل 163)؛ . المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وآرائه حول كل السياسات العمومية، والقضايا الوطنية التي تهم التربية والتكوين والبحث العلمي (الفصل 168). III- التكريس الدستوري لاستقلال القضاء شدد الدستور المغربي على استقلال السلطة القضائية التي أفرد لها بابا مستقلا من أبوابه (الباب السابع الذي يتضمن الفصول من 107 إلى 128 )، حيث نص الفصل 107 على أن "السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية" (الفصل 107). وإعمالا لهذه الاستقلالية، أنيط ضمان استقلالية السلطة القضائية إلى الملك (الفصل 107)، وتخويل القضاة ضمانات من بينها: - عدم عزل قضاة الأحكام أو نقلهم إلا بمقتضى القانون (الفصل 47)؛ - منع التدخل في القضايا المعروضة على القضاء، وفي حالة ما إذا اعتبر القاضي ان استقلاله مهدد يحيل الأمر على المجلس الأعلى للسلطة القضائية (الفصل 109)؛ - تخويل القضاة الحق في حرية التعبير، بما يتلاءم مع واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية، والانخراط في الجمعيات وإنشاء جمعيات مهنية مع احترام واجبات التجرد واستقلال القضاء (الفصل 111). وإلى جانب ذلك، فإن أهم مظهر لاستقلالية القضاء واستقلالية القضاة، إشراف المجلس الأعلى للسلطة القضائية المتكون أساسا من قضاة منتخبين ومن مسؤولية أعلى هيئة قضائية وهي محكمة النقض...على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة ولا سيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم (الفصل 113). IV-محكمة دستورية للإشراف على سمو الدستور من بين ملامح التجديد القوية في الدستور المغربي، الانتقال من تجربة المجلس الدستورية إلى نموذج المحكمة الدستورية في مجال مراقبة دستورية القوانين. وتتكون المحكمة الدستورية من 12 عضوا يعينون لمدة تسع سنوات غير قابلة للتجديد، ستة أعضاء منهم يعينهم الملك، والستة الباقون ينتخب نصفهم من قبل مجلس النواب والنصف الثاني من طرف مجلس المستشارين، عن طريق الاقتراع السري وبأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم كل مجلس. وقد اشترط الدستور في الفصل 130 منه، شروطا معينة في أعضاء المحكمة الدستورية الذين يتم اختيارهم "من بين الشخصيات المتوفرة على تكوين عال في مجال القانون، وعلى كفاءة قضائية أو فقهية أو إدارية، والذين مارسوا مهنتهم لمدة تفوق خمس عشرة سنة، والمشهود لهم بالتجرد والنزاهة". وتختص المحكمة الدستورية بالنظر في مدى مطابق الالتزامات الدولية للدستور (الفصل 55)، ومراقبة دستورية القوانين والبت في الطعون الانتخابية (الفصل 132)، وفي الدفع المتعلق بعدم دستورية قانون (الفصل 133)، وتراقب صحة إجراءات مراجعة الدستور (الفصل 175). تلكم كانت مجمل الخطوط العريضة لدستور 2011 الذي أسس لتجربة سياسية جديدة قوامها صك الحقوق والحريات والفصل بين للسلط و تكاملها ودسترة مكونات الهوية الوطنية المغربية بروافدها المتعددة. وشكرا على حسن إصغائكم . والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. *نص محاضرة بالجامعة الوطنيةالاورو أسياوية، أستانا (كازاخستان) يوم الأربعاء 23 ابريل 2014