أعتقد أن المسلمين قادرون اليوم على وضع حد لمهزلتهم التاريخية وأنه قد آن الأوان للخروج من هذه المرحة الانتقالية، حالة البَيْنَبَيْن، إلى عالم الواقعية والرصانة لربما بضحكة أو بقهقهة كونية قد تهتز لها حنجرة وأشداق ورئة السماوات السبع ... ومن الأرض مثلهن. ومن المحتمل كذلك أن تتحول هذه النهاية المسرحية إلى تراجيديا غير مسبوقة قد تذهب ضحيتها ملايين وملايين إضافية من الأبرياء، من أولئك الذين تنزلت عليهم المصائب بمصر والشام والعراق وفلسطين ... ببلدان الفرق والشيع المتطاحنة والعقائد المتحاقدة منذ غابر العصور، ملل وفرق كل منها تعتقد أنها الوحيدة الحاصلة على أوراق اعتماد (معمدة) للتحدث باسم الجبار القهار المهيمن المسيطر المتكبر و باسم المصالح العليا للأمة. لكم أشفق لعدد من الكتاب على صفحات هسبريس كما بمجلاتنا وصحفنا المتهجمين على ما ينعتونه ب “السلفية الجهادية” أو ب “التطرف الديني” وعلى المتدينين من إخواننا المسلمين وأخواتنا المسلمات المنخرطين والمنخرطات في مثل هذه التيارات، دون أن ينتبهوا إلى بديهيات ومنطلقات يعلمها كل من له معرفة، ولو بسيطة، بمبادئ الإسلام وبتاريخ تأسيسه. مَن مِن القراء ومِن الكتاب بلغة الضاد لا يعلم اسم المنبع الفريد الذي يرتوي منه المنادون للجهاد، بالمال والأنفس، ضد من لا يقرون بوحدانية الله وبنبوة خاتم الأنبياء، أو ضد بني جلدتنا الذين أسلموا دون أن يتقيدوا بشريعته ؟ أوَ لا يعلم كل الناس من المؤسس لفتوحاتنا ولحروب الردة ضد أجدادنا ؟ فمتى سنقرر نبذ الوفاق والاتفاق على النفاق ؟ وفي أي لحظة فقدنا يا ترى ضمائرنا ؟ علما أننا على بينة من هذا، لماذا لا نندد بمن أملى علينا لأول ولآخر مرة “كتب عليكم القتال وهو كره لكم” ؟ ولماذا نتهم السلفيين من إخواننا أو الفرق أو الحكام الممولين للجهاد عوض أن نشير بسبابة الاتهام إلى المنبع المشترك لكل عقلياتنا الإسلامية المختلفة المشارب، مشارب كلها منحدرة من نفس المنبع الذي نعرفه حق المعرفة ؟ هاته هي مهزلتنا الطقوسية المتكررة على مدى العصور والتي نقدم خلال عرضها على خشبة مسرحيتنا، سنة بعد سنة، أكباش فداء في سبيل الله، تفاديا للانتقاد مغتصب ضمائرنا الذي كتب علينا القتال، بمعنى الموت أو قتل أو جرح بشر مثلنا، بينما هو على بينة وعلى يقين أننا نكره إيذاء أبنائنا وإخواننا. فمتى سنتخلص إذن من عقلية جدنا إبراهيم وذريته لنقيم محكمة تأسيسية جديدة، افتراضية ومسرحية، للمشرع الأول عوض اختيار أكباش فداء، نوهم أنفسنا أنهم أغبياء، غير عقلاء، نسميهم بأسماء فرق نخترعها بأيدينا كي نخرج إخواننا من حيز بشريتنا المحترمة ولنختلق بذلك ذريعة سفيقة ونحل لأنفسنا نحرهم أو محاربتهم أو مطاردتهم أو تقليص حرياتهم ؟ نعم، كلنا منخرطون، كتابا وقراءً، مفكرين وعامة، حاكمين ومحكومين، في مهزلة دموية ملؤها الرعب والنفاق، مهزلة يعود تاريخ تأسيسها إلى جدنا إبراهيم. فمتى سنتخلص من هذا العهد القديم (Ancien testament)، عهد التعسف المغتصب لضمائرنا ؟ آن الأوان، على ما أعتقد، لاسترجاع ضمائرنا كاملة، سليمة، غير منتقصة، كي نؤسس لاحترام متبادل لكل إخواننا من البشر، سواء أقروا أم لم يقروا برؤى جدنا إبراهيم وخلفه على الضفتين، الغربية والشرقية دون نسيان جنوبهما وشمالهما. نعم، فُطِر الإنسان على احترام بني البشر ولم تكن ضمائرنا لتقبل بنحر أبناءنا، مهما كان مصدر الأوامر أو الرؤى. آن الأوان، على ما أعتقد، لتأسيس حلم ميثولوجي جديد، لعهد جديد (Nouveau testament) ملؤه المحبة والود والأخوة ونبذ الإرهاب والتخويف والبتر والصلب وسفك دماء الأبرياء. بات من اللازم علينا نبذ الوفاق والاتفاق على النفاق لإنهاء المهزلة المأساوية الشرق أوسطية التي ورثناها جميعا عن جدنا إبراهيم. فلنتحمل إذن مسؤولياتنا كاملة كي لا نتمادى في اتهام “المسؤولين” أو”أهل الحل والعقد” أو “الإخوان المسلمين” أو “السلفيين” بما هو ليس من اختراعهم ولا من رؤاهم المؤسسة لحماقاتنا.