منذ صغري وأنا أتذكر فرجة احتفالية سميت ب: إمعشار في مدينتنا تيزنيت بجانب طقوس أخرى نفتقدها اليوم وأود هنا أن أنبه إلى أن "إمعشار" هو الطقس الإحتفالي الذي شهد اهتماما من قبل السلطات المحلية تحت ذريعة الحفاظ على التراث مع العلم أن هناك طقوسا أخرى تمتزج فيها المعاني الإسلامية بالموروث الثقافي الضارب في القدم ولكنها لا تستذكر من أحد ولا تحظى بالعناية من اليد "الحنون" للسلطة، ذلك أن هذه الطقوس تشترك فيها النساء أكثر بتلقائية ووعي إيماني راسخ بتلكم المعاني الإسلامية التي تعكس تشبث التزنيتيين بالإسلام وبخاصة المرأة التي كانت تحظى بمكانة وتكريم عظيمين فيما سبق..لكن الحال يختلف اليوم بوجود نساء يخجلن من المشاركة في مثل تلك الطقوس ولا يخجلن من التشبه بنجمات البورنو في ملبسهن وسلوكهن نتيجة الغسيل الدماغي الذي تكلفت به السلطات عبر وسائط الإعلام الرسمية أو الوسائط المتعددة المسيبة والغير المراقبة من أحد.. إن كرنفال إمعشار منذ وجدته طقوسا احتفالية سنوية إبان عاشوراء كان يعرف مشاركة فئة معينة من الشباب دون غيرهم ، وهم الشباب العاطل والبطالي وبعض المنحرفين منهم والمتعاطين للمخدرات،وهو الأمر الذي لم يشر إليه أصحاب كتاب " تيزنيت،الذاكرة الجماعية" الذين أضفوا مواصفات أسطورية على الإحتفال حتى قيل إنه بعد الإنتهاء من الطقوس تتلى أذكار وأدعية وتقام الصلاة ! وهو محض وهم لم أعرفه على الأقل في صغري إلى اليوم بل ما أعرفه أن الطقوس تنتهي بملاكمات وكلام سافل وتدن خلقي رهيب ! فقبل أن تهتم السلطات بإمعشار كان المشاركون ينظمون تلقائيا هذا الطقس كل سنة على فرقتين يشارك فيها – في جمهورها الساحق- شباب عاطلون دون المستوى،وبعضهم يتعاطى المخدرات ويسكر ساعة بدء النشاط الإمعشاري،ويختارون كل يوم حيا يجتمعون فيه لترديد كلمات هابطة بالأمازيغية والدارجة بعد أن يكونوا قد جمعوا مالا من الساكنة أو بالأحرى تسولوه بكيفية تصل أحيانا إلى تهديد الناس وسبهم من قبل شمكارة إمعشار! ومن الكلمات المرددة : "علموها تكمي كارو،علموها تكمي سبسي" و" أل أقشاب أل فقير واحيانا"...ومعناها :"علموها تدخن السبسي،علموها تدخن التبغ" و"إرفع عباءتك أيه العجوز" والمراد أظهر عورتك يا عجوز ! ثم هؤلاء يتهكمون بالناس ويفضحون أمرهم على مرأى ومسمع مستغلين تواريهم خلف الأقنعة..ويمتد إمعشار مدة معينة ثم ينتهي بوليمة من النقود المتسولة ! إن كل ماهو متعلق بالتراث الثقافي يدرس بطريقة تجزيئية على طريقة أسياد "الدارسين الأذناب" في معزل عن الكلي الشامل الذي حكم حياة الناس في الماضي راضين به..استرجاع ثقافة كانت سائدة في يوم ما ثم حوربت من قبل العقلاء من منطلق أن ما جاء عادة ضد أحكام الله سبحانه فهو مرفوض أما ما جاء موفقا لها فتكون عادة محكمة في مرتبة الحكم ! لقد كان أئمة تيزنيت ينكرون هذه الطقوس ويحذرون الشباب من المشاركة فيها نظرا لما فيها من سلوكات تخدش أخلاق وحياء ومروءة المشاركين وغيرهم من الناس المتضررين، ولما في ذلك من تشبه بالحيوانات والنساء العاهرات - لأن من المشاركين من يتشبه بالعاهرات - هذا فضلا عن الإزعاج الذي يسببه هؤلاء للناس النيام في وقت متأخر من الليل حين يجتمعون في حي من الأحياء يضربون الطبول ويشعلون النيران،ولقد أبدى كثيرون استياءهم من هذه العادات التي يعتبرونها مسيئة ومتوارثة عن اليهود المستقلين بديانتهم،وحين يتعلق الأمر بالدين فهو الحياة كلها وليس الدين سلوكا مجزءً ظرفيا منحصرا في المساجد، فكل تحركات الإنسان لها حكم في دين الله،هذا لمن شاء أن يستقيم وإلا فلمحبي إمعشار أن يحولوه لمهرجان التعري والسكر وهو على شفا حفرة من ذلك ! اليوم يستغل كرنفال إمعشار لتمرير خطاب وهمي للناس ونشر ثقافة اللهو والسهر بينهم،خطاب الحرية و"عش حياتك"، في انفصال تام عن الإسلام وحكم الإسلام، فالذي ورثه الناس عن الأجداد هو إمعشار بكل نتاناته الأخلاقية والعقلية وانعكاساتها على الفرد والمجتمع ،أما الإسلام فليس إرثا عن الأجداد بل هو حديث عهد ومرتبط بحزب اللامبا والعدل والإحسان وبكل الظلاميين !! هذا فضلا عن استغلال الكرنفال لتسويق منتجات تجارية وجلب سياح مفلسين..فإذن الأمر ليس مرتبطا بإحياء تراث يستفيد منه الناس بقدر ماهو استرجاع للمخدرات العقلية والمعنوية الماضوية وإضافتها على مخدرات الحاضر للمحافظة على الشخير العام وسوق الناس بكل سهولة إلى صناديق الإقتراع..إن التطبيع مع المنكر هو عنوان سياسة الفجور أو فجور السياسة، والمنكر كلما رفضه الدين ولفظه العقل،وهذا الإتجاه -أي اتجاه الفجور السياسي- في المغرب واضح له منابره الإعلامية وأدبياته بل وتغلغه في المؤسسات العامة وهو ينصب في مصلحة السياسة العامة التي تروم الإستمرار على حساب وعي الناس وتدين الناس،وفي بعضه يؤدي الناس الضرائب بكل "ديموقراطية" ! إن مهرجان كغيره من المهرجانات السنوية التي تكاد تغطي السنة كلها،وسيلة لجس نبض الناس والوقوف على المستوى العام لطمأنة الذين في مصلحتهم المحافظة على الوضع العام السائد،والذي كشف عنه "إمعشار" وغيره،هو عادات مستجدة لم تكن بين التزنيتين من قبل خاصة النساء، ففي الماضي القريب لن تر امرأة في الشارع بعد حلول الظلام،ولكن الآن أصبحت النساء كالرجال يخرجن في أنصاف الليالي ممدات أعناقهن بسلوكات لا تحمل ذرة حياء ! فماهو تراثي موبوء شاهد على ماهو سلوك مستجد غير من الصورة الحضارية للمرأة التيزنيتية لتصير صورة منمطة على شاكلاتها من صور النساء المعولمات المعلبات ! هكذا يستغل التراث أولا لنيل أغراض شخصية ولتضييع المال العام الذي تحتاجه ساكنة تيزنيت ،هذه المدينة التي لا تزال تفتقر إلى الكثير من الخدمات التي من الأحرى بالنخبة الأمازيغية أن تنهض للمناداة بتوفيرها بدل المناداة بإحياء طقوس تسيء للتيزنيتيين ولا يطالهم منها إلا الجوع والسهر،لكن المصالح الفئوية التي يسعى لها البعض ستحول دون ذلك وستبقى الأمازيغية بكل عناصرها على هذا الرثم مجرد مطية للفئويين المغررين بشباب عديم أو ضعيف التكوين. إن من له دراية بفقه السنن التاريخية يعلم أن تفشي المنكرات هو سبب لخراب الأمم وهلاك الحضارات،وأقول إن خطر الفجور السياسي يكمن في إشهار الفساد وتطبيع الناس عليه ثم محاصرة قوى الخير والقضاء على المناصحة والنقد ! وليس "إمعشار" وغيره من المهرجانات إلا وسيلة تلقيح،نعم،تلقيح الناس ضد الصلاح والخير وضد التدين الذي هو القصد الأصيل لمنهج الله تعالى وما سواه تبع له..إن غاية الفجور السياسي من مثل إحياء هذه المهرجانات هو تقويض الثقافة المحلية والوطنية وتقويض الدين ومترستها أمام المد الإسلامي ومجملا تطبيع الناس على الفساد والتحلل والإنحباس في حدود الجسد والشهوة و"الكلاخ".. [email protected] mailto:[email protected] http://elmeskaouy.maktoobblog.com http://elmeskaouy.maktoobblog.com