في سياق وطني مطبوع بتزايد الدعوات لإصلاح منظومة الإعلام والتوجيه أهدافا وبنيات وهياكل ومساطر وخدمات، انسجاما مع الظرفية الحالية المتميزة بتوحيد وزارتي التربية الوطنية و التكوين المهني ضمن وزارة واحدة، صدرت الدورية رقم 733 بتاريخ 1 أبريل 2014 المؤطرة لتنظيم عمليات الإعلام والتوجيه للتكوين المهني برسم الموسم التكويني 2014-2015. وانطلاقا من مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وكما صرح بذلك السيد عبد العظيم كروج الوزير المنتدب لدى وزير التربية الوطنية والتكوين المهني بمناسبة اليوم الوطني التواصلي حول الإعلام والتوجيه للتكوين المهني، المنظم بالرباط يوم 10 ابريل 2014، فإن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني منكبة على تطوير وإرساء منظومة وطنية مندمجة للتوجيه تستند على رؤية جديدة بالارتكاز على مجموعة من المبادئ، نشير لأهمها فيما يلي: - الاشتغال بمبدأ التربية والتكوين والتوجيه مدى الحياة لمختلف فئات الشباب البالغين 15 سنة فما فوق سواء أولئك المسجلين بالتعليم المدرسي أو التربية غير النظامية أو الحاملين لشاهدة محو الأمية الوظيفية ؛ - مساعدة الأفراد على بناء مشاريعهم الشخصية في توافق تام مع مؤهلاتهم وطموحاتهم وانتظارات النسيج الاقتصادي؛ ضمان مرونة الانتقال الأفقي والعمودي بين مختلف مكونات منظومة التربية والتكوين والشغل، بكل ما يتطلبه ذلك من تنظيم وضبط لحركية التلاميذ في جميع الاتجاهات؛ - مأسسة التنسيق وضمان الاشتغال الناجع والدائم لآليات الإعلام والتوجيه. ومساهمة منا في إثراء النقاش العمومي حول هذه الدورية، وفي انتظار استكمال العناصر المؤطرة للرؤية الجديدة لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني حول ملف التوجيه، سنكتفي بمساءلة ودراسة الدورية الحالية، عبر التركيز على مجموعة من الجوانب والمستويات آملين في بلورة عناصر نقدية أولية لتطوير الرؤية الجديدة المؤطرة لعمليات الإعلام والتوجيه. • على مستوى المبادئ العامة الموجهة للدورية: إن المبادئ التي سبق أن تطرقنا لها، لم تجد لها ذلك التصريف الملائم ضمن مضامين الدورية، ولا نكاد نلمس ما يجسدها ويترجمها على أرض الواقع. فالدورية لم تغطي جميع مستويات التكوين واكتفت فقط بمستويي التخصص والتأهيل، بالرغم من أن مستويي التقني والتقني المتخصص هما اللذان يشهدان إقبالا متزايدا من طرف التلاميذ في السنوات الأخيرة، ولم تطرح أي إجراءات واضحة بخصوص الفئات المستفيدة من التربية غير النظامية والحاملين لشهادة محو الأمية الوظيفية، ولم تشر لا من قريب أو بعيد لدوي الاحتياجات الخاصة. فإذا ما استثنينا عملية إعادة التوجيه المشار إليها في الدورية التي تدخل ضمن ربط الجسور والممرات بين التعليم والتكوين المهني والتي لم يطرح بشأنها تصور متكامل يسهل إرساءها وتدبيرها، فإن ما أشارت إليه المذكرة لا يعدو أن يكون تكرارا لجوانب عديدة وردت في الدوريات المشتركة السابقة. • على المستوى المقاربة المعتمدة:اختزلت الدورية عملية الإعلام والتوجيه في الجوانب المتعلقة بالتواصل والتحسيس والإخبار، مكتفية بالعمليات المتعلقة بتنشيط حصص إعلامية وتنظيم أبواب مفتوحة وزيارات لمؤسسات التكوين خلال فترة محدودة لا تتجاوز أسبوعين. وبهذا تكون الدورية قد سقطت في الدعوة للعمل الظرفي اللحظي، الذي طالما لقي انتقادات واسعة وسط الرأي العام، ولا يمكن له بأي حال من الأحوال أن يجعل من مسار التكوين المهني اختيارا مؤسسا على سيرورة تربوية مواكبة ومصاحبة للتلميذ في مشاوره الدراسي. إن المقاربة الناجعة، في هذا الصدد، هي تلك المقاربة التربوية التي تتجسد عبر التشارك والتعاون الدائمين والمستمرين بين مختلف المتدخلين في التوجيه لمساعدة التلميذ على إيجاد منهجية وطريقة في بلورة وإنضاج اختياراته المدرسية والمهنية. • على مستوى المسطرة المعتمدة: إن المسطرة المقترحة ضمن الدورية لم تندمج كفاية في المساطر المعمول بها في قطاع التربية الوطنية المؤطرة من طرف المذكرة 90 ، ولم تستحضر مقتضيات المقرر المنظم للسنة الدراسية الذي يطرح فترات محددة لإعادة التوجيه سواء العادية منها أو الاستدراكية. كما أن عمليات الانتقاء المنظمة من طرف قطاع التكوين المهني تبقى حاسمة في المسطرة، وهذا يطرح إشكالية تضارب المساطر والتنسيق في قطف ثمار العمل الميداني المشترك؛ فإذا كان التكوين المهني يعمل وفق هواجس الانتقاء في ظل محدودية المقعد الشاغر، فإن قطاع التربة الوطنية يشغل بمنطق التوجيه التربوي الذي يبلور الاختيار عبر محطات ومراحل وفق إجراءات وتدابير تربوية وبيداغوجية وسيكولوجية، مما يطرح تضارب المرجعيات والخلفيات العلمية المؤطرة للتوجيه نحو التكوين المهني. إن إنجاح هذه المساطر يقتضي مأسسة الشراكة في كل القرارات ويتطلب توفير الآليات وضمانات النجاح لهذه المساطر، والانكباب على إعداد آليات المصادقة على المكتسبات والكفايات المهنية، وتطوير الإطار الوطني للإشهاد ضمانا لتسهيل الانتقال الأفقي والعمودي بين قطاع التربية الوطنية وقطاع التكوين المهني عبر كل المستويات والأسلاك. • على مستوى آليات التنسيق: طرحت الدورية آليات جديدة للتنسيق مركزيا وجهويا وإقليميا، وحددت لهذه الآليات مهام واختصاصات، وتركت للقطاعين التوافق حول تنسيق أعمال هذه اللجان، ولم تعط أي بديل في حالة عدم حصول التوافق بين القطاعين، ولم توضح الجهة التي يجب أن تدعو للقاءات التنسيق هذه. إن استحداث آليات جديدة للتنسيق في ظل وجود آليات مؤسساتية تتصدى لهذه المهام، كلجنة التنسيق مع التكوين المهني المحدثة ضمن المجلس الإداري للأكاديميات، وآلية التنسيق الجهوي التخصصي في مجال التوجيه، ومفتش المنطقة في مجال التوجيه المسؤول عن التنسيق مع مختلف القطاعات المتدخلة في الإعلام والتوجيه، لمن شأنه أن يضخم من الآليات ويطرح صعوبة في تدبيرها وترشيد اشتغالها، ويرسل رسائل سلبية حول تدبير العمل المشترك بين القطاعين. إن تحليل النصوص التشريعية والقوانين التنظيمية المعمول بها في القطاعين معا والاشتغال من داخلها ضمانة أساسية لتدبير الاندماج السلس، ولو في مراحله الأولى بين التكوين المهني والتربية الوطنية، في انتظار تحيين ومراجعة كل النصوص التنظيمية لمؤسسات التربية والتعليم والتكوين بما يتماشى مع الفلسفة الجديدة المأمولة للإعلام والتوجيه. إن المعالجة الشاملة والمندمجة لقطاع الإعلام والتوجيه، تقتضي الاشتغال بمنظور نسقي واستراتيجي بعيدا عن السياسات القطاعية والمقاربات التجزيئة، وفق رؤية متكاملة وسياسة إلتقائية ترى بأن منظومة الإعلام التوجيه تشكل جسرا بين مثلث "التربية والتكوين والشغل"، مع الإدراك أن الإشكال الحقيقي ليس مرده فقط لضعف التنسيق أو غياب وسائل وآليات العمل والهياكل والبنيات أو تضارب الاستراتيجيات، وإنما يتعلق في جزء كبير منه بالغموض والضبابية التي تلف أهداف هذا القطاع، والتي تتفاعل مع إشكالات أنظمة التربية والتكوين والشغل، في إطار حلقة دائرية توفر مناخ إنتاج وإعادة إنتاج الوضع المختل. *باحث في قضايا التربية والتكوين