ماذا يحدث وراء جدران ضريح بويا عمر، أشهر أولياء المغرب قرب مراكش، حيث يحج المئات من المرضى طلبا للشفاء و"بركة" القوى الخفية؟ هل يجدون الشفاء فعلا أم أنهم يعيشون "الجحيم" كما يحكي أحد المرضى السابقين؟ يقع ضريح "بويا عمر" على بعد 50 كيلومترا شمال مدينة مراكش الملقبة "مدينة البهجة"، لكن داخل جدرانه تغيب تلك "البهجة"، ويسود الصمت الذي تكسره بين الفينة والأخرى صرخات المرضى القوية التي تثير رعب من لا يعرف هذا المكان. ويحمل هذا الضريح، حسب كتب التاريخ المغربية، اسم رجل ولد خلال العقدين الأخيرين من القرن السادس عشر للميلاد وبقي أميا إلى أن بلغ الأربعين من عمره، حيث شد الرحال لتحصيل العلم في إحدى الزوايا جنوب شرق المغرب. وغالبية أضرحة المغرب، يقصدها المغاربة والأجانب أحيانا طلبا للشفاء و"بركة" من دفنوا فيها، ومن بينها ضريح "بويا عمر" الذي يزوره المئات ممن "تسكنهم الأرواح" كما يعتقدون، وهم في الغالب مرضى نفسيون وعقليون أو مدمنو مخدرات. وتقدر الصحافة المغربية عدد الذين زاروا هذا الضريح وبقوا محتجزين فيه اليوم بحوالى الف مريض، لكنه رقم غير مؤكد لدى السلطات المغربية. وحاول مراسلو وكالة فرانس برس زيارة المكان لكن موظفي وزارة الداخلية المغربية أخبروهم أن التصوير ممنوع وكذلك زيارات الصحافيين، لكن شهادات النشطاء والزائرين حول الجو السائد بين جدران هذا المكان جعلته يستحق لقب "غوانتنامو المغرب" كما تصفه الصحافة المغربية، حيث يتم داخله تكبيل المرضى بالسلاسل الحديدية، بل ويتم تجويعهم وضربهم في كثير من الأحيان كما يشرح محمد أبولي من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. ويقول هذا الناشط الحقوقي من قرية "العطاوية" القريبة من الضريح في تصريح لوكالة فرانس برس "نحن لسنا ضد معتقدات هؤلاء الناس (...) لكن ما يقلقنا هو المعاناة التي تلحق الأشخاص الذين يتم جلبهم الى هنا". وفي شهادة نادرة يقول محمد المتحدر من مدينة طنجة شمال المغرب "قضيت سنة كاملة وراء جدران هذا المعتقل، وعشت فيه الجحيم وفقدت إحدى عيني". ويؤكد هذا الشاب الذي أحضرته عائلته سنة 2006 الى "غوانتنامو المغرب" تعرضه "لسوء المعاملة" من قبيل التعنيف الجسدي وسرقة الأموال، قبل ان يخلصه شقيقه من هذا السجن. وفي ديسمبر الماضي لفتت الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان انتباه وفد أممي الى الحالة المتردية لهذه "المؤسسة" التي لا يعرف ما إذا كانت مستشفى أو معتقلا او مقاما ذا قيمة روحية، موضحة في تقرير خاص عن أماكن الاعتقال التعسفي أن "بويا عمر سجن يتعرض فيه المرضى لانتهاك حقوقهم ويعد خرقا لحقوق الإنسان". ومنذ ذلك الحين أعطى الحسين الوردي وزير الصحة المغربية وعدا بإغلاق هذا المكان قائلا "سأفعل ما في وسعي (...) لكن للأسف القرار ليس بيد وزارة الصحة". وتكمن صعوبة إغلاق "بويا عمر" في تجذر بعض المعتقدات في المخيلة الجماعية للمغاربة، كتلك المعتقدات المرتبطة بالجن. إضافة الى ذلك يستفيد حراس هذا المكان والقائمون عليه من عائداته المالية التي يدفعها الزوار في مقابل العلاج والمبيت، وكذلك من العطايا والأضاحي المقدمة للتقرب من الأرواح ونيل رضاها، بحسب ظنهم. ووفقا لدراسة أنجزت العام الماضي من طرف "مركز بيو للأبحاث "، وهي مجموعة من الخبراء الأميركيين، فإن 86 ٪ من سكان المغرب ما زالوا يؤمنون بالأرواح، الخيرة والشريرة منها على السواء. وتعزز الاعتقاد بقوة الأرواح لدى المغاربة مع اعتلاء الملك محمد السادس للعرش في 1999، حين فتحت سياسته الدينية الجديدة الباب أمام تعزيز الإسلام الصوفي الذي ظهر في القرن الثامن الميلادي، "بغرض نشر اسلام معتدل ومتسامح" كما يقول علماء الاجتماع المغاربة. وتقوم غالبية الزوايا والأضرحة، ومن بينها ضريح "بويا عمر"، في المغرب على فكرة احترام وتقديس الأشخاص المدفونين داخلها حيث يسمون ب"الأولياء الصالحين" ويزورهم الناس من أجل التداوي والبركة، كما تحظى الكثير من الزوايا والأضرحة بدعم مالي مباشر من البلاط المغربي. ويقول زكريا الريحاني أستاذ علم الاجتماع المغربي "ليس في مقدور وزارة الصحة المغربية إغلاق بويا عمر لأنه يخدم اهدافا سياسية، حيث إن دعم مثل هذه الأماكن وتلك المعتقدات يدخل في باب تعزيز الشرعية السياسية للملكية القائمة بدورها على الشرعية الدينية"، باعتبار الملك سليل الرسول محمد. ويعترف مسؤول في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، فضل عدم ذكر اسمه ان "موضوع بويا عمر معقد وحساس جدا"، مؤكدا في الوقت نفسه أنه تابع لوزارة الصحة المغربية. ويضيف المصدر نفسه "كيف يمكن أن ندبر أمر شخص عنيف؟ يعتقد الناس أنه يجب سجنه ولو لفترة قليلة من أجل حمايته، للحد من اندفاعه العنيف، من أجل تخليصه من الأرواح التي تسكنه". ويتابع "الناس بسبب الجهل ومن باب التقليد والثقافة القديمين، تترك أقاربها في ذلك المكان لأنها لا تستطيع رعايتهم، وهذا واقع حان تغييره اليوم في المغرب".