مع اقتراب موعد الإعلان عن المشاركة في الحركة الانتقالية الخاصة بهيئة التدريس، تعيش الشغيلة التعليمية حالة من الترقب و التوتر و التوجس. تنتظر بفارغ الصبر ما ستسفر عنه نتائج الحوار بين النقابات و الوزارة بشأن المذكرات المنظمة لهذه الحركة. كلّنا أمل في أن تأتي بمعايير جديدة عادلة و منصفة تضع الموظفين على قدم المساواة دون تمييز. إن المذكرة الحالية تتضمن شروطا مجحفة و معايير لا مبرر لوجودها. فمثلا، تمنح المذكرة الإطار الخاصة بإسناد مناصب الحراسة العامة لأساتذة الإعدادي، نقطتان كامتياز للحاصلين على الإجازة و تَحصر تسقيف الأقدمية في المنصب فقط و تجعله في حدود عشر سنوات. و بهذا الشكل يصعب، إن لم نقل يستحيل، على غير المجاز الظفر بهذا المنصب. و هكذا تجد فئة عريضة من رجال التعليم نفسها مقصية من هذه الاستفادة بل بالأحرى خارج حلبة التنافس. و إننا لنتساءل عن القيمة المضافة للإجازة أو أية شهادة عليا كيفما كانت في التأهل لممارسة مهام الحراسة العامة؟ هل من شأن الشواهد الجامعية أن تجعل من أي إطار تربوي إداريا ناجحا؟ في رأيي، التجربة المهنية النابعة من الأقدمية و السجل المهني النظيف و التعامل البيداغوجي الرصين مع الناشئة هي المحددات الموضوعية و الواقعية التي ينبغي أن تتحكم في هكذا اختيار. أما في ما يخص الحركة التعليمية، فهي صورة واضحة لتكريس الحيف و عدم تكافؤ الفرص. منذ الأسطر الأولى، تنصّ المذكرة الإطار على إعطاء الأولوية في إسناد المناصب للمتزوجات و المتزوجين الراغبات و الراغبين في الالتحاق ببيت الزوجية و فوق كل ذلك، تمنح لهم /لهن نقطة عن كل طفل قاصر. فإذا كان هؤلاء يحظون بالأولوية في معالجة ملفاتهم، فما جدوى تمكينهم من نقط أخرى إضافية أم هو مزيد من تضييق الخناق على غير المتزوجين. للعازبة كذلك عشر نقط كامتياز، أي ما يعادل خمس سنوات عجاف من الخدمة داخل الجهة. هو امتياز لا يدخل في باب التمييز الإيجابي الذي تنادي به المنظمات النسوية و الهيآت الحقوقية ، فهذا النوع من التمييز هدفه بالأساس، تحقيق المساواة و غرس ثقافة الوعي بمشاركة النساء كما هو الحال في كوطا الانتخابات. أما في حالة الحركة الانتقالية ، فالأمر يختلف، لقد انتقل هذا التمييز من الإيجابي إلى الاستقوائي الذي يرجح كفة فئة على أخرى و هو ما يتعارض حتى مع مضمون الدستور الذي ينصّ على المساواة بين الجنسين. قد نتفق على منحها بعض الامتياز لكن دون أن يتجاوز ذلك حدود المعقول إلى حد التفاوت الصارخ الذي يحتم على المدرس الذكر ألاّ يبرح مكانه مدى الحياة. و أكبر المتضررين من هذه المذكرة الإطار هو رجل التعليم العازب الذي يقبع في ذيل القائمة و كأنه أحسن حالا من باقي الفآت. إن العديد من رجال التعليم يربطون زواجهم بالانتقال و يراهنون على الحركة الانتقالية لتحقيق الاستقرار، كل ذلك على حساب سعادتهم و حرمانهم من الدفء الأسري و التوازن النفسي. و في الأخير يتبدد الحلم و لا يأتي " غودو" الذي طال انتظاره و ينتصب أمامه واقفا كابوسُ الانتكاسات و الإحباطات المتوالية و مركبات العقد النفسية و الأمراض المزمنة المستعصية. و هذا بالطبع، لا يمر دون أن يترك ندوبه الغائرة و شروخه العميقة في الوضع التعليمي البئيس. أليس رجل التعليم العازب بهذه الصورة القاتمة حالة اجتماعية يجب أن تحظى هي كذلك بالتفاتة؟ من أكبر المعضلات التي يشكو منها رجال التعليم في انتقالاتهم، الحركتان الجهوية و المحلية. ما هما إلا وسيلتان لتكريس الزبونية و المحسوبية و الاسترزاق "النقابي" في تقاسم للأدوار و لأجزاء الغنيمة بين منعدمي الضمير من أشباه النقابيين و بين رموز الفساد الإدارية. فيهما تتم التنقيلات المشبوهة تحت ذريعة سد الخصاص وتسريب الفائض. و الوزارة واعية بهذه الخروقات، و قد سبق لها منذ سنوات أن أصدرت استمارة تحث فيها رجال التعليم على إبداء رأيهم في هاتين الحركتين و من بين تساؤلاتها "هل هما في نظرك وسيلتان لشرعنة تنقيلات غير شرعية". و هذا ما أكدته الوزارة السنة الماضية من خلال إلغائها لأي دور للجن الجهوية و الإقليمية في حركية الموظفين فقطعت الطريق أمام سماسرة الانتقالات و المتاجرين بمعاناة نساء و رجال التعليم التعليم. أتمنى أن تبقى الوزارة متشبثة بموقفها الجريء، بل أذهب أبعد من ذلك و أطالبها بإلغاء هاتين الحركتين جملة و تفصيلا و الإبقاء فقط على الحركة الوطنية لأنها الوسيلة الناجعة لضمان تكافؤ الفرص. كيف يستساغ شرعا و عقلا و قانونا أن يستفيد مُدرس بأقل عدد من النقط من منصب داخل جهة ما بينما يحرم منه آخر يفوقه أقدمية و تجربة و تنقيطا، و ذنبه الوحيد أن الظروف حكمت عليه بالعمل خارج تلك الجهة أو لأنه عُيّن بها لأول مرة. و السبب أن النيابات و الأكاديميات تتلكأ في التصريح بحقيقة المناصب الشاغرة. إن الإحساس بالغبن و الحيف يؤثر في الأداء المهني لأي موظف كيفما كان خصوصا إذا أفنى زهرة شبابه و عصارة كهولته في الفيافي و القفار و يرى منصبا هو أولى به يُسرق من أمام عينيه تحت طائلة قوانين جائرة. على الوزارة أن تكون حازمة في الضغط على النيابات من أجل تحديد الخصاص بشكل دقيق و معالجته وطنيا فقط. و كل من ثبت تورطه في التستر على أي منصب شاغر يتعرض لأقسى العقوبات الجاري بها العمل. يتمّ التستر حتى على الإحداثيات ( المؤسسات الجديدة) و لا يصرح بها خلال الحركة الوطنية بذرائع شتى : كعدم الجاهزية و عدم التسليم النهائي... و في الأخير تُزوّد خلال نفس السنة بالأطر محليا و جهويا و من وراء حجاب و تضيع فرصة الراغب فيها إلى الأبد. إن الحركة الانتقالية ليست مجرد آلية ميكانيكية لتغيير المناصب و استقدام الأطر، بل مرحلة حاسمة في الحياة المهنية للموظف لا تقل أهمية عن العملية التعليمية التعلمية نفسها. فعليها يتوقف الأداء المهني الجيد و الارتقاء بجودة التعليم. فلا ننتظر ممن هو ساخط على الوضع و يعاني الغبن أن يُكوّن تلامذة أسوياء.