جلس مصطفى بشعره الأشعث ، ورأسه المشتعل شيبا وبوجهه النحيف المليئ بالتجاعيد ، مادا ساقه الوحيدة أمامه ، ساهم النظرات كأنما يسترجع " زمن التسول الجميل". ويعترف مصطفى (60 سنة)، الذي فقد إحدى ساقيه في حادث سير ، بأنه كان يمتهن التسول بحي الأوداية بالرباط منذ سنوات طويلة قبل أن يحال على مركز الرعاية الاجتماعية بعين عتيق بتمارة ، ويؤكد أنه سيعود للتسول إذا غادر المركز لأنه " لا يعرف مهنة سواه " ولعدم توفره على مصدر للرزق وعائلة ترعاه كما قال لوكالة المغرب العربي للأنباء. حالة مصطفى هي إحدى الحالات العديدة لمتسولين كثر بعضهم مسنون ، أو تخلى عنهم ذووهم ، فلم يجدوا سوى استعطاء الناس في الشوارع وسيلة للعيش. راضية (70 سنة) نزيلة أخرى بمركز الرعاية الاجتماعية عين عتيق الذي أحيلت إليه بعد أن ضبطتها مصلحة الوحدة المتنقلة للمساعدة الاجتماعية التابعة لمركز المحمدية للرعاية الاجتماعية بالرباط في حالة تلبس بالتسول وبحوزتها حوالي 100 درهم هي حصيلة يوم من التسول. تقول راضية إنها اكتشفت "متعة " التسول بالصدفة رغم أن لها أبناء وتمتلك منزلا بالقنيطرة ورثته عن زوجها، لكنها، وبعدما وجدت في التسول " حرفة مربحة " وكذا لعدم اهتمام أبنائها بها ، فضلت الانتقال إلى مدينة الرباط إلى أن ضبطت وأحيلت على المركز. وللأطفال نصيب من التسول الأطفال ليسوا بمنأى عن هذه الآفة الاجتماعية المقلقة. والأطفال المتسولون يختلفون عن المتسولين البالغين في كون العديد منهم يعانون من الاستغلال سواء من طرف ذويهم أو أشخاص منظمين في إطار شبكات متخصصة غالبا ما تقوم بتأطيرهم وتوزيعهم على مناطق معينة كأبواب المساجد والمقاهي وأماكن عمومية. أحمد (11 سنة) ، الذي ينحدر من مدينة القصر الكبير ونزيل المركز نفسه، ضبط على غرار العديد من الأطفال ، متسكعا بشارع النصر بالرباط وهو في حالة تلبس بالتسول وتعاطى المخدرات. يعترف أحمد، الذي أحيل قبل أيام قليلة على مركز الرعاية الاجتماعية بعين عتيق، أنه كان يتعاطى التسول في شوارع الرباط منذ سنتين بضغط من إحدى قريباته التي كانت تجبره على ذلك من أجل مدها بالنقود عند نهاية كل يوم. التسول .. وتطور أساليب استدرار عطف الناس أصبح المرء يصادف طرق تسول مختلفة ، فهذا يستجدي المارة رفقة أطفال أو أشخاص معاقين ، وذاك يعرض على الناس وثائق طبية يدعي من خلالها إصابته بمرض مزمن ، وآخر يقصد راكبي حافلات النقل بدعوى أنه خارج لتوه من السجن ولم يجد ثمن اقتناء تذكرة العودة إلى محل سكناه، فيما أحدهم يطرق أبواب المنازل بدعوى السعي لجمع المال اللازم لاقتناء مستلزمات دفن أحد الموتى المفترضين. يؤكد السيد محمد سمير الخمليشي البخاري، مدير المركز الاجتماعي عين عتيق ، أن هناك متسولين ليسوا في حاجة للتسول لأنهم يتوفرون على إمكانات مادية ، لكنهم يتخذون من التسول حرفة تعفيهم من امتهان حرف أخرى تتطلب جهدا فكريا أو عضليا. وأشار إلى أنه منذ انطلاق الاستراتيجية الوطنية لمحاربة التسول بالرباط في مارس 2007 ، تمت إحالة حوالي 3450 متسولة ومتسول على المركز، 60 في المائة منهم رجال و30 في المائة نساء، و10 في المائة أطفال. وأضاف أن جميع المتسولين المحالين على المركز، (من مارس 2007 إلى أواخر 2008) تمت معالجة وضعياتهم من خلال الإدماج العائلي (85 في المائة) والإدماج السوسيو- اقتصادي (13 في المائة) والإدماج المؤسساتي بالمركز (2 في المائة). وأوضح أن المركز يتوفر على أربعة أجنحة طاقتها الاستيعابية 550 نزيلا، مشيرا إلى أنه يتم يوميا إحالة خمسة متسولين جدد على المركز. ومن جهته، أشار السيد عبد النبي اشويط، مدير مركز الاستقبال المحمدية للرعاية الاجتماعية بالرباط إلى أن المركز استقبل ، منذ إحداثه في غشت 2008 ، حوالي 5500 متسولة ومتسول أغلبهم رجال، مضيفا أن جميع المتسولين الذين يحالون على المركز تم إدماجهم إما إدماجا عائليا (30 في المائة) أو مؤسساتيا (48 في المائة) أو سوسيو-اقتصاديا (10 في المائة) وأوضح السيد اشويط أنه ، فضلا عن المتسولين القاطنين بالرباط ونواحيها المحالين على المركز (20 في المائة) ، هناك عدد مهم (80 في المائة) من المتسولين الوافدين على المدينة من مختلف مناطق المغرب. ومن جهة أخرى، لاحظ أن ظاهرة التسول بالمغرب لم تعد مقتصرة على المغاربة فقط وإنما انخرط فيها أشخاص أجانب من مرشحي الهجرة السرية ينتمون ، على الخصوص، لبلدان إفريقية. وأوضح أن هؤلاء المتسولين، الذين يتم ضبطهم في حالة تلبس بالتسول من طرف الوحدات المتنقلة التابعة للمركز، يستفيدون من خدمات المركز ، من مأكل وإقامة ، قد تمتد لعدة شهور ، إلى حين ترحيلهم إلى بلدانهم بعد تسوية وضعيتهم القانونية والإدارية بالتنسيق مع سفارات بلدانهم بالمغرب. التسول.. وجدوى مقاربة الإدماج يؤكد السيد عبد الرحيم العطري، أستاذ علم الاجتماع بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة ، أن معظم المتسولين يفضلون عدم ولوج مراكز الرعاية الاجتماعية مشيرا إلى أن ظاهرة التسول لم تعد حكرا على أشخاص محتاجين غير قادرين على العمل بل شملت فئات اجتماعية أخرى. وللحد من هذه الظاهرة ، يدعو السيد العطري، إلى مقاربة متعددة الأبعاد يتداخل فيها النفسي بالقانوني بالتربوي وذلك من خلال إصلاح اجتماعي شامل يتطلب تكريس مبدأ العدالة الاجتماعية والقيام بمبادرات زجرية. ومن جهتها، أكدت السيدة نزهة الصقلي، وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، أن نتائج البحث الوطني حول التسول ، الذي قامت به الوزارة منذ انطلاق استراتيجيتها الوطنية لمحاربة التسول سنة 2007 ، كشفت عن وجود حوالي 195 ألف و950 متسول على المستوى الوطني. وأوضحت السيدة الصقلي ، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذا البحث مكن من الوقوف على الأسباب الحقيقية والمتعددة للتعاطي لظاهرة التسول، وكذا تحديد الأساليب المختلفة التي يستعملها المتسولون بهدف استدرار عطف الناس. وأشارت إلى أن الأبحاث تشير إلى أن 8ر51 في المائة من هؤلاء يمارسون التسول بسبب الفقر و 7ر12 في المائة بسبب الإعاقة و8ر10 في المائة لأسباب صحية و7ر24 لأسباب أخرى . وأضافت أن نتائج البحث الوطني حول التسول مكنت كذلك من الوقوف على أن 4ر62 في المائة يمارسون التسول بطريقة احترافية ، مما شجع على البحث عن الأساليب المستعملة في هذا المجال لاستدرار عطف الناس، حيث تم الوقوف على أساليب مختلفة كالتسول المستغل للأطفال وللأشخاص المسنين وللأشخاص في وضعية إعاقة، إضافة إلى اصطناع بعض الإعاقات. ولمواجهة ظاهرة التسول ، أكدت السيدة الصقلي أنه تم اعتماد مقاربة شاملة تروم إعادة الإدماج العائلي والإدماج السوسيو- اقتصادي والإدماج المؤسساتي من خلال توفير أنشطة مدرة للدخل وتأهيل مؤسسات الحماية الاجتماعية سواء على مستوى التجهيز والتسيير أو على مستوى التأطير. وفي هذا السياق، أكدت السيدة الصقلي وجود مشروع نص قانون شبه جاهز خاص بمحاربة التسول سيعرض قريبا على المعنيين بالقطاع لإبداء ملاحظات بشأنه. أما المقاربة الثانية ، فتتمثل في المقاربة القانونية لمنع التسول الاحترافي، حيث اعتبرت أن النصوص القانونية الجاري بها العمل من أجل احتواء الظاهرة غير كافية، داعية إلى إعادة النظر في هذه النصوص القانونية وتأهيلها من أجل الحد من الظاهرة. وتتمثل المقاربة الثالثة في القيام بأنشطة تحسيسية وتواصلية تروم التضامن والحد من التشجيع على التسول الاحترافي. وفي هذا السياق، أعلنت السيدة الصقلي أن الوزارة بصدد إعداد حملة تحسيسية ستنطلق قريبا على الصعيد الوطني تهدف إلى محاربة التسول الاحترافي والعمل على تشجيع الأشخاص على عدم الاتكال على الغير، مبرزة أن أحسن طريقة لمحاربة الظاهرة هو تحسيس المواطنين بأن يعبروا عن تضامنهم الاجتماعي بطريقة عقلانية تتمثل في تقديم دعمهم المادي إلى من يستحقه (أسر، مراكز الرعاية الاجتماعية....). ومن جهة أخرى، أوضحت السيدة الصقلي أن الوزارة شرعت في إطار استراتيجيتها الوطنية 2008 / 2012 لمحاربة التسول في إحداث 16 مركزا اجتماعيا مرجعيا بكل جهات المغرب وذلك في مجالات متعددة، منها على الخصوص، محاربة التسول وحماية الطفولة انطلق العمل بها بعدة مدن منها الدارالبيضاءوالرباط وفاس وطنجة والعيون وأكادير ومراكش.