لن تمر نشرة أخبار إذاعية أو تلفزيونية،ولن تصدر جريدة مغربية دون أن تخلو من ذكر حادثة سير هنا أو هناك في ربع من ربوع المملكة،وبحصص ثقيلة من الموتى أو الجرحى،ولن يغادر مواطن محل سكناه بنية السفر عبر الطرق المغربية دون أن يودع أبناءه مودع الذاهب إلى الحرب،بينما يجب أن يكون السفر في البلاد متعة،وتجددا،مصحوبا بطمأنينة كبيرة بالعودة الظافرة،ومغانم يجنيها المسافر من سفره بحسب قصد ونيته،إما للشغل، أو التجوال،وما إلى ذلك من الحكم التي جعلها الله من السفر. كل المؤشرات تدل على أن المواطن المغربي،أصبح مهددا في حياته،وحياة أبنائه وأقربائه، من متهور ما امتلك سيارة ما وانحشر في الطريق ليعيث فيها فسادا قبيحا، وكارثيا وأي فساد أشد من إزهاق أرواح بريئة،قادتها ظروفها لاستعمال الطريق.وغير المفهوم هو كيف يتعامل المسؤولون بخصوص هذه الحرب المعلنة على الناس ، ويحجمون أمام ضغوطات بعض الناس،فيؤجلون تطبيق مدونة السير،لأنها لم تحض بالاتفاق،ولأن إضرابات واحتجاجات قد طالت البلاد،وتسببت في ندرة تموين الأسواق،وغيرها من المشاكل، حيث فضلوا استمرار القتل،على تطبيق القانون الذي يحمي الأنفس،علما أنه في كل الأحوال يجب درء المفاسد قبل جلب المنافع،وإذا كانت منفعة البعض تجلب دمار البعض الآخر، فلتذهب تلك المنفعة إلى حيث تريد إلا قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق. إن المشاهدات والمعاينات اليومية لما يجري في طرقات بلادنا، مدعاة إلى القلق الشديد،حيث الغالبية العظمى تتصرف وكأنه لايوجد قانون سير ، وبالتالي فكل التجهيزات المتعلقة بضمان سياقة مريحة،ومطمئنة لم يعد لها معنى، إذ إن جل السائقين إلا من كان له ضمير،ويقدر العواقب،وهم قلة على كل حال، يتجاوزون في الخط المتصل، وكثير منهم لايحترمون علامة قف، وأضواء تنظيم المرور، وخرق هذه القوانين يترتب عليها في أكثر الأحوال موت محقق،أوأعطاب جسدية دائمة. أمام الوضعية المتردية للسير في المغرب،من الواجب إصدار مخطط استعجالي، ينخرط فيه جميع الناس إجباريا،ولنترك تعابير التحسيس،وحملات التوعية، وكل كلام الاستهلاك الذي يمكن لنا استساغته إذا تعلق الأمر بالحياة التدبيرية، مع كون المواطن يعيش أمنا في حله وترحاله،أما أن يتم الخضوع للضغط وترك حبل السير على غاربه، يزهق مزيدا من الأرواح فليس من المسؤولية في شيء، خاصة وأن كل الحملات التحسيسية،لم تقلص من الواقع المزري بما يبعث على التفاؤل،بل إن الوصلات الإشهارية(التوعوية) المحذرة من خطورة الإخلال بقانون السير،أصبح السائقون يستمعون إليها وهم يخرقون القانون،ويعلقون عليها تعليقات مستخفة.إنه حتى في البلدان التي تصنف بأنها متقدمة، لايترك الناس لوعيهم، ورغباتهم في الانضباط أو عدمه انطلاقا من ذواتهم،بل وضع لهم قانون ،يضبط تصرفاتهم،وعقوبات تردع من تسول له نفسه،التلاعب بسلامة الناس، عن قصد أو غير قصد، ولذلك تقل الحوادث،إلى نسب معقولة، أما عندنا،فيمكن القول إننا نعيش فعلا فوضى السير، وكثير من الحرية والتساهل جعلها متوحشة ضارة. طبعا من حق السائقين العموميين أن يطالبوا بحقوقهم،ولكن ليس لهم الحق مطلقا في أن يطالبوا بخرق القانون، أو يكونوا سببا في قتل أنفسهم أو غيرهم، تحت أي ضغط من الضغوط،انطلاقا من الإيمان الراسخ بان الأرزاق يضمنها الله، وييسرها،ويدعو إلى اكتسابها بالطرق المشروعة. لم تعد المسألة تحتمل أن يقتصر المسؤولون عن القطاع،على الندوات التلفزية،أو الإذاعية،أو الجرائدية، أو الأسف على عدم الاستجابة لما قرروه، من قرارات تحمي المواطن، بل يجب الخروج من دوائر الكلام،إلى حيز التطبيق بالصرامة المطلوبة، والتخطيط المستعجل لوقف نزيف السير، وزجر المخالفين،وعدم التساهل معهم،ليكتمل مشهد مغرب جميل خال من كابوس حوادث السير المؤلمة. إذا كانت مدونة السير قد تعثرت، فالمطلوب إذن مخطط استعجالي ، وطني، للحد من حوادث السير.