سنسير في البداية على نهج إخواننا المترجمين للأفكار والنظريات التربوية الغربية في تعريف المصطلحات التربوية، لأعرف ببيداغوجيا النفايات..هذا المصطلح الذي كثر استعماله مع مجئ الإصلاح للمنظومة التربوية المغربية وسط رجال ونساء التعليم وازدادت هذه الكثرة مع صدور التقرير الصادم عن البنك الدولي حول فشل إصلاح المنظومة قبل أن يكمل عشريته ! "" وإذا كان رجال التعليم ونساؤه يعبرون عن سخطهم ورفضهم لنهج الإصلاح وللظروف اللامهنية التي يعانون منها بإطلاقهم "بيداغوجيا النفايات" على بيداغوجيا الكفايات في المغرب -التي انحسرت في الحبر والورق- دون تعريف،فأنا سأحاول وضع تعريف لهذه البيداغوجيا "الجديدة" و"المبدعة" في الحقل التربوي المغربي أو- بالأحرى اللاتربوي-التربوي – لا عبثا وسخرية ولكن استجلاء لواقع تحقق الكفايات كما أريد لها أن تتحقق..هؤلاء لم يقوموا باستيراد هذا المفهوم من الغرب كما يفعل الباحثون التربويون عندنا بل "أبدعوه" انطلاقا من الواقع الفعلي للمنظومة التربوية وحال المؤسسات التعليمية والأوضاع المادية،ولعمري كم نحن بحاجة إلى الإبداع الذي ينطلق من وقاعنا وخصوصياتنا لا من واقع وخصوصيات غيرنا. إن "بيداغوجيا النفايات" والتي يمكن ترجمتها ب :"la pédagogie des rebuts" مصطلح مركب من بيداغوجيا وهو لفظ إغريقي مستورد ونفايات وهي معروفة من حيث اللغة أما النفاية في الحقل اللاتربوي-التربوي فهي تقابل الكفاية في الحقل التربوي ويمكن أن أعرفها بأنها كل ما يعرقل تحقق الكفاية على المستوى المادي والمعنوي والنفسي والقانوني.أما المقصود بالإصطلاح المركب الإضافي بيداغوجيا النفايات فهو إجراءات وعمليات تروم جعل التعليم متخلفا وغير متكيف وهي بيداغوجيا مستوحاة من التجربة لرجال التعليم في العالم القروي على الخصوص الذي يضم الأغلبية الماحقة من الطاقات الشابة والنشيطة ! هذا التعريف ينسجم وتعريف النفاية في مقابل الكفاية لتصير بيداغوجيا النفايات مقابلا لبيداغوجيا الكفايات التي تروم تحسين التعليم وتكييفه ! ولنخالف أصحاب الترجمات الذين لم يحصلوا مهارة الإبداع شرطا لاكتمال الكفاية وإدماج المكتسب ضمن وضعية جديدة وهي حاجة المنظومة للإبداع المنطلق من واقعنا..هي وضعية مشكلة أو وضعية إدماجية تحتاج لإبداع لا إلى استيراد بضاعة الغير ! هؤلاء المترجمون يتحدثون عن عموميات غير واضحة، والدلالات النظرية غائبة على المستوى العملي والتطبيقي في حجرة الدرس خلال ممارسة النشاط التعليمي،وفي الحقيقة هذا حال المنظومة التربوية برمتها حبر على ورق لا أثر له في الواقع ! وليس المشكل كامنا في المنظومة فهي رائعة،ولكن المشكل في عدم دخولنا إلى الطور الذي يسمح بالإستفادة من النظريات التربوية والبيداغوجيات الحديثة،وأقل ما يمكن قوله هو التساؤل على فرض تحقق الكفايات والإدماجات إلى أين سيذهب من تحققت فيه ؟ إلى أرض يفلحها وينتظر أمطار الخير أو الشر؟ أم إلى شارع يتسكع فيه أو معمل يضيع ما اكتسبه من قدرات ومهارات وكفايات ؟ أم يعمل في قطاع من قطاعات الدولة "يسلك" فيه؟ أم يصبح عاملا عند الطلبjust-in-time worker؟ وينضاف لهذا التساؤل تساؤل آخر هو :هل تحققت بيداغوجيا الكفايات لدى الدول التي أنتجتها كما أريد لها أم هناك شئ آخر كما قال philippe perrenoud؟ قلت لنخالف أصدقاءنا الباحثين ولنحدد الإجراءات والعمليات المقصودة ببيداغوجيا النفايات.. - السياسة حاضرة في الشأن التربوي أكثر من التربية نفسها ! وللسياسة توازناتها التي تروم الحفاظ على الشخير العام ! - النظام التعليمي هو اختيارات سياسية لا شعبية وبالتالي فالتلميذ والمدرس يواجهان معارف لم يختاراها أو يتعاقدا عليها بل فرضت عليهما فرضا. - الدولة تحصر مشكلة التعليم في البنية التحتية والتجهيزات والبطالة في حين لا تفكر في إعادة النظر في القضايا البيداغوجية والتربوية. - مهمة الإشراف أو التأطير أو المراقبة التربوية أو التفتيش هي في كثير من الأحيان مجرد مراقبة وتنقيط فضلا عن ممارسات تخرج عن إطار المهمة أما التأطير والإشراف فلا وجود لهما بل الموجود التفتيش البوليسي الذي يظهر من خلال ممارسات المفتشين : تصيد الأخطاء،زيارات مباغتة قبيل العطل..فمن الأحسن أن يطلق على المفتشين مسمى : "المروضون التربويون"! - غياب دلالات واضحة وإجراءات عملية من شأنها أن تفيد العملية التعليمية التعلمية ،أي التركيز على الكم النظري وإغفال الكيف التطبيقي. - الأستاذ والتلميذ مقهوران ماديا ومعنويا ، وليست لهما أية قيمة اعتبارية وهما المعنيان ! - الأستاذ لايزال مطالبا بإنجاز كم هائل من الأوراق التي لاتفيد في شيء ، فبمجرد مايسطرها ويملؤها يركنها إلى حين زيارة المفتش أو المدير. - المؤسسات التعليمية في العالم الحضري تفتقر للوسائط الديداكتيكية اللازمة في بيداغوجيا الكفايات،وقاعات الإعلاميات ذات الحواسيب القليلة القديمة حكر على الأساتذة. - المؤسسات التعليمية في العالم القروي تفتقر لأدنى مايمكن لتسمى مؤسسة،فمنها مالا يتوفر إلى الآن على شروط الدراسة والسلامة الصحية خصوصا المدارس الإبتدائية ! إن لم نقل أنها محل للنفايات الحقيقية من أزبال وأغواط سكان الدوار الذين لا يتوفرون على مراحيض ويجدون في الأقسام فضاء رحبا للتبول أو التغوط براحة واطمئنان! - عبثية المقررات التعليمية التي يروم أصحابها الربح التجاري لاغير،فلك أن تعجب حين تجد الربوت والحاسوب في كتاب التلميذ في وسط الصحراء التي بالكاد يقاتل أهلها لتحصيل خبز وشاي وبطاطا ! - أجواء غير آمنة يعيش فيها بعض المدرسين ، تتهددهم الكلاب المسعورة واللصوص والبعد عن أقرب مرفق صحي وعن السوق ! - الإتجار في تعيينات المدرسين من قبل بعض النواب اللامهنيين مستغلين اختصاص: نقل الموظفين من أجل المصلحة ! هذا باختصار تسليط للضوء على بيداغوجيا النفايات والحديث حولها يطول.. [email protected]