جدلٌ كبيرٌ أثاره قرار الحكومة ب"التفاعل السريع والتجاوب الفعال" مع شكايات ساكنة الأقاليم الجنوبية، في مناطق العيون وطانطان والداخلة، بشكل خاص، والواردة من المجلس الوطني لحقوق الإنسان؛ وهو ما اعتُبر تمييزا بين المواطنين المغاربة وباقي جهات البلاد. الحكومة دعت إلى تعيين نقاط اتصال دائمة ومخاطبين محددين داخل الوزارات المعنية "بشكل أكثر بهذه الشكايات"، مع تحديد مدة معينة لا تتعدى ثلاثة أشهر، للإجابة عنها، والعمل على نشر الردود المتعلقة بها. هسبريس أجرت أخيرا استطلاعا للرأي طرحت فيه سؤالاً "هل ترَى أن تعاطي الحكومة مع الشكايات الحقوقيّة بخصوص الصحراء؟"، حيث تقاربت الآراء موزعة بين اعتبار الموقف الحكومي "ميزاً بين الجهات"، بحاصل تصويت بلغ 39.88% من مجموع المستطلع رأيهم، والبالغ عددهم 14 ألفاً و480 شخص، فيما ذهب 35.35% بالقول إن القرار هو "توظيف سياسي للعمل الحقوقي"، أما 24.77% فاعتبروا الأمر "تدبيرا عاديا" من طرف الدولة. مواقف مُتباَيِنة.. شكيب، (22 سنة) طالب جامعي بجامعة القاضي عياض، وينحدر من دمنات، يقول لهسبريس إن سياسة التمييز تظهر بشكل واضح داخل الجامعة، "كل الطلبة المنحدرين من الجنوب يتوفرون على منحة جامعية ونقل مجاني إضافة إلى تسهيلات أخرى"، مشيرا إلى أن تلك "الامتيازات" تمنح لهم لكونهم "مواطنون استثنائيون"، رغم كون بعضهم "لا يعاني من الفقر أو الحاجة". أما عبد الكبير الباهي، ذي الأصول صحراوية والقاطن بالسمارة، فلا تزال معاناته الصحية مستمرة، بعد أن أصيب قبل أربع سنوات بكسر على مستوى عموده الفقري بعد إقدام قوات الأمن، حسب روايته، على رميه من الطابق الرابع للحي الجامعي بمراكش في أحداث جامعية سابقة، موردا في اتصال مع هسبريس أن معاناته مع المحاكم في الرباطوالعيون ومراكش من أجل إنصافه "لا تزال أيضا مستمرة". "هناك تمييز حقيقي.. إن كنت معارضا لأطروحة الحكم الذاتي لأقاليم الجنوب فإن حقوقك مضمونة، أما إن كنت مغربيا صحراويا فهناك تماطل وتسويف"، يقول الباهي، الذي أكد أن مبادرة الحكومة الأخيرة "لن تأتي بجديد"، لأن الانتظار 3 أشهر للنظر في الشكايات تماطل في حد ذاته "معاناتي لإنصافي قضائيا ضد من ارتكبوا في حقّي جريمة الاعتداء لا زالت مستمرة منذ 2008.. لكن رغم ذلك سأذهب للمجلس الجهوي للحقوق الإنسان بالعيون لأضع شكايتي". خديجة، عاملة وأم لطفلين، تتحدث لهسبريس عن غياب تفعيل القانون أصلا في المغرب، "على المغاربة أن يستفديوا من ثروات بلادهم بشكل متساوٍ وعادل، وأن يكونوا سواسية أمام القانون، سواء كانوا في الجنوب أو في الشمال"، مشيرة إلى أن الحكومة بقرارها المذكور "تشرع لمبدأ اللامساواة عكس ما جاء به الدستور"، قبل أن تختم حديثها بالقول "خَاصّني على هادْ القِيبَال نْوَلّوي صحراوية باش ناخذ حقوقي!!" الخلفي: ليس هناك تمييز مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي بإسم الحكومة، أوضح أن القرار "إيجابي" وليس تمييزا بين المغاربة، مشيرا إلى الأمر لا يعدو أن يكون سياسة إدارية بدأ تطبيقها منذ عهود "لجبر ضرر ساكنة مناطق عاشت تحديات كبيرة وخاصة". وأضاف الخلفي، خلال ندوة صحفية عقدت أخيرا بالرباط، أن القرار يستند إلى عدة معطيات من ضمنها "توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وقرار الحكم الذاتي الموسع للأقاليم الجنوبية وكذا نموذج تنمية الأقاليم الجنوبية"، معتبرا أن الحكومة قررت التفاعل الإيجابي مع مشاكل تلك الأقاليم " تأكيدا على إعطاء اهتمام أكبر للمنطقة.. التي واجهت تحديات حقوقية وكبيرة". الوزير ذكر أن عدد الشكايات المتوصل بها عن طريق المجلس الوطني لحقوق الإنسان ، بلغ إلى حدود الأسبوع الماضي حوالي 50 ألف شكاية وافدة من تلك المناطق، "الرقم الكبير لأن المنطقة تعيش تحديات كبيرة"، مشددا على أن اهتمام الكومة بذلك يعد "نقطة قوة" وليست سياسة سلبية. زهاري: القرار إدانة للحكومة محمد زهاري، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، اعتبر أن قرار الحكومة هو "إدانة" لها، "الأصل أن يكون التفاعل الإيجابي مع أي شكاية ترد من أي مواطن يقطن في أي جهة بالمغرب"، مشيرا أن المسؤولين يتوفرون على العديد من الصلاحيات والإمكانيات للقيام بأدوارهم في تلقي الشكايات. من ناحية أخرى، يرى الناشط الحقوقي أن القرار يجعل حكومة بنكيران في موقع حرج جدا "لأنها تميز في الاستجابة مع شكايات بين مناطق المغرب"، ما اعتبره "أمرا خطيرا سيجر المغرب إلى متاهات عديدة". "على الحكومة أن تقر بأن منطقة الصحراء تعيش وضعا استثنائيا وبالتالي عليها القبول بالمقاربة الدولية في حل النزاع.. أو تعترف لنا بأن السياسات والمقاربات المتعاقبة لجميع الحكومات هي مقاربات فاشلة"، مشيرا أنه يجب بذلك محاسبة كل من كان مسؤولا على "التدبير السيئ" للملف. اسليمي: تمييز إجرائي إيجابي القرار الحكومي، من وجهة نظر عبد الرحيم المنار اسليمي، رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، "تمييز إجرائي إيجابي" مرتبط بقضايا الدولة وبملف متداول داخل المنتظم الأممي في ملف الصحراء، "القرار الحكومي بالتعاون مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان يدخل ضمن وضع أول أسس النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية الذي وضعه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بمشاركة الطرفين". ويوضح اسليمي، في تصريح لهسبريس، أن هذا النوع من التمييز يدخل ضمن إدراك السلطات العمومية أن التدبير "سبب رئيسي لظهور الانفصال"، مضيفا أن الزيارات الميدانية للأقاليم الجنوبية والاستماع والمقابلات مع العديد من الأشخاص "تظهر أن نزوعات بعض الأشخاص إلى الانفصال مرتبطة بسببين رئيسين هما رد الفعل على بعض أخطاء التدبير التي يمكن معالجتها بسرعة واحتواؤها وسبب ثاني هو بحث بعض التنظيمات المسماة حقوقية كالكوديسا عن تمويلا من الخارج". في السياق ذاته، اعتبر الباحث والأستاذ الجامعي أن القرار الحكومي في التجاوب مع المقترحات والشكايات الواردة من المجلس الوطني لحقوق الإنسان ولجانه الجهوية "تحولا في طبيعة العلاقة السائدة بين المجلس والحكومة" منذ تنصيب بنكيران على رأسها، خاصة بعد العلاقات التي ظلت متوترة بين الطرفين. اسليمي وصف تلك العلاقات، التي كانت تربط الفريق النيابي للعدالة والتنمية والأمين العام للمجلس، ادريس اليزمي، منذ السنة التشريعية الأولى والثانية من الولاية الحالية، ب"الحروب الصامتة" أحيانا "المعلنة" أحيانا أخرى، "الحكومة بقيادة حزب 'المصباح' كثيرا ما تنظر للمجلس على أنه ذو نزوعات يسارية"، وهو ما خلق نوعا من التوتر مع المكون الإسلامي في الحكومة، على حد تعبير المحلل السياسي. غموض "الهوية الدستورية" لمجلس اليزمي، معطى آخر يراه اسليمي سببا في توتر تلك العلاقة بينه وبين الحكومة، "حول الجهة التي تراقبه والمرجعيات التي يعتمد عليها لتقديم مقترحاته التشريعية في شكل مذكرات والتي تقلق بعض المكونات البرلمانية". كما نبه المتحدث إلى أن وضع الحكومة لوحدات اتصال في كل الوزارات "يطرح التساؤل مرة أخرى داخل الهيكل التنظيمي للحكومة عن الدور الذي تلعبه المندوبية السامية لحقوق الإنسان"، التي وصفها ب"نواة تنظيمية بدون مهمة"، مضيفا "كان من المفترض أن يتم إدماجها داخل وزارة العدل.. فنحن أمام وضع إداري حكومي توجد في مندوبيات بدون مهمة".