بعد تصالح المغاربة مع ذاتهم الأمازيغية، وبعد الاعتراف الرسمي بها كقضية جميع المغاربة بدون استثناء من طرف الملك محمد السادس، وتتويج ذلك بتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بتاريخ 17 أكتوبر 2001. هاهي الأمازيغية تشهد تراجعا خطيرا في هذه المكتسبات من طرف بعض الذين يحملون على عاتقهم إحدى أخطر المسؤوليات وأهمها وهي التوعية الدينية بالمساجد. "" إن الأمر يتعلق بخطيب أحد مساجد مدينة القنيطرة، والذي تطرق في خطبته ليوم الجمعة 16 أكتوبر 2009، لموضوع " الحذر من الأمازيغ الذين يريدون الرجوع بنا إلى عهد عبادة العتروس". حسب البيان الذي عممته جمعية مغربية مؤخرا. فهل تم اختيار هذا الموضوع بمناسبة الاحتفال بالذكرى الثامنة للخطاب الملكي بأجدير وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وكذا قرب الإعلان عن إطلاق القناة الأمازيغية. فمن خلال موضوع خطبته، فقد حذر "السيد الخطيب" الناس من"الأمازيغ عباد العتروس" لأنهم يشكلون خطرا على "عروبة وإسلام المغرب"، فهذا الخطاب ( وحاشى أن يكون خطبة جمعة) إن دل على شيء فإنما يدل على جهل وتخلف "الخطيب" على مستوى المعرفة بالتاريخ والثقافة المغربيتين، فأين اطلع على كون الأمازيغ قد عبدوا العتروس على مر التاريخ. ولكي يتبرأ من أمازيغيته (مغربيته) فقد أكد على كونه من " العرب المنقذين للأمازيغ من الوثنية" بل ذهب بعيدا في خطابه الذي ينم عن عنصرية صريحة تجاه كل ما هو أمازيغي، حيث قال " إلا كانوا الشلوح هوما الأصليين راه حنا اللي جبنا ليهم الدين". أما الجمعيات الأمازيغية فقد اتهمها بكونها "جمعيات تحرض المغاربة على الرجوع إلى الوثنية وعبادة العتروس". إن هذا "الخطيب" قد وقع في زلات خطيرة جدا، والسكوت عنها بمثابة موافقته على ذلك. فقد استغل قدسية خطبة الجمعة والحديث الشريف "فمن لغا فلا جمعة له"، من أجل نشر خطابه العنصري، ولولا هذا الحديث لرد الحاضرين على اتهاماته، فعوض أن ينور الناس بدينهم وبالحقائق ويرشدهم إلى الطريق الصواب والهداية ويسعدهم بما جاء به الدين الحنيف الذي لا يفرق لا بين عربي ولا عجمي إلا بالتقوى، فعوض ذلك فضل "خطيبنا" أن يتحدث عن تاريخ المغاربة الناطقين بالأمازيغية وعن معتقداتهم وعن مصيرهم وعن مستقبلهم بطريقة استفزازية ومثيرة للفتنة، فهل نسي بأن( الفتنة نائمة ولعن الله من أيقضها). لقد استغل موقعه كخطيب للجمعة وأخذ في تزوير الحقائق ونشر المغالطات وإيقاظ الفتنة. ناسيا بأن الإمام يجب أن يكون قبل كل شيء قدوة حسنة للذين ينصحهم، وأن يعمل بالآيات وبالأحاديث التي يستشهد بها قبل أن يلقنها للناس. غير أن شيئا لم يحصل من هذا القبيل. وفضل مهاجمة الأمازيغية والمغاربة الناطقين بها. فإذا كان "للسيد الخطيب" موقف من الأمازيغية، فإن له الحرية الكاملة لمناقشة هذا الموضوع في إطار لقاء عمومي، بحيث يمكن للجميع المشاركة في النقاش والرد والتعقيب على محاضرته المستفزة( ربما وقع له الخلط بين الخطبة الدينية والمحاضرة الإيديولوجية). أما أن يستغل حرمة المسجد وقدسية صلاة الجمعة ويقوم بمهاجمة الأمازيغية والناطقين بها، فإن هذا ما لا يقبله العقل. لكن قد يقبله في حالة ما إذا كان هذا "الخطيب" لا ينسجم مع صفته والذي ينطبق عليه المثل المغربي " الفقيه اللي تسنيننا براكتوا دخل لجامع بلغتو"، أو ما إذا كان غير شجاع، وهو الذي قال عنه المغاربة كذلك "إخاف اومايحشم" ، لأنه لو كانت له الجرأة والشجاعة الكافية، لتفوه بهذه "الخزعبلات" في مكان آخر غير المسجد، وفي مناسبة أخرى غير خطبة الجمعة، ولكن الخطيب فضل أن يحتمي بالدين ويستغله في توجيه اتهاماته الباطلة للأمازيغية والجمعيات الأمازيغية. بما أن الأمازيغية هي مسؤولية جميع المغاربة بدون استثناء، كما قال أمير المؤمنين الملك محمد السادس، فوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تتحمل المسؤولية في تساهلها عن مثل المواقف المتطرفة والمعادية للأمازيغية. فمن واجب الوزارة مطالبة الخطيب بسحب أقواله السابقة والاعتذار للمصلين الذين أساء لهم بهذه الخطبة، (علما أن الخطيب وعد المصلين بالتعمق كثيرا في نفس الموضوع خلال خطبة الجمعة المقبلة)، لأن مثل هذه الخرجات التي تستغل الدين الإسلامي الحنيف، من شأنها التسبب في إيقاظ الفتنة إذا ما تكررت مستقبلا.