انتخب السيد محمد الشيخ بيد الله المنتمي للحزب الجديد: "الأصالة والمعاصرة" رئيسا لمجلس المستشارين على حساب منافسه المعطي بن قدور المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار حيث فاز في الدور الثاني ب 140 صوت مقابل 100 صوت لمنافسه، وهذا ما يجعل المحلل السياسي يحتار في فهم الظاهرة السياسية المغربية، فالمنطق الديموقراطي يقتضي أن مرشح الأغلبية هو الذي يجب أن يفوز، لكن في الواقع السياسي المغربي لا معنى للأغلبية ولا للأقلية، إنما الكلمة الأولى للمصالح الشخصية التي تؤطرها مصلحة التوازن السياسي المحافظ على استمرارية الدولة بأشكالها التقليدية. "" إن الاكتساح الكبير لحزب الاصالة والمعاصر بقيادة فؤاد عالي الهمة للمؤسسات السياسية المنتخبة يعيدنا إلى تجربة التجمع الوطني للأحرار الذي تم بناءه من طرف مجموعة من رجال أعمال كانوا أعضاء بالبرلمان المنتخب في سنتي 76/77، ليتأس الحزب الذي سيحصل بقدرة قادر على الأغلبية البرلمانية، ثم ليصبح رئيسه سنة 1983 وزير دولة في حكومة محمد كريم العمراني بصفته زعيم حزب الأغلبية البرلمانية، بعدما كان وزيرا للشؤون الإدارية في وزارة القصر سنة 1970، ورئيسا للوزراء من 02 نونبر 1972 إلى 22 مارس 1979. ووجه الشبه بين التجربتين أن مؤسسي الحزبين انطلقا جميعا من خدمتهم داخل القصر وصداقتهما للملك فأحمد عصمان كان صديقا للملك الراحل الحسن الثاني واشتغل كما ذكرنا سابقا وزيرا للشؤون الإدارية في وزارة القصر الملكي، وفؤاد عالي الهمة صديق للملك الحالي محمد السادس، واشتغل رئيسا لديوان ولي العهد آنذاك الملك الحالي منذ سنة 1997، ليعين في 1999 كاتبا للدولة في الداخلية . وإضافة إلى التشابه في منطلق الحزبين هناك تشابه آخر يخص الواقع السياسي والاجتماعي المغربي فقد كان المغرب خلال السبعينات يعاني من أزمات سياسية واجتماعية خانقة أدت على المستوى السياسي إلى ميلاد منظمات سياسية ذات توجه ثوري خاصة فصائل ومنظمات اليسار الجديد، وحتى الأحزاب التي كانت تعتبر ذات توجه إصلاحي مثل: "حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي" كانت قد رفضت في وقت سابق الدساتير المعروضة خاصة دستور 1972، أما على المستوى الاجتماعي فقد أدى الاحتقان الذي عاشته الطبقات الضعيفة إلى الانفجار في إضراب 1981. فكان لزاما أن توجد هيئة سياسية تابعة بشكل مباشر للقصر الملكي حتى تحافظ على التوازن السياسي داخل المشاركين للعملية السياسية ولتتفرغ الأجهزة الأمنية للأحزاب الثورية من أجل ترويضها وتشذيبها عبر التضييق والاعتقال السياسي. أما في العصر الحالي فكل المتتبعين يشاهدون الأزمات السياسية والاجتماعية الخانقة التي كان من نتائجها عدم ثقة المواطنين في المؤسسات السياسية القائمة، مما أدى إلى ضعف المشاركة في هذه المؤسسات ، وظهور تيارات سياسية لا تعترف بها، الفرق الوحيد أن التيارات في السابق كانت ذات توجه يساري أما في الوقت الراهن فهي تيارات إسلامية. أما في الجانب الاجتماعي فالكل يلاحظ مستوى الفقر والانفلات الأمني، والتراجع المهول من ناحية التنمية الاجتماعية وضعف القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم، وتفشي ظواهر المحسوبية والرشوة، والبطالة مما أدى إلى هشاشة البنية الاجتماعية. كل هذه الأسباب أدت بأصحاب القرار إلى إنشاء حزب يتحكم فيه بشكل مباشر لكي يقيم التوازن السياسي في الواقع الحزبي المغربي المتشردم. وهكذا لن نفاجئ إن ربح عضو الحزب المعارض على أصوات أغلب المستشارين ضدا على ممثل الأغلبية، وكذلك لن نفاجئ إن سيطر الحزب الوليد في المستقبل على قبتي البرلمان لأن هذا هو عصره أما التجمع الوطني للأحرار المشارك في الحكومة فقد انتهت صلاحيته بوفاة الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله.