امرأة ولدت من رحم المعاناة وتفرعت من شريان الحياة. إنها نجاة أنور، رئيسة جمعية "لا تلمس إبني" (ماتقيش ولدي)، التي تحمل على كاهلها قصص العشرات من الأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية. لم تتوانَ هذه المغربية عن الدخول إلى عش الدبابير وتوظيف إصرارها وعزيمتها وقوة إرادتها في الوقوف إلى جانب الأطفال، الذين تعرضوا إلى الاعتداءات الجنسية، والدفاع عنهم بكل استماتة. "" تقول نجاة أنور، في تصريح ل "إيلاف"، "أنا إنسانة تعلمت كيف تنتزع وتناضل لانتزاع الحقوق مند نعومة أظافرها. امرأة من هذا المجتمع تربت كباقي أبنائه من أسرة متوسطة الحال، توفي والدها في سن مبكرة. تكفلت بالعناية امرأة منها تعلمت الكثير وتعلمت أن تصمد وأن تنتزع حقوقها وألا تنتظر الحسنة من أحد". وعلى الرغم من العوائق التي تعترض نشاطها، إلا أنها تتنقل كنحلة، من دون كلل أو ملل، بين المدن وتقطع مسافات طويلة حتى تكون عن قرب إلى جانب الأطفال، وتساندهم نفسيًا ومعنويًا، وحتى قضائيًا من خلال ملاحقة الفاعلين. حسّها المرهف ورقتها وطبيعتها المناضلة، دفعتها، في سنة 2004، إلى تأسيس جمعية "لا تلمس إبني"، التي كانت بداية في حرب طويلة وشرسة ضد اغتصاب الأطفال والتحرش بهم. توضح نجاة أنور أن "هذه الجمعية لم تخلق من محض الصدفة، فإنما هناك أسباب لنزولها، على سبيل المثال وقائع اعتداءات على أطفال عاينتها عن قرب ولاحظت أن هناك محاولة لطمس هذه القضايا، فقررت بمعية عن الآخرين أن نتحرك، وأن نكسر جدار هذا الصمت، وأن تكون حركتنا ضد جميع أشكال الاعتداء على الأطفال وجميع مقترفيها". كسر جدار الصمت كان له ثمنه، وأكبر قسط منه دفعته عائلتها، التي تغيب عنها لفترات، في بعض الأحيان قد تكون طويلة بسبب انشغالها بعدد من الملفات وحضورها جلسات المحاكمات. تؤكد رئيسة جمعية "ما تقيش ولدي" في الحقيقة إن عمل الجمعية يستغرقني نظرا إلى ظروف السفر الكثيرة، وضرورة تواجدي الميداني، وهو ما أطلب معه الصفح من زوجي وأطفالي الذين حتما سيقدرونني، وسيسمحون ما فاتهم من عطف أمومي. ولكني غالبا ما أنتهز الفرصة وأستغل فترة الفراغ لأبقى مزيدا من الوقت في البيت وأحقق ذلك التوازن المفقود نسبيا". وتستقبل الجمعية سنويا العشرات من قضايا اغتصاب الأطفال، وفي تقرير لها، بخصوص سنة 2008، تظهر الإحصائيات أن عدد حالات الاعتداءات الجنسية على الأطفال تزايد بشكل خطر وصادم، إذ وصلت إلى 306 حالات، في الوقت الذي كان ينحصر عدد الحالات المحصية في سنة 2006 فقط في 20 حالة، وفي 2007 في 50 حالة. وبدأت ظاهرة الاستغلال الجنسي، حسب تقرير للجمعية، تأخذ طابعاً بنيويًا وهيكليًا لارتباطها من جهة بجزء من السياحة التي تشكل أحد أعمدة الاقتصاد الوطني، ومن جهة أخرى الطابع المنظم لارتباطها بشبكات ومنظمات إجرامية تجعل من دعارة الأطفال تجارة تتجاوز حدود المغرب، ولها امتدادات على الصعيد الدولي. وتتم هذه الاعتداءات في الأماكن الأكثر أمانًا ومن المقربين لأطفال الضحايا كالبيت الأسري، بيوت الجيران والأقرباء وفي الخيريات والمدارس الداخلية، المخيمات الصيفية وأماكن الشغل بالنسبة إلى خادمات الشغل، أما المعتدون فهم في غالب الأحيان أناس تربطهم بالأطفال الضحايا علاقة الدم.وتأتي مدينة الدارالبيضاء في المرتبة الأولى من حيث عدد الحالات المسجلة، تليها مراكش، ثم أكادير، والقنيطرة. وتتوزع نوعية الاعتداء بالطفل بين اللمس لبعض المناطق الجسدية للمعتدي، ثم الاغتصاب، والاستغلال الجنسي عبر الصور الخليعة، و دعارة الأطفال، واستغلالهم في السياحة الجنسية، الاختطاف، والاغتصاب المصحوب بالعنف، والحمل الناتج من الاغتصاب. *إيلاف