قال الأكاديمي والسياسي والروائي المغربي عبد الله ساعف إن "النص التحليلي المعرفي، بالنظر إلى مناهجه وقواعده، لا يضمن دائما التعبير عن جملة من الأفكار والوضعيات والتصورات"، معتبرا أن "النص الأدبي أكثر انفتاحا من النص الأكاديمي، إذ إن هذا الأخير يقيد ويسجن من يود الكتابة والحكي ويُلجمه بشكل واضح؛ بينما يمنح النص الأدبي الإبداعي حرية أوسع". وأضاف ساعف، صاحب "عودة إلى حلب"، خلال حديثه عن تجربته الروائية في المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته الثلاثين، اليوم الأحد: "عبرت مرارا عن فكرة أو حلم يتعلق ب'النص الشامل'، الذي يحوي البعد التحليلي والسردي والأدبي والشعري، إن اقتضى الحال؛ ومنيتي هي الوصول إلى هذه الدرجة من التعبير، بوصفها الأفق. ويبقى هذا هدفا". وأشار الكاتب الروائي المغربي إلى أن التاريخ يتضمن الكثير من الأمثلة، سواء في عدد من المتون في الأنثروبولوجيا أو السوسيولوجيا أو العلوم الإنسانية المختلفة، التي قدمت صفحات جميلة، بل جميلة جدا، يحضر فيها المقياس الجمالي (الإستيتيقي)، ذاكرا أسماء من قبيل ليفي ستراوس وغاستون باشلار، وقال: "يمكن أن يمثل الأمر أفقا، يحفز على الكتابة وتحسين التعبير ومخاطبة الآخر". كما تحدث صاحب محكيات "مصب الشمس" عن اختياره الكتابة باللغة الفرنسية عوضا عن لغة الضاد، موضحا أن علاقته بلغة موليير كانت "أطول"، وتابع: "دراستي كانت دائما بالفرنسية، وكانت هذه ظروفي الخاصة داخل العائلة، لأن إخوتي توفرت لديهم منذ البداية إمكانية التمدرس" بهذه اللغة الوطنية والدستورية؛ "ولكني أجد الكتابة أسهل بالفرنسية". وأورد ساعف، وهو يتفاعل مع ملاحظة الأكاديمي والناقد والمترجم إبراهيم الخطيب الذي تولى تقديم تجربته الإبداعية، أنه "مع بداية التزامه السياسي وعمله الأكاديمي، شرع في ترجمة النصوص التي يحررها بالفرنسية إلى اللغة العربية". وقال إن هذه المرحلة كانت "طويلة نوعا ما، وتجسدت معالمها في مناقشة الأطروحات والرسائل، وكذلك داخل العمل الحزبي والممارسة السياسية في منظمة العمل الديمقراطي الشعبي آنذاك". ووصف المتحدث المرحلة ذاتها ب"سيرورة تملك اللغة العربية"، مضيفا أن "المطالعة بهذه اللغة كانت، طبعا، حاضرة، خصوصا مع عمالقة الأدب العربي من عيار عبد الرحمن منيف؛ قرأت مؤلفاته كلها، ولاحقا صرت أنتج نصوصا بالعربية، لكني آثرت كتابة رواياتي بالفرنسية بسبب إكراهات الوقت، إذ أحاول الانتهاء من النص بسرعة للانتقال إلى مشروع روائي آخر". وتابع كاتب "سر الشارع الطويل" شارحا: "عندما يصدر العمل بالفرنسية، أفكر في نقله بنفسي إلى العربية؛ لكن داخل هذا المخاض، يبدو مشروع سردي جديد"، مشيرا في هذا السياق إلى "دور الراحل إدريس الخوري في تنقيح بعض نصوصه ومراجعتها واقتراح صيغ مغايرة للجمل"، وزاد: "كان أستاذي في المنزل، وبقيت علاقتي به مع ذلك قوية وجد حميمية إلى أن توفي، فقد كان مثل فرد من العائلة". وبخصوص حضور التاريخ الاجتماعي، الذي أثاره الخطيب في التقديم، سجل ساعف أن نص "حكاية أنه ما... سيرة جنرال مغربي في حرب فيتنام" يناقش بالفعل هذا التاريخ"، مورِدا أن الأمر "يتعلق بشخصية فريدة تعبر عن أوضاع متخلفة ومتواترة في التاريخ المغربي، منذ المرحلة الاستعمارية إلى خروجه إلى فيتنام ولعبه دورا كبيرا فيها؛ لكن محمدا زفراف أخذ عليّ بأن الأمر لا يتعلق برواية، وإنما بعمل توثيقي؛ وهذا صحيح".