اقتداء بكبار الأدباء في العالم وعلى خطى بير كامي بباريس، وبول فاليري بسيت الفرنسية، وسان جون بيريس في أكس أون بروفانس، أصبح لمحمد شكري مؤسسة بطنجة، ولدت بعد عشر سنوات على رحليه، تحمل اسمه، وتهدف إلى جمع اثاره في أرشيف متكامل، تخليدا لذكرى رجل " الخبز الحافي" الذي ربط اسمه بطنجة وجعل منها عاصمة لأدب الهامش. أصدقاؤه المقربون، مثقفون، أدباء، شعراء وكتاب مغاربة التقوا في رحاب "خيمة محمد شكري" التي نصبتها وزارة الثقافة ضمن فعاليات مهرجان "التويزة" للثقافة الأمازيغية والمتوسطية، وأعلنوا عن افتتاح المؤسسة يوم 17 غشت 2013 برئاسة فؤاد العماري نائب رئيس المهرجان وعمدة المدينة. مرت ثمانية أشهر على افتتاحها، ولا زالت أسئلة كثيرة تحوم حول استقلاليتها، نزاعاتها مع عائلة شكري، ومدى احترامها لوصية الراحل. 10 سنوات لتنفيذ الوصية! "الفكرة كانت مطروحة منذ السنوات الأخيرة للراحل وقد اشتغل عليها بنفسه بمعية أصدقائه وأصفيائه إلى أن وضع قانونا أساسيا لها واللجنة التي كانت ستشكل فيما بعد مكتبها المسير، غير أن المنية التي عجلت بوفاته أجلت المشروع إلى حين، ومنذ رحيله والفعاليات الثقافية المحلية والوطنية تنادي بالتعجيل بإخراج هذا المشروع إلى الوجود، وفي الأخير توحدت هذه الجهود لتحقيق الحلم الذي طالما راود شحرور الأدب المغربي الأبيض" هكذا يشرح الزوبير بن بوشتى نائب رئيس المؤسسة دواعي تأسيسها. حلم شكري وهو على فراش الموت بالفكرة وساهم في إعداد القانون المنظم، وأوصى بتجديد العقد بعد وفاته مع وكيل أعماله الألماني روبيرتو دي هولاندا، طالب بجائزة أدبية باسمه وأوصى بترسيم 1000 درهم شهريا لخادمته فتحية، بينما أوصى بحرمان عائلته من ميراثه بعد أن تنكروا له بسبب " الخبز الحافي "، أعاد تنقيح أعماله في أواخر حياته متوقعا إعادة نشرها، وترجمتها من طرف المؤسسة لكن الفكرة مرت كسحابة صيف وظلت أعماله حبيسة الرفوف ولا تزال. "بعد أن جثم المرض على كاهل شكري، زاره العديد من الأصدقاء وأوصى لهم بضرورة أن تخرج مؤسسته إلى حيز الوجود من رصيده المالي دون أن يستجدي أي طرف، لكن بعد وفاته تبخرت الفكرة وتنصل الجميع من وصيته وطوي الملف خصوصا بعد أن دخل الورثة على الخط، قبل أن يفتح بعد عشر سنوات بفضل مهرجان التويزة الذي كان يخصص في كل دورة فقرة خاصة عن شكري وفاء لذكراه". يصرح عبد اللطيف بن يحيى الإعلامي والشاعر الذي اختير رئيسا للمؤسسة. مؤسسة "طنجاوية" الاحتكار "مدينة طنجة كانت ولازالت وستظل فضاء كونيا للتمازج الثقافي ولحوار الحضارات والأديان ومجالا تشاركيا لممارسة ثقافة التسامح والتآخي، والمؤسسة جاءت لتضيف على المشهد بعدا ثقافيا" يقول الزوبير بن بوشتى قبل أن يضيف بافتخار " هي المدينة التي تحتضن مؤسسة سيدي عبد الله کنون للثقافة والبحث العلمي، كما تحتضن مؤسسة إليزا كيمينتي وهي كاتبة وشاعرة إيطالية، وتحتضن مكتبة خوان غويتيسولو، وقاعة مسرح صغيرة تحمل إسم صامويل بيكيت... فكيف لا يجد محمد شكري مؤسسة تخلد إسمه في مدينة أحبها وعشقها إلى حد الجنون وكتب فيها وعنها وعاش ودفن فيها؟". مؤسسة شكري حسب أعضائها اللذين ينتمي أغلبهم لمدينة طنجة جاءت لتعيد الاعتبار للخصوصية الثقافية لعروس الشمال، طنجة التي تحترم قيم الحرية والتعددية، والتنوع الثقافي والإبداعي كمنطقة دولية استضافت أشهر الشخصيات. لكن اخرين اعتبروا هيكلة المؤسسة إقصاء لمثقفي باقي المغرب واحتكار لاسم شكري المغربي قبل أن يكون طنجيا. "عندما كان يسأل شكري عن هويته، كان يجيب بأنه " طنجاوي" ما كان يعرفه هو طنجة منذ أن هرب من الريف سنوات المجاعة لم يعد يتذكر شيئا عن منطقته الأصل بني شيكر. شكري كان محدودا بطنجة وكان يتساءل لو وضعت في جنوب المغرب أو في وسطه أو شرقه أو غربه سأحس بنفسي غريبا" هكذا يدافع بنحيي قبل أن يتساءل " لماذا سأستدعي أسماء أخرى؟ حينما يؤسس اخرون جمعياتهم الثقافية هل يفكر أحد منهم في استدعائنا، هي مؤسسة محلية ببعد جهوي ووطني وعالمي أيضا، شكري ترجم لأكثر من 30 لغة، كانت له امتدادات في كل العالم ونحن جئنا لنكرس ذلك، يخليونا نشتغلوا شوية على خاطرنا". يعد عبد اللطيف بن يحيى بمشروع متكامل وطموح أهم نقاطه خصوصية المؤسسة في تبني " أدب الهامش" الذي أبدع فيه الراحل وجنس السيرة الذاتية، وإحداث جائزة أدبية باسمه لدعم أدباء الظل والعصاميين. ماذا ترك شكري؟ "عائلة شكري مقصية من المؤسسة، ولم يكن هناك تواصل معنا بعد تأسيسها، المؤسسة عرفت "كولسة" والعديد من الأشخاص لم يعجبهم الوضع، ومن بينهم مثقفين تم إقصاؤهم وهو ما يتعارض مع وصية شكري التي ناضلت من أجلها لكي تخرج لأرض الواقع " يقول طارق شكري باستنكار، ابن أخ الراحل الذي يحمل توكيلا عن العائلة، قبل أن يضيف " سنتين والشقة مشمعة وناضلت لكي نستعيد إرثه وحافظنا عليه لسنوات عديدة ولو أردنا بيعه لقمنا ببيعه لجهات أجنبية بمبالغ مهمة، لكننا رفضنا ولا زلنا نرفض تسليم إرثه لمن لا يحترم الشروط الأخلاقية التي ندعو إليها". شروط لحد الساعة لم يصرح بها طارق ولم يدخل في تفصيلها " هذا حق للعائلة، ونريد ضمانه، نريد أشخاص لكي ينوروننا لا أن يطمسوننا" يقول طارق. مقربون من الراحل صرحوا أن التحف واللوحات والأغراض النفيسة التي تركها شكري قد تم تقاسمها بين الورثة، ولم يتبقى أي شيء مهم يذكر بعد 10 سنوات مضت. حسب عبد اللطيف بنحيى لا زال الحوار مفتوحا رغم بعض الصعوبات " كنت صديقا مقربا لشكري لأربعين سنة وأعرف جيدا أنه لم يكن يملك أي شيء نفيس، كل الكتب ، والأسطوانات والشرائط كنت أزوده بها لكنه يملك لوحات ثمينة لفنانين مغاربة كبار منها لوحة بورطريه جميلة جدا للرسام إبراهيم السلفاتي، ولوحة محمد الإدريسي وأخرى لرشيد الأندلوسي، إضافة للمراسلات والصور التي كانت بينه وبين شخصيات عالمية وكذا مسودات أعماله، ما عدا هذه الأمور لا يجب أن نقف كثيرا عند تركة شكري، فالعمل الذي تعتزم المؤسسة القيام به يتجاوز تركته إلى الاهتمام بكتاباته وإرثه الفكري" وفيما يخض الشروط التي طالبت بها عائلة شكري فقد صرح بنيحيى أن ابن شقيق شكري ظل غامضا ولم يفصح عما يريد". رهان الاستقلالية ارتباط تأسيس المؤسسة بحضور فؤاد العماري عمدة المدينة ووعوده بإعطاء مبلغ 100 ألف درهم كدعم للجمعية الحديثة التأسيس جعلت أصوات تصف الجمعية بأنها ولدت وفي فمها " ملعقة من ذهب"، نظرا لدخولها بشكل قياسي لجدولة أعمال المجلس الحضري للمدينة وحصولها على الدعم في وقت وجيز. لكن لبنيحيى رأي اخر " أقول بكل صدق أنه لم يسبق لأحد أن تدخل في عملنا، ونمارس أنشطتنا بكل حرية دون أي ضغط، أسسنا المؤسسة رفقة نخبة ثقافية وخليط من المبدعين والأدباء وهو ما أعطى ميلاد المؤسسة وليس مع فؤاد العماري، وإن حدث أي تدخل فسأكون أول من يرمي بمفاتيح المؤسسة على وجوههم".