في مثل هذا اليوم من السنة الماضية، (الجمعة 6 شتنبر 2008) كنت قد قضّيت أول ليلة داخل "الكاشو" في مخفر الشرطة بولاية الأمن في أگادير. التهمة: نشر مقالات في موقع "هسپريس" وعلى صفحات مدونتي الشخصية فيها إخلال بالاحترام الواجب للملك! "" التهمة ثقيلة، تقود صاحبها إلى نيْل سنتين إلى خمس سنوات من السجن حسب قانون الصحافة، لكن الغريب في الأمر هو أن كل ما كتبته ليس فيه أيّ إخلال بالاحترام الواجب للملك ولا لأيّ فرد آخر من أفراد العائلة الملكية الحاكمة! قضّيت ثلاثة أيام في مخفر الشرطة المتعفن، وأربعة أيام ونصف اليوم داخل السجن المدني بمدينة إنزگان، قبل أن يضع الله حدّا لمعاناتي مع إكمال الأسبوع لدورته العادية. اعتقلوني يوم الخميس، وأفرجوا عني يوم الخميس الموالي. النتيجة: "شوهة" كبيرة للدولة على المستوى العالمي، فقط لأن الذين حركوا القضية ضدي تصرفوا بهواية سياسية ليس لها مثيل. مضت الآن سنة كاملة على ما جرى، لكن قشعريرة خفيفة ما تزال تسري في جسدي كلما شاهدت أحد مقاطع الڤيديو المؤرخة للذكرى السيئة على "يوتوب". مذيعة قناة "الجزيرة" تخبر المشاهدين عن اعتقال مدون مغربي، وتربط الاتصال بمهتمّين من المغرب لشرح أسباب ذلك. مغاربة يعلقون صورا ضخمة للمدوّن المعتقل في أكبر العواصم العالمية. آخرون يجلسون أمام كاميراتهم الخاصة ويعبّرون عن تضامنهم ومؤازرتهم كل بطريقته الخاصة. "الحرية لمحمد" هو الشعار الذي اتفق عليه الجميع. مذيعة القناة الثانية تفتتح نشرة أخبار الساعة التاسعة إلا ربع بنبأ الافراج عن محمد الراجي، قبل أن تختفي ويظهر روپورتاج أنجزه مراسل القناة من إنزگان، أظهرُ فيه بجسد نحيل يكسوه قميص أصفر وسروال قصير، الأمتعة الأخرى التي أرسلتْها إليّ عائلتي تركتها داخل السجن. الشوق إلى الحرية يجعل الانسان مستعدا للتخلي عن كل شيء... الآن أتخيل نفسي لو لم يتم إلغاء المتابعة وأيّدت محكمة الاستئناف حكم المحكمة الابتدائية، كنت سأقضي الآن نصف العقوبة، في انتظار إكمال النصف الباقي في مثل هذا التاريخ من السنة القادمة. لا أعرف كيف كنت سأصير بعد ذلك، أذكر أنني قلت لأخي عندما زارني في السجن أنّي سأفقد عقلي إذا بقيت في هذا المكان لشهر أو شهرين، وحتى إذا خرجت بعقل سليم سأكون قد فقدت سنتين كاملتين من عمري دونما سبب وجيه. لا أفهم ماذا يمكن للدولة أن تربح عندما تضع شخصا يعبّر عن رأيه وراء القضبان، أتحدث هنا عن الرأي المسالم الذي لا يحرّض على فتنة ولا قتل ولا إجرام. لكنني أعرف السبب، إنهم يخافون من الحقيقة، الخوف لا يعشّش إلا عقول الجبناء، هؤلاء تعوزهم الشجاعة لمواجهة الرأي برأي آخر، لذلك عندما تخالفهم الرأي يسْرعون إلى رميك داخل زنزانة قذرة، ولأطول مدة ممكنة، هكذا يواجه الجبناء من يفترض أنهم "خصومهم". من يخاف من رأي الآخر لابد أنه يقترف أشياء سيئة في الخفاء! ما يؤلمني هو أن المغرب عوض أن يقطع علاقاته مع الماضي يفعل العكس ويزيد في تمْتينها. يقولون كلاما جميلا في التلڤزيون ويضربون كلامهم في الصفر على أرض الواقع، إنها السيكيزوفرينيا في أقصى درجات وضوحها! في زمن الأنترنت والفضاء المفتوح عن آخره ما زالوا يقمعون الصحف الوطنية ويمنعون الصحف الأجنبية من الدخول إلى المملكة، فقط لأن صفحاتها تحوي كلمات وجملا أو أرقاما لا تتوافق مع مزاج أصحاب القرار. يتلفون الصحف الوطنية ويمنعون الصحف الأجنبية من الدخول إلى بلدنا وكأنهم لا يعرفون أن ضغطة واحدة على أحد أزرار لوحة مفاتيح الحاسوب تكفي لكي يطلع الناس على مضمون الجريدة التي عرضوها للمنع. بماذا يمكن تفسير ذلك؟ ليس هناك تفسير أكثر بلاغة من هذا: إنهم يعانون من البلادة الفكرية والمعرفية! المغرب بحاجة إلى مسؤولين بعقليات منفتحة تستطيع أن تتطور مع تطور العصر، عوض الاستعانة بمسؤولين يعيشون في السنة التاسعة من القرن الواحد والعشرين، وداخل جماجمهم ترقد عقليات تعطلت محركات تطورها عند نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي! هؤلاء يجعلون منّا أعداء للوطن، والله يشهد أنهم هم العدوّ الأول والأخير لهذا الوطن! المغرب بلد جميل بطقسه وشمسه وبحره وسهوله وجباله وموقعه الجغرافي، لكن أبناءه يرونه قبيحا، ويضحّون بأرواحهم لمغادرته بأيّ طريقة، لأن مسؤوليه لا يهنأ لهم بال إلا عندما يرون القبح يسود فوق كل مساحات الجمال! هؤلاء لا يريدون للمغرب أن يتقدم، ولا يريدون له أن يصير بلدا ديمقراطيا كما يزعمون، ففي تقدم بلدنا تزدهر رفاهية الشعب، وتنتكس مصالحهم الشخصية، وبما أن الشعب في بلدنا ليس هو من يختار مسؤوليه كما يحدث في البلدان الديمقراطية، فمن الطبيعي أن يفعل هؤلاء ما يشاؤون، يسجنون الصحفيين والكتاب والمدوّنين، ويمنعون الجرائد والمجلات والكتب، متذرّعين بحماية الأمن العام للبلد، والحال أن هدفهم الأسمى هو تأمين ما يكفي من الحماية لمصالحهم الفردية! المحزن في حكاية هذه المملكة الحزينة هو أنها صارت مثل سفينة شراعية ضاعت أشرعتها وظلت عالقة في عرض البحر تتحرك جيئة وذهابا، لكنها لا تبرح مكانها أبدا، في انتظار أن تأتيها موجة عنيفة وتجعل عاليها سافلها وتنتهي في قاع البحر. الأحزاب السياسية والنقابات العمالية هي التي تشكل أشرعة البلدان، ومن يتأمل في الحال الذي آلت إليه الأحزاب والنقابات في بلدنا، سيقتنع للوهلة الأولى أن المغرب يشبه حقا سفينة بلا أشرعة. فمن سينقذ هذه السفينة من الغرق يا ترى؟؟؟ تنويه : بمناسبة الذكرى الأولى لاعتقالي، أتوجه بالشكر الجزيل إلى كل الذين واللواتي تضامنوا معي سواء بأقلامهم أو أصواتهم أو دعواتهم ... أشكر كل الصحافيين الذين خصصوا مقالات وأعمدة لقضيتي ... أشكر القراء الذين كتبوا مئات التعلقيات للمطالبة بالافراج عنّي... أشكر مغاربة العالم الذين رفعوا صوري في المدن العالمية الكبرى... أشكر كل من كتب إليّ رسالة أو اتصل بي عبر الهاتف... أشكر المحامين الذين نصّبوا أنفسهم للدفاع عني بدون أي مقابل... أشكر كل الذين حضروا إلى المحكمة لمؤازرتي... أشكر أصحاب هذا الموقع الذين وقفوا بجانبي ماديا ومعنويا حتى مرّت الأزمة بسلام... أشكر زملائي الذين ظلوا يكتبون مقالات في هذا العمود إلى غاية عودتي... أشكركم جميعا مع وعد بعدم نسيان فضلكم عليّ ما حييت... [email protected]