إذا كان الأكيد أن الجزائر لا تنظر بعين الرضا إلى زيارات الملك محمد السادس المتكررة إلى بلدان غرب إفريقيا، والتي تحمل في جعبتها مشاريع تهم التعاون الاقتصادي والديني أيضا، فإن هناك أسئلة بدأت تتناسل بخصوص مدى استساغة طرف آخر، هو المملكة العربية السعودية، بما سماه البعض تصدير المغرب لمذهبه المالكي إلى تلك البلدان الإفريقية. وتشهد عدد من بلدان إفريقيا الغربية هيمنة أنماط معنية من التدين، خاصة التدين السني الصوفي الذي يسود دولا بعينها، وأيضا المذهب الشيعي الذي تصدره إيران ويدين به الملايين في بلدان غرب إفريقيا، فضلا عن المشروع السلفي الوهابي التابع للملكة العربية السعودية. وطرح مراقبون سؤالا محوريا يتعلق بمدى قبول السعودية بمحاولة المغرب تصدير تدينه الخاص، إن صح التعبير، إلى هذه الدول الإفريقية، وهل لا تناقض سياستها الدينية بالخارج، حيث تهتم هي الأخرى بتلك المنطقة، خاصة بعد اتفاقيات التعاون الديني المتمثلة في تكوين مئات أئمة المساجد من مالي وغينيا، علاوة على نشر المصاحف بقراءة ورش التي يعتمدها أهل المغرب. ويرى محللون أنه ليس على السعودية أن تقلق من الطابع الديني لزيارة الملك لدول إفريقية، لكونها زيارة تحمل في طياتها مشاريع دينية تقطع الطريق أساسا على المشروع الشيعي بالمنطقة، كما أنها توافق أهداف التيار الإصلاحي للتدين السعودي على حساب التيار التقليدي. حمادة: الترابط الروحي بين المغرب وإفريقيا المسلمة هذه الإرهاصات والتساؤلات حملتها هسبريس إلى الباحث في الشأن الديني، منتصر حمادة، والذي أكد أن التسليم بأن الزيارة الملك محمد السادس إلى بعض الدول الإفريقية، قد تشكل قلقا بالنسبة للسعودية، باعتبار أن المغرب يراه البعض يصدر المذهب المالكي إلى هذه الدول الإفريقية في سياق التعاون الديني، بينما السعودية بدورها تهتم بتلك المنطقة، يفترض التسليم المسبق بأن السياسة الدينية السعودية متفق عليها، وأنه لا توجد أي تحولات ومستجدات في مشروع "تصدير التدين السعودي" للخارج. ولفت حمادة إلى أن "الواقع يقول إنه مباشرة بعد اعتداءات 11 شتنبر 2001، تأكد لاحقا أنه جرت مشاورات ونقاشات في أورقة صناعة القرار في السعودية بخصوص حتمية مراجعة السياسية الدينية المتبعة في الخارج، ردا على الاتهامات الصادرة في الأروقة الغربية، والتي وصل بعضها إلى شيطنة الوهابية. وأفاد الباحث بأن "زيارة الملك محمد السادس لإفريقيا، بحمولتها الدينية أساسا تراهن بداية على إحياء ماضي عريق، حيث كانت العلاقات الدينية بين المغرب ومجموعة من الدول الإفريقية المسلمة تعيش على إيقاع "الترابط الروحي" بحكم القواسم المشتركة التي كانت تميز هذه الوحدة، وخاصة في شقها العقدي والمذهبي والسلوكي". ويشرح حمادة بأن "التصوف كان مثلا عاملا دينيا موحدا، قبل ظهور مستجدات دينية خارجية قادمة من المشرق، تركت تأثيرا جليا على معالم هذه الوحدة"، مشيرا إلى المشروع السلفي الوهابي، التابع للسعودية، مقابل المشروع الشيعي التابع لإيران، في إطار انخراط هذه القوى الإقليمية في تصدير أنماط معينة من التدين نحو الخارج، ومنه القارة الإفريقية". وزاد المتحدث بأنه "يكفي الاطلاع على معالم المؤسسات الدينية في غرب إفريقيا اليوم، والتي نهل بعضها بشكل واضح من المشروع السلفي الوهابي أو المشروع الشيعي، وخاصة لدى بعض الجمعيات الدينية، حيث إنه إلى حدود مطلع الألفية الجارية، لم نكن نسمع مثلا عن السلفية في الساحة الموريتانية. واليوم، يكمل منتصر، أصبحنا نسمع عن تيارات سلفية جهادية في موريتانياومالي وغيرها من الدول الإفريقية التي كانت تتميز بغلبة التدين التقليدي الصوفي، قبل أن تجد نفسها اليوم معنية بالتفاعل مع أنماط جديدة من التديّن، مغايرة تماما للأنماط الدينية التقليدية التي كانت تعج بها منذ قرون مضت". زيارة الملك تخدم التيار الإصلاحي السعودية وجوابا على سؤال هسبريس الرئيسي بمدى انزعاج السعودية من التعاون الروحي بين المغرب ودول غرب إفريقيا، قال حمادة إنه "لا يعتقد أن السعودية تنظر بعين القلق إلى الطابع الديني لزيارة الملك محمد السادس للدول الإفريقية، وذلك بسبب مجموعة من الاعتبارات". العامل الرئيس الأول، بحسب الباحث، يتجلى في كون زيارة الملك محمد السادس لتلك الدول الإفريقية تصب في سياق قطع الطريق على المشروع الشيعي في المنطقة، وهو المشروع الذي أصبح بارزا خلال العقود الأخيرة" وفق تعبير حمادة. وثاني هذه الاعتبارات، يضيف المتحدث، أنها تساهم بشكل غير مباشر في تغذية التيار الإصلاحي للتدين السعودي على حساب التيار التقليدي، بحكم أننا نعاين منذ عقد تقريبا صراعات في أورقة صناعة القرار السعودي بين اتجاهات إصلاحية مقابل اتجاهات تقليدية، أخذا بعين الاعتبار أن لكل اتجاه رموزا في المؤسسة الملكية وفي مؤسسة العلماء، وبالتالي هناك تدافع على الانتصار لهذا الاتجاه أو ذاك". واستطرد المحلل بأنه يكفي تأمل طبيعة تفاعل النخبة السعودية وعامتهم أيضا مع بعض الأعمال الإصلاحية في أروقة المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرياض، والذي يعتبر أكبر معرض للكتب في الوطن العربي، حيث نعاين إقبالا واضحا لنخبة وعامة السعودية على اقتناء العديد من الأعمال الإسلامية التي تُصنف في خانة تجديد الخطاب الديني، والتي تبتعد عن مشاريع الحركات الإسلامية والتيارات السلفية". وخلص حمادة إلى أنه "يمكن قراءة زيارة الملك محمد السادس في شقها الديني على الأقل، في أنها تنتصر للتديّن الوسطي والإصلاحي، الذي يقطع الطريق على المشاريع الإسلامية الحركية، وتنخرط في تغذية المشاريع الإصلاحية لدى صانعي القرار في السعودية".