شاهدت بثا مباشرا لأحد الانفصاليين يتحدى فيه المغاربة للإجابة على سؤال: "إذا كانت الصحراء مغربية فعلا، فلماذا اقتسمها مع موريتانيا وجعل منطقة وادي الذهب تحت إدارتها سنة 1975 غداة التوقيع على اتفاقية مدريد الثلاثية بين إسبانيا، والمغرب وموريتانيا"؟ وأضاف ساخرا "من استطاع منكم الإجابة على هذا السؤال، فإنني سأعلن على الملأ أن الصحراء مغربية". يوظف الانفصاليون هذا النوع من الأسئلة كأداة في "البوليميك" السياسي، لاستدراج ردود فعل عاطفية أو غير متماسكة من المدافعين المغاربة، واستخدامها لاحقًا كمادة ساخرة في برامجهم بهدف إضعاف الحجج المغربية، وتعزيز مواقفهم. في السياق السياسي، كما يعكس هذا الأسلوب ازدواجية مواقف الانفصاليين، إذ يتجاهلون السياق التاريخي لاتفاقية مدريد التي جاءت نتيجة لضغوط إقليمية ودولية معقدة، ويغفلون حقيقة أن تقسيم الإدارة بين المغرب وموريتانيا كانت خطوة تكتيكية لضمان الاستقرار واسترجاع السيادة للمغرب على المدى البعيد. إن "البوليميك" السياسي الذي يتبناه الانفصاليون يعكس إفلاسهم الفكري، إذ يعتمدون على التشكيك وخلق الجدل بدلا من تقديم روايات مدعومة بأدلة قوية. فإذا كانت حماية الحدود المغربية تتطلب تخريج جنود نظاميين مدربين على مختلف أنواع الأسلحة من أكاديميات عسكرية، فإن الترافع عن قضية الصحراء لا يقل أهمية عن ذلك، حيث يجب تأسيس أكاديمية خاصة بتكوين وتأطير المدافعين عن الصحراء وإعطائهم الكفايات اللازمة للتصدي للأطروحة الانفصالية. بعد إنشاء مركز تجاري في شبه جزيرة وادي الذهب (الداخلة حاليًا) عام 1884، أصدر الملك الإسباني مرسومًا يضع كل الشريط الساحلي الممتد بين الرأس الأبيض ورأس بوجادور تحت إدارة وزارة ما وراء البحار في مدريد. شكل هذا القرار بداية محاولة إسبانية لتثبيت وجودها في الجنوب المغربي، رغم تصاعد المنافسة الاستعمارية بين إسبانيا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا. المرسوم الملكي زاد من متاعب الاستعمار الإسباني، بحيث كشف وجودها عن ضعف إسبانيا وعدم قدرتها على حماية مركزها التجاري وتأمين مستخدميه، مما جعلها تواجه مقاومة وتحديات كبيرة منعتها من توسيع نفوذها خارج هذا الشريط الساحلي، خصوصًا في المناطق الجنوبية والشرقية من وادي الذهب. وعيا بهذا الضعف، سعت إسبانيا مرارًا وتكرارًا لعقد اتفاقيات مع فرنسا، التي كانت تهيمن على الجزائر والسنغال وموريتانيا، باعتبارها قوة استعمارية كبرى، لكن كل المحاولات لتحقيق طموحات مدريدالإقليمية سنتي 1886 و1891 باءت بالفشل، على الرغم من تدخل ملك الدنمارك كوسيط بين الدولتين الاستعماريتين. لقد كانت فرنسا حريصة على عدم منح إسبانيا موطئ قدم قد يهدد مصالحها في مستعمراتها بغرب إفريقيا. مع نهاية القرن التاسع عشر، اشتدت المنافسة الاستعمارية مع دخول بريطانيا وألمانيا على الخط، حيث كانت كلتا الدولتين تسعيان لتوسيع نفوذهما على السواحل الأطلسية المغربية. مما دفع هذا التهديد المشترك كلا من فرنسا وإسبانيا إلى مراجعة استراتيجياتهما والبحث عن سبل للتعاون، لأن فرنسا حريصة على احتواء الأطماع البريطانية والألمانية وتأمين مناطق نفوذها، بينما أرادت إسبانيا الحفاظ على امتيازاتها في الصحراء وتعزيز موقعها الاستراتيجي لحماية مصالحها في جزر الكناري المقابلة للسواحل الأطلسية المغربية، خاصة بعد اضطرار بريطانيا للانسحاب من طرفاية سنة 1895. في 27 يونيو 1900، وقعت الدولتان معاهدة باريس التي حددت بموجبها فرنسا الحدود الجنوبية والشرقية للمناطق الخاضعة للنفوذ الإسباني، والتي كانت تهدف إلى تحجيم طموحات بريطانيا في المنطقة. إلا أن هذه المعاهدة لم تحسم الخلافات بشكل كامل، مما أدى إلى تجدد المفاوضات في عام 1902 حول السواحل الواقعة بين وادي درعة ورأس بوجادور، وكانت فرنسا تسيطر على الموقف في هذه المرحلة، مستفيدة من قوتها الاستعمارية في الجزائر والسنغال وموريتانيا، مما مكنها من الحفاظ على توازن المصالح بين القوى الكبرى. لقد شهدت مراحل التفاوض بين فرنسا وإسبانيا توترا شديدا بسبب ازدياد الهجومات ضد الجيوش الفرنسية داخل التراب الموريتاني من طرف المقاومة التي كانت تنطلق من داخل الصحراء، حيث قواعدها الخلفية للعمليات. حسب الاتفاق الفرنسي الإسباني وتقاسم مناطق النفوذ، فإن إسبانيا تقاعست عن حماية حدودها مع فرنسا، بل إنها حملتها مسؤولية قتل جنودها، من طرف المقاومة التي كانت موجهة أساسا للاستعمار الفرنسي داخل التراب الموريتاني. والحقيقة، فإن إسبانيا لم تكن مستعدة عسكريا للدخول في مواجهة المقاومة، لأن سياستها كانت تقتضي حماية مصالحها عبر مهادنة المقاومة واستمالة شيوخ القبائل، الأمر الذي يفسر عدم قدرتها على احتلال مناطق أبعد من خليج وادي الذهب. ارتفاع عدد قتلى الجنود الفرنسيين وعدم قدرة إسبانيا على تأمين الحدود، دفع فرنسا إلى استمالة إسبانيا للتوقيع على اتفاقية سرية بينهما، لكن مدريد تراجعت خوفًا من ردود الفعل البريطانية، التي كانت قد وقّعت مع المغرب معاهدة سنة 1895 تمنع مقتضياتها أي تنازل مغربي عن طرفاية لأي قوة استعمارية، مقابل انسحابها من المنطقة. لحل الأزمة الفرنسية-الإسبانية واستبعاد التواجد البريطاني في المناطق الجنوبية للمغرب، اضطرت فرنسا إلى تقديم تنازلات استراتيجية كبيرة، أبرز ها التنازل عن مصر لصالح بريطانيا في 8 أبريل 1904، ضمن إطار تفاهمات دولية تعرف باسم "التفاهم الودي(Entente Cordiale) ". في المقابل، حصلت فرنسا على دعم بريطانيا لتمكين إسبانيا من توسيع نفوذها الاستعماري شمال منطقة وادي الذهب. في 3 أكتوبر 1904، تم توقيع اتفاقية حاسمة بين فرنسا وإسبانيا حددت بوضوح حدود النفوذ الإسباني في المنطقة، شملت هذه الأراضي الواقعة بين خطي العرض 26° و40° شمالا و27° جنوبًا، وتمتد شرقًا حتى خط الطول 11°. الاتفاقية لم تكتفِ بترسيم الحدود، بل فرضت التزامات وشروط إذعان على إسبانيا، منها عدم التنازل عن هذه المناطق لأي قوة أخرى دون الحصول على موافقة مسبقة من فرنسا. كانت هاتان الاتفاقيتان (1900 و1904) هما المعاهدتين اللتين تم بموجبهما تقسيم الصحراء على النحو الذي نرى فيه خطوط تقسيم ما كان يسمى ب "الصحراء الإسبانية" على الخرائط العالمية. وبالتالي فإن تقسيم الصحراء بين المغرب وموريتانيا بعد توقيع اتفاقية مدريد سنة 1975 جاء بناء على تفاهمات قانونية وسياسية ثنائية بين الجارين لإنهاء الاستعمار الإسباني واستعادة المغرب سيادته على جزء كبير من أراضيه الجنوبية وفقا لمبادئ القانون الدولي التي تقر بحقوق الدول في استعادة أراضيها التي تعرضت للاحتلال. إذن فالتوافق السياسي بين المغرب وموريتانيا جاء كحل دبلوماسي لضمان انتقال سلس لإدارة الصحراء بعد الانسحاب الإسباني، حيث تولى المغرب إدارة جهة العيون الساقية الحمراء، بينما أوكلت لموريتانيا مسؤولية إدارة إقليم تيرس (جهة وادي الذهب)، ولم يكن هذا الترتيب تقسيما نهائيا للأراضي، بل أداة مؤقتة لتفادي التصعيد الإقليمي وضمان تحقيق أهداف المغرب في تحرير أراضيه في ظل ضغوط دولية وتهديدات ليبيا والجزائر اللتين سلحتا جبهة البوليساريو للهجوم على نواكشوط في يونيو 1976، سنة واحدة بعد الاتفاقية الثلاثية. بعد اشتداد الضغط على موريتانيا في معركة أوسرد والكويرة والهجوم على نواكشوط ومعارك أم كرين وتيشلا، فضلا عن الضغوط السياسية والاقتصادية والانقلاب العسكري، انسحبت موريتانيا من إقليم تيرس (جهة وادي الذهب) سنة 1979 بعد توقيع اتفاقية سلام مع البوليساريو تحت رعاية الجزائر. هذا الانسحاب فتح الباب أمام المغرب لاستكمال واسترجاع سيادته على جهة وادي الذهب بشكل استباقي مباشرة بعد انسحاب الجيش الموريتاني وانهزام فلول الجزائر والبوليساريو في معركة بئر أنزران المجيدة، وبعد استعادة وادي الذهب، بدأ المغرب في تعزيز وجوده السياسي والاقتصادي في الصحراء من خلال مشاريع تنموية ضخمة وبنية تحتية متقدمة، مما يعكس التزامه بتحقيق التنمية والازدهار في المنطقة. استنادا على هذا التحليل التاريخي لتقسيم الحدود بين الاستعمارين الفرنسي والإسباني، يظهر بوضوح كيف استخدمت القوى الاستعمارية الاتفاقيات لتقسيم المناطق بما يخدم مصالحها، وعلى الرغم من ذلك، تمكن المغرب من التمسك بحقه في استعادة أراضيه بناء على أسس قانونية وتاريخية، لذلك ندعو الانفصاليين إلى اعتماد الموضوعية بدلا من التأويل الناشز، والترويج لسرديات لا تتماشى مع الحقائق التاريخية ولا تجد لها سندًا قانونيا أو مشروعية على الأرض.