قال حسن بويخف، رئيس جمعية "تامازيغت لكل المغاربة"، أن "الأمازيغية كرصيد مشرك لكل المغاربة، ومكون من مكونات هوية المغرب الأساسية، لا يجب أن تكو محل أي تنازع من أي نوع".. وأوضح في هذا السياق أن "شأن هذه اللغة الرسمية كالدين ونظام الحكم والوحدة الترابية للمملكة واللغة العربية، لا ينبغي لشأنها أن يخضع لمنطق الأغلبية والمعارضة بل لمنطق الحوار والتوافق والإجماع على مستوى الوطن". وعبر بويخف، في الجزء الثاني من حواره مع هسبريس، عن قلقه الشديد لغياب الجاهزية داخل الحكومة والأحزاب السياسية في التعاطي القانون التنظيمي للأمازيغية، مقابل الجاهزية التي عبرت عنها مبادرات المجتمع المدني.. وقال بويخف إن الحكومة لم تبادر إلى تشكيل أي لجنة ولا فتحت مشاورات مع البرلمان والأحزاب ومع المجتمع المدني حول المقاربة التي ينبغي اعتمادها في المسألة الأمازيغية بعد أن نشب الصراع بينها وبين المؤسسة التشريعية حول من له الحق في المبادرة التشريعية في القوانين التنظيمية، كما اعتبر أن "مسألة الأمازيغية ولدت وترعرعت في رحم المجتمع المدني"، مسجلا أن جاهزية المجتمع تعبر عن نفس وبعد نضالي واهتمام يومي. بعد أزيد من سنتين من تصويت المغاربة على الدستور الذي نص على الأمازيغية لغة رسمية ثانية للدولة، لماذا في نظركم هذا التأخر في تنزيل القانون التنظيمي لتفعيل طابعها الرسمي؟ التأخر في إخراج القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وإدماجها في الحياة العامة لا يعكسه البعد الزماني، لأن القانون المعني مطلوب إعداده دستوريا داخل الولاية الحكومية الجارية، وما يزال في عمرها سنتان تقريبا.. لكن الذي نعتبره مقلقا فعلا هو غياب الجاهزية للتعاطي مع هذا القانون، فمقابل الجاهزية التي عبرت عنها مبادرات المجتمع المدني في هذا الصدد، نجد غياب مثل هذه الجاهزية لدى الأحزاب ولدى الحكومة. ما المقصود بالجاهزية الحكومية؟ "المخطط التشريعي برسم الولاية التشريعية التاسعة" الذي وافق عليه المجلس الحكومي المنعقد بتاريخ 22 نونبر 2012، حصر الأطراف المعنية بإعداد مثل هذا القانون في الجهاز الحكومي والديوان الملكي حيث اعتبر القانون التنظيمي حول الأمازيغية وأمثاله، وانطلاقا من الفصل 49 من الدستور، عملا مشتركا بين الحكومة والديوان الملكي. وتحدث المخطط التشريعي عن أن رئيس الحكومة سوف يشكل لجنة خاصة لتحضير الأرضية والتصور العام والاختيارات التي يمكن على ضوئها إعداد المشروع من قبل السلطات الحكومية المعنية، وبغض النظر عن قصور هذه المقاربة، فالحكومة لم تبادر إلى تشكيل تلك اللجنة ولا فتحت مشاورات مع البرلمان والأحزاب ومع المجتمع المدني حول المقاربة التي ينبغي اعتمادها بعد أن نشب الصراع بينها وبين المؤسسة التشريعية حول من له الحق في المبادرة التشريعية في القوانين التنظيمية. وكان على الحكومة منذ أثير اللبس حول من له الحق في المبادرة التشريعية في القوانين التنظيمية أن تعمل منهجية التوافق مع المؤسسة التشريعية في هذا الصدد، وضاع وقت ثمين كان من بين ضحاياه القانون التنظيمي حول الأمازيغية، و تابعنا مهازل طرح مقترحات قوانين تنظيمية تليها عمليات سحب لها بعد ذلك. ولا أحد يستطيع أن يتكهن برؤية الحكومة لمضامين ذلك القانون، بغض النظر عن الاختلاف الحاصل حول منهجية إعداده. هل هذا يعني أن هذه الحكومة متهاونة في ملف الأمازيغية؟ أنا أتحدث عن ورش القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وإدماجها في الحياة العامة، أما من الناحية العملية فنحن نرصد مؤشرات مهمة في إطار الإدماج العملي للأمازيغية في الحياة العامة، فعلى مستوى الإعلام تم رفع حصة حضور الأمازيغية بقنوات الأولى و الأمازيغية والسادسة والثقافية كما أن حرف تيفيناغ أصبح يرافق البرامج بالقناة الأمازيغية. وتم إطلاق البوابة الالكترونية لوكالة المغرب العربي للأنباء باللغة الأمازيغية والتنصيص بوضوح في العقد البرنامج الذي تم توقيعه لدعم الصحافة المكتوبة على أهمية ومكانة وحضور اللغة الأمازيغية. وعلى مستوى إدماج الأمازيغية في التعليم رفع شعار مليون تلميذ، وفتحت ثلاث مراكز لتكوين الأساتذة في الأمازيغية وتم تدعيم الموارد البشرية العاملة في هذا المجال. وعلى مستوى الهوية البصرية الداعمة لرسمية الأمازيغية اعتمد حرف تيفيناغ في الوثائق الرسمية لأغلب الوزارات وفي مواقعها الرسمية وعلى بنايات بعضها، إلى غير ذلك من المؤشرات.. وهذه الوتيرة لاشك سوف تتعز بقوة حين اعتماد القانون التنظيمي، ونحن ننتقد ضعف جاهزية الحكومة والأحزاب والبرلمان في هذا الصدد وغموض موقع المجتمع المدني في هذا الورش. الأحزاب هي الأخرى غير جاهزة؟ تابعنا تعاطي الأحزاب مع القانون التنظيمي المتعلق بالأمازيغية، ورصدنا ضعفا كبيرا ومقلقا في هذا الشأن فلحد الآن ليس لدى الأحزاب جاهزية، فهي لم تفتح بعد نقاشات ولا أوراش داخلية حول ذلك القانون ولا تملك نتيجة لذلك رؤية حوله. وهذا بالنسبة لنا مقلق ويكرس التأخر الزماني بشكل خطير. ومقترح القانون الذي طرحه أحد الأحزاب، قبل سحبه، هو في أصله مسودة مقترح قانون أعدته منظمة مدنية، كما أن مقترح قانون الذي تقدمت به مجموعة برلمانية من فردين منذ شهر أكتوبر 2012، أقرب إلى المبادرات الشخصية منه إلى مبادرة حزب. معركة الامازيغية واحدة من المعارك التي قادها المجتمع المدني وأوصلها لهذه المرحلة المتقدمة، هل أنتم راضون على طريقة تدبير الحكومة للملف؟ كما أشرت في السابق لا يمكننا الحديث عن تدبير حكومي لهذا الملف فهي أعلنت مقاربة في مخططتها التشريعي المشار إليه، ولم تبادر لتنزيلها بعد أن وقع الاختلاف حول الحق في المبادرة التشريعية حول القوانين التنظيمية كما أشرت، وبالتالي الأولى الحديث عن تأخر كبير لتدبير حكومي لهذا الملف، ونفس الملاحظة يجب تسجيلها حول تدبير المؤسسة التشريعية لهذا الملف، لأنها معنية أيضا به وبنفس الدرجة. وموضوعيا كل ما هنالك لحد الآن في هذا الصدد، عقد جلسة لجنة التعليم و الثقافة و الاتصال الأسبوع الأول من يناير الماضي تدارست مقترح القانون الذي تقدمت به مجموعة برلمانية، وتم الاتفاق خلالها مع وزير الثقافة على إرجاء النقاش حول الملف، واقترح فيه الوزير تشكيل لجنة مشتركة بين الحكومة والبرلمان. ولحد الآن لم تشكل تلك اللجنة، لكن متى ستشكل تلك اللجنة؟ و كيف سيحضر المجتمع المدني في منهجية عملها؟ هذان سؤالان مهمان للغاية. كيف تفسرون جاهزية المجتمع المدني في موضوع تقديم مقترحات للقانون التنظيمي لإدماج الأمازيغية، مقابلة تردد الأحزاب التي لم يتقدم لحدود الساعة أي منها لرؤيته للمسألة الامازيغية؟ التفسير البديهي هو أن مسألة الأمازيغية ولدت وترعرعت في رحم المجتمع المدني، وهذا لا يعني أن الأحزاب غفلتها، فهي أيضا حاضرة في برامجه أغلبها، لكن القانون التنظيمي شيء و البرامج الانتخابية شيء آخر. وجاهزية المجتمع المدني تعبر عن نفس وبعد نضالي واهتمام يومي. الذي نؤاخذه على الأحزاب هو تأخر الاشتغال على هذه الجاهزية على اعتبار أن القانون التنظيمي حول الأمازيغية له طبيعة خاصة، فالمفروض فيه، خلاف باقي القوانين التنظيمية عموما، أن يعكس توافقا مجتمعيا، عبر نقاش عمومي ومنهجية تشاركية في الإعداد. وهذا التوافق تلعب فيه الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني دورا حيويا. لذلك فتأخر جاهزية الأحزاب والحكومة معا تأخر معيب. وكيف ترون حضور المجتمع المدني في هذا الورش؟ كما أشرت في السابق، من غير المقبول مطلقا تهميش المجتمع المدني في ورش إعداد القانون التنظيمي حول الأمازيغية، ولسنا في حاجة هنا للتذكير بدور المجتمع المدني، خلال أزيد من خمسة عقود في هذا الصدد، في فرض المسألة في الأجندات السياسية للدولة والأحزاب معا.ولا ينبغي أن يقتصر حضور المجتمع المدني من خلال نوع من الاستئناس بمقترحاتها، بل لابد من إشراكها في إعداد هذا القانون كطرف معني به، وعلى غرار الحوار الوطني الذي نظم في موضوعات تقل أهمية من مسألة الأمازيغية. وكذلك من خلال أيام دراسية يتبادل فيه الفاعل المدني والفاعل الحزبي والفاعل في التشريع وجهات النظر. ومثل هذه الآليات هي التي توفر التوافق الذي ينبغي أن يطبع قانون من حجم وطبيعة القانون التنظيمي حول الأمازيغية. في هذا السياق أي مقاربة تراها جمعية تمازيغت لكل المغاربة لإدماج الامازيغية في الحياة العامة؟ في مذكرتها التي أعلنتها في ندوة وطنية يوم 23 مارس 2012 بالرباط شددت جمعية تمازيغت لكل المغاربة على أنه حين يقرر الدستور الحالي أن الأمازيغية رصيد مشرك لكل المغاربة، وأنها مكون من مكونات هوية المغرب الأساسية، فإنه يضع الأطر الكبرى للفلسفة التي ينبغي أن تحكم التعاطي مع ملف الأمازيغية. و تقضي تلك الفلسفة، كما هو الشأن بالنسبة للدين ونظام الحكم و الوحدة الترابية للملكة واللغة العربية، بأن لا تكون الأمازيغية محل أي تنازع من أي نوع. كما لا ينبغي لشأنها أن يخضع لمنطق الأغلبية والمعارضة في البرلمان، بل لمنطق الحوار والتوافق والإجماع على مستوى الوطن. هل يمكن توضيح هذه النقطة أكثر؟ حين نتحدث عن الأمازيغية فإننا نتحدث عن حضارة وتاريخ ولغة وثقافة، مما يعني أن الحديث عن ترسيم الأمازيغية وإدماجها في الحياة العامة يضعنا أمام مشروع مجتمعي ضخم، يختلف عن باقي القوانين التنظيمية إذا استثنينا المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية. وبالرجوع إلى رؤية الجمعية بهذا الصدد نقول إنه رغم الأهمية الحيوية التي يكتسيها مثل هذا القانون إلا أنه غير كاف لتدبير ورش من حجم ترسيم الأمازيغية و إدماجها في الحياة العامة. فالقانون المذكور استحقاق يتعلق بتفعيل أحكام الدستور حيث أنه من القوانين المكملة لأحكامه، و لا يمثل المقاربة الوحيدة لتدبير ورش الأمازيغية بالمغرب. وفيما يتعلق بآليات التنزيل والمتابعة، ماذا تقترحون؟ قبل ذلك لابد من ملاحظة منهجية هامة، وهي أن تنزيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالأمازيغية تضعنا أمام مشروع مجتمعي ضخم، يهم كل مكونات المجتمع، و يهم كل السياسات العمومية و يشمل كل القطاعات الحكومية، ويتطلب إشراك كل الفاعلين دوي الصلة، وتعبئة واسعة للمواطنين. كما يتطلب تعبئة موارد بشرية ومالية ضخمة، ومجهودا تشريعيا كبيرا، وتدبيرا صارما للوعاء الزمني لضمان الفاعلية والنجاعة. وهو ما لا يمكن مطلقا اختزال آلية بلوغه في قانون تنظيمي مهما كان شاملا ودقيقا. في الأخير، أسست جمعيتكم مند سنة ونصف تقريبا، هل من جديد لديكم؟ هناك مشاريع سنعلن عنها قريبا لعل أهمها هو "منتدى تمازيغت للحوار" وهذا المنتدى يرتكز على فلسفة خاصة وهي احتضان النقاش حول قضايا الخلاف بين مختلف التوجهات في المجتمع والتي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالأمازيغية. كما سنعلن قريبا أيضا عن "مركز للبحث والدراسات" والذي من خلاله سوف تساهم "جمعية تمازيغت لكل المغاربة" في الرصيد العلمي والبحثي حول الأمازيغية. وهناك مشاريع أخرى سوف نعلنها في حينه، وضمنها إعلام الجمعية وبرنامجها الثقافي.