نقاشات مستفيضة حول "الحرية الاقتصادية في المغرب" قاربت هذا الموضوع من زاوية "الواقع، الرهانات، والتحديات"، بمشاركة خبراء وأكاديميين اقتصاديين مغاربة، عرب ودوليين، خلال فعاليات "المنتدى العربي للحرية 2024′′، الذي التأم اليوم السبت 30 نونبر بأحد فنادق العاصمة الرباط، بعنوان "السياسات العامة والإصلاحات الاقتصادية في فترة الأزمات". اللقاء الذي يعد ثمرة تنظيم مشترك بين "المركز العربي للأبحاث" ومؤسسة "فريدريش ناومان" بالمغرب، بالتعاون مع "معهد فريزر" (كندا) و"شبكة أطلس"، هدفه "تعزيز النقاش العام حول قضايا الحرية الاقتصادية"، وفق ما أبرزه نوح الهرموزي، المدير التنفيذي للمركز العربي للأبحاث. وفي مداخلة بعنوان "الحرية الاقتصادية في العالم العربي: أية أهمية؟"، أكد الهرموزي متحدثا إلى مشاركين ومشاركات من دول عربية متعددة، فضلا عن ممثلي هيئات مغربية رسمية وخاصة، "محورية تقييم واقع الحرية الاقتصادية في المغرب من خلال تحليل نقاط القوة والضعف وتحديد السبل لتعزيزها"، منوها إلى أن "هذه الفعالية تجمع نخبة من الخبراء والباحثين وممثلي الحكومة والمجتمع المدني ورجال الأعمال، بالإضافة إلى الأطراف المعنية الأخرى". "الحرية الاقتصادية" تنظيرا وممارسة وألقى هشام الموساوي، أستاذ الاقتصاد بجامعة السلطان مولاي سليمان-بني ملال، كلمة افتتاحية قال فيها إن "الحرية الاقتصادية، سواء عند تمثلها بوصفها تصورا نظريا أو بالنظر إليها كممارسة فعلية ميدانية، فهي تبقى لصيقة جدا بمفاهيم المنافسة وحرية المبادرة وسيادة دولة الحق والقانون"، خالصا إلى أنه "رغم الإصلاحات المؤسساتية والتشريعية طيلة السنوات العشرين الماضية، إلا أننا لم نتمكن من تحسين ترتيبنا بشكل كبير، خصوصا في محاور ومجالات محددة يغطيها تقرير مؤسسة فريزر". "المغرب مازال هذه السنة (2024) في الرتبة 90 عالميا ضمن مؤشر الحرية الاقتصادية لتقرير معهد فريزر الكندي، رغم بعض التقدم بالمقارنة مع السنة الماضية، ولكن نبقى في المركز 90 من أصل 105 دولة، أي في النصف الأخير من الترتيب"، بتعبير الموساوي. وشرح أن "النقاش سينتظم ضمن 5 مجموعات تتناول محاور رئيسية للحرية الاقتصادية، حسب التقرير دائما، هي: حجم الحكومة، الهياكل القانونية وحقوق الملكية (العدالة والحق والقانون)، العملة السليمة والسياسة النقدية، حرية التجارة الدولية وتنظيم الائتمان والعمل والأعمال"، مذكرا بأنه "مؤشر يتم إصداره كل سنة لتقييم كل جوانب ونواحي الحرية الاقتصادية". ولفت المتحدث، في تصريح لهسبريس على هامش المنتدى، إلى أن "مؤشر 2024 تكتنفه بعض الجوانب المظلمة بالنسبة للمغرب"، وقال شارحا: "هناك ما يتعلق بحجم الدولة والمؤشر الذي لا يتعدى نسبة 5%، وهناك أيضا مشكل الإطار والهيكل القانوني، يعني كل ما يتعلق بطبيعة الحال بالعدالة ودولة الحق والقانون وحقوق الملكية إلخ، وفي الأخير يبرز مشكل يتصل بمناخ الأعمال والاستثمار الخاص". وحسب أستاذ الاقتصاد، فإن "النقاش سيدار عبر مجموعة منسقين متخصصين، فيما ستعرض نتائج المناقشات في جلسة ختامية تفتح المجال للنقاش العام"، قبل أن يتم "إعداد تقرير نهائي يوثق توصيات المشاركين قصد رفعها إلى المسؤولين المغاربة للمساهمة في صياغة إصلاحات تدعم الحرية الاقتصادية وتعزز ازدهار المغرب"، خصوصا في المحاور الرئيسية التي تشهد نقصا أو تعثرات. "هفوات رغم تحسن الترتيب" فريد مكماهون، زميل مقيم في معهد "Fraser" الكندي، تناول بدوره الكلمة مخاطبا المشاركين والمشاركات بعرض نتائج أحدث تقرير عن "الحرية الاقتصادية في العالم"، باسطا "رؤى عالمية" قبل أن يتوقف عند "الحالة المغربية". وفق التقرير الصادر عن "معهد فريزر"، فإن المغرب تبوأ المرتبة 90 عالميا من بين 165 دولة، بحصوله على 6,46 نقطة من أصل 10، متقدما بسبع مراتب مقارنة بالسنة الماضية، ليحتل بذلك الصدارة مغاربيا. وشرح الباحث ذاته اعتماد التقرير على 45 معيارا موزعا على 5 مجالات رئيسية، قائلا: "في مجال حجم الحكومة، حصل المغرب على 6.95 نقطة (المرتبة 66 عالميا)، وفي الهياكل القانونية وحقوق الملكية على 5.31 نقطة (70 عالميا). أما في حرية التجارة الدولية والعملة السليمة، فقد سجل المغرب تقدما ملحوظا". ورغم إجماع المتدخلين على "تحسن ترتيب المغرب من المرتبة 99 عالميا سنة 2022 إلى المرتبة 90 في سنة 2024، إلا أن هناك العديد من الإصلاحات التي يجب معالجتها، خاصة في المجال الحيوي للهياكل القانونية وحقوق الملكية". ورصد التقرير، الذي طالعت هسبريس نسخة منه، "أداء سيئا" للمغرب في مجال "المال السليم"، متحصلا على المرتبة 121، مما يعكس "ارتفاعا ملحوظا في التضخم" خلال عامي 2022 و2023. كما جاء المغرب في المرتبة 90 في "حرية التجارة"، مما يؤشر على حاجته للوصول إلى سوق عالمي يضم 8 مليارات شخص بدلا من الاعتماد فقط على 36 مليون نسمة. أما في مجال "التنظيم الشامل"، فالمملكة مستقرة في المرتبة 86، نظرا ل"تأثرها سلبا بتقييد القروض والعمل وتنظيم الأعمال التجارية، مما يحد من حرية المنافسة ويعيق تسارع النمو الاقتصادي"، وهو ما أبرزه نبيل عادل، أستاذ باحث بالمدرسة العليا للتجارة وإدارة الأعمال. وأثار عادل، جوابا عن سؤال لهسبريس، إشكاليات استمرار بعض تعقيدات خلق المقاولات الخاصة في المغرب، عازيا ذلك أساسا إلى "هيمنة وتشابك المنظومة البيروقراطية الإدارية، وطغيان الدور التدخلي للدولة في الاقتصاد". وقال إن "مناخ الأعمال الذي تطغى فيه الإدارة عن طريق مساطر جد معقدة وفي بعض الأحيان تعجيزية، يجعل من عملية خلق الثروة وخلق المقاولات عملية جد معقدة، كذلك الأمر بالنسبة لسوق القروض المالية". في سياق متصل، أظهر التقرير سالف الذكر "أهمية الحرية الاقتصادية في تحسين مستوى معيشة الأفراد"، مستدلا ببيانات تفيد ببلوغ "متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي" أكثر من 52 ألف دولار سنويا في الدول الأكثر حرية، مقارنة ب 6968 دولارا فقط في الدول الأقل حرية. كما أشار إلى "انخفاض معدلات الفقر المدقع" لتصل إلى 1% في الدول الأكثر حرية، مقارنة ب 30% في الدول الأقل حرية. ويهدف هذا الحدث، وفق منظميه، إلى "إبراز أهمية الحرية الاقتصادية كدعامة أساسية لتحقيق التنمية والازدهار في المغرب، والعمل على توسيع النقاش العام حول هذا الموضوع الحيوي". جدير بالذكر أن النقاش العام انتظم ضمن 5 ورشات عمل متزامنة، أطرها بعض الخبراء والمحللين المغاربة، أبرزهم يوسف الكراوي الفيلالي، رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، ورشيد أوراز، باحث أول في المعهد المغربي لتحليل السياسات، والعربي الجعايدي، زميل أول في مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد.