من ينقد سمعة مراكش؟! لقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى وتجاوز الأمر كل الحدود.. "" إن مدينة مراكش تتعرض لعملية مسخ لأصالتها العريقة، وطمس لهويتها الحضارية، باسم تنشيط السياحة وتطوير الاقتصاد. فقد صار الواحد منا لا يمر عليه يوم إلا ويشاهد بعينه أو يسمع بأذنه خبرا يظهر من مضمونه التدني الأخلاقي والانسفال السلوكي في أعلى تجلياتهما، ويبرز فيه السطو البشع، والتداعي الجشع، على الأعراض والممتلكات: فتياتٌ يُسَقن من مؤسسات التعليم الإعدادية والثانوية والجامعية؛ إلى المراقص والخمارات، ثم إلى الفنادق. شباب وشابات يقادون إلى بيوتٍ خيَّمَ عليها شبح الفاحشة، وتلبّدت سماؤها بسحاب العهر والفجور، فانهالت على مدينتنا بأمطار طوفانية تجرف الأخضر واليابس. (ياضات) و(فيلات) تُشترى وتُبنى بأثمنة خيالية، ثم يُهَيّء بعضها لتصوير الممارسات الفاحشة، لبيعها في أسواق الرذيلة، وعرضها في قنوات ومواقع البهيمية البشرية. مسؤولون يأخذون الرشاوي للسكوت عن ذلك، بل وتأمينه... فقد حدثنا -على سبيل التضجر- أحد الضباط في الشرطة؛ أن مسؤولا أمنيا ألقى القبض على فرنسي يفعل الفاحشة بشاب مغربي بأحد أحياء مراكش، فوبخه رئيسه وزجره عن الرجوع لذلك لاحقا، وهدده إن فعل بنقله إلى مدينة بعيدة!! وقد رصدت مجلة (choc) الفرنسية هذه الظاهرة في السنة الماضية؛ ونشرت فضائح مخزية؛ منها: قول أحد الباعة بساحة (جامع الفنا): "في بعض الأحيان، أرى سياحا مسنين يعرضون ألف درهم على أطفال ومراهقين لإمضاء ليلة معهم. إنها إهانة لنا، لكن لا أحد يتحرك لوضع حد لهذا، خاصة عناصر الشرطة الذين يغمضون أعينهم عن هاته التجاوزات مقابل الرشوة". وقالت إحدى البغايا العاملات بأحد المراقص: "ندفع أثناء الدخول إلى الملهى (10) أورو. وفي النهاية يذهب ثلث ما نحصل عليه للحراس (الفيدورات)، ورجال الأمن الذين يتجولون عند مخرج النادي بانتظارنا". أجل؛ إنهم أفراد من شرطة مكافحة السياحة الجنسية يبيعون ذِممهم، ويخونون أماناتهم، مقابل دراهم معدودة جعلتهم في حفظ أعراض إخوانهم من الزاهدين، فتحية لأمنائهم وشرفائهم الذين أبوا التلطخ بهذه الأوحال. ومهما بلغ خبث فعال المتواطئين وجرم صنيعهم؛ فيبقى سلوكا سببه الأول، ومنشأه الأصلي الفساد المتجذر في قلوب -وبالتالي سلوك- بعض من يخطط لذلك ويمكن له، ويتقاضى على ذلك الأموال المطغية، الحاملة على بيع الدين وسائر مقومات الانتماء، ومناطات المسؤولية... وكان من جملة ما صرحت به المجلة المشار إليها أن عدد البغايا في مراكش بلغ عشرين ألفا! وبعد نشرها لتلك التصريحات والوقائع المؤسفة؛ قام والي الأمن بمراكش –وقتها- بحملة تمشيطية اعتُقلت فيها (100) مائة عاهرة. وقد حاول رئيس المجلس الجهوي للسياحة بمراكش عبد اللطيف القباج؛ نفي هذا الواقع، لكن هيهات؛ فإن (الغربال) لا يحجب أشعة الشمس؛ إذ الأمر مستفيض والشهود متواترون، ويكفي أن الأمن اعتقل ذلك العدد من البغايا في ظرف وجيز. وكيف ينفي هذا الأمر، وأحد المواقع المختصة في الدلالة على المناطق السياحية المعدة للشواذ؛ يضيف مراكش إلى المدن التي يُنصح اللوطية بالذهاب إليها! وقد تصفحنا الموقع المذكور؛ فساءنا كثيرا ذكر أحياء عريقة بمراكش كانت معروفة بأشراف من التجار والوجهاء ك: (حومة دوار كراوة)، التي كان يقطن بها: السيد مولاي إدريس العلوي والسيد المدني القباج رحمهما الله، وهي مسقط رأسي؛ فوا أسفاه على ما آل إليه أمرها؛ أن أضحت تذكر في مواقع سياحة الشواذ!! وليت شعري؛ أمَا وَجَد أولئك المرضى إلا مراكش مكانا لنشر قاذوراتهم؟! إن هذا يؤكد حقيقة أضحت من الوضوح بمكان؛ وهي أن أخطبوط العولمة الغربية يحاول الهيمنة على كل أرض لامست أرجله، محكما قبضته الخانقة عليها بشراسة رهيبة، وهو يصيح في وجه العالم بالمقولة الفرعونية: أنا ربكم الأعلى! وهذا الأخطبوط يركز على الدول الإسلامية؛ سيما مدنها العريقة، لما لها من دور في الحفاظ على القيم الدينية؛ التي تعد عدوه اللدود. وها هي ذي المدينة الحمراء تستعد لدورة ثانية من رقصة السالسا الجنسية. ..إننا لا نرفض أن تحتضن مدينتنا خطة اقتصادية تنفع البلاد والعباد، أو أن تكون محط زيارة الناس، ومناط استثمارات التجار. وإنما نرفض أن يؤمها المفسدون لبث سمومهم الفكرية والسلوكية، كما نرفض أن تكون ضحية خطة اقتصادية، لا توضع لتلبية احتياجاتنا، ولا تصدر عن دراسات تجعل تلك الاحتياجات منطلقا لها، وإنما هي خطط اكتتبها البعض؛ فهي تملى عليه بكرة وأصيلا، من قِبَل من يُقطع بأنهم لا يهتمون بتطور وتنمية مجتمعاتنا، بقدر ما يهمهم تكريس العولمة الاجتماعية الماسخة، والتمكين للشوملة الاقتصادية المهلكة للحرث والنسل.. وإن شئت أن تقف على آخر ما تفتقت عنه عبقرية بعض الساسة ورجال الأعمال بمراكش؛ فاركب عربة (الكوتشي)، وقل لصاحبها يأخذك إلى مرقص (pacha)، الذي يُفتخر بأنه أكبر مرقص في إفريقيا، وبقربه سينما (megarama)، التي تشد إليها الرحال في (المهرجان الدولي للفيلم) وغيره، ولا تنس زيارة البحر الاصطناعي: (la mer rouge)، التي تشعر وأنت على ساحله وكأنك في بعض شواطئ إسبانيا، وفي طريق العودة عرِّج على بعض (الرياضات) و(الفيلات) التي تحتضن أنشطة مشبوهة، تَحَقق في بعضها وجود المحظور، ولا تنس في جولتك السياحية أن تجيل نظرك في لوائح الإعلانات لتأخذ دروسا في موضوع تكريم المرأة، أما ساحة (الفناء)؛ فلا داعي لولوجها؛ لأنك فاتتك سهرة المغنية الراقصة: (ننسي عجرم)؛ التي دُفع لها مبلغ (مليار سنتيم)!!! وإن صادفت يوم عطلة؛ فستُحرَم منظر عدد كبير من التلاميذ والتلميذات أمام مؤسسات (التربية والتعليم)، عند أذان العصر؛ يتمضمضون بالقبل، ويستنشقون ويستنثرون دخان السجائر، وربما رأيت بعضهم يعاقر خمرا اسمها: (bier)، وآخرون وأخريات يتبادلون عبارات العشق والغزل.. أما القمار في الفنادق، والإلحاد في النوادي، والبغاء في البيوتات؛ فليس فيه كبير جديد.. وإياك أن تمر بجانب المستشفيات والإدارات وباقي المؤسسات العامة؛ كيلا يتكدر صفوك، ويتمعر وجهك.. وأرجو أن لا تكون العربة مِلْكاً لصنف من الناس، إن لم ترضه؛ بادرك قائلا: (أكحل الراس، لهلا يخطي النصارى)!!! إياك أن تفعل، فإنما القصد البيان والإيضاح، وأعوذ بالله أن آمر بمنكر. إننا نتوجه بالطلب الملح والمطالبة الشديدة إلى ذوي المروءة والشهامة من المسؤولين وسكان المدينة؛ للتدخل من أجل وضع حد حاسم لهذه الفوضى الأخلاقية والتسيب السلوكي والغزو الفرعوني؛ الذي يأتي على الأخضر واليابس من مدينتنا العزيزة في نفوسنا. هذه المدينة التي أسسها أمير المسلمين في زمانه يوسف بن تاشفين رحمه الله، وجعلها حاضرة علمية تبث العلم النافع في أرجاء المعمور، وحاضرة اقتصادية تحتل مكانا استراتجيا في شبكة التعاملات التجارية، وحاضرة سياسية تشكل قلعة حصينة لتحقيق أمن الوطن واستقراره. ولم تزل معروفة بالعلم والعلماء، وأشراف التجار والوجهاء، وسيرة أهلها الحسنة، مع خلل في ذلك يظهر بين الفينة والأخرى؛ يضيق أحيانا ويتسع أخرى، إلا أنه لم يصل في زمان من الأزمنة إلى ما وصل إليه الحال؛ مما وصفت بعضه. وغير خاف أن هذا التلوث الفكري والسلوكي لا يختص بمدينة مراكش؛ بل لكل مكان في بلدنا منه نصيب، يتفاوت من مدينة إلى أخرى: وما فضائح أكادير عنا ببعيد، ولا "فيلم": (حجاب الحب)عن أذهاننا بشريد، أما مواسم الإباحية والشذوذ، والسهرات الصاخبة إلى أبعد الحدود، فصخبها لا يفارق الآذان. وأما مجلات الرذيلة والعري فحدث ولا حرج.. وما خفي كان أعظم... فهل من وقفة وطنية شرعية لمواجهة هذا العدوان؟! وإلا نفعل تكن فتنة في الأرض وفساد عريض، ولقد كان من ذلك ما كان، والله المستعان.