تقديم كتاب الصحراء المغربية أرض النور والمستقبل بدوسلدورف ألمانيا    من المسؤول عن تعطيل عملية تسليم الشقق للمنخرطين في مشروع القدس 1 المنتهية أشغاله بودادية النجاح للسكن بأكادير    المنتخب المغربي يصل إلى فرانسفيل    السياحة المستدامة والتحول الرقمي محور الدورة الثالثة لملتقى المقاولة بالحسيمة    "الفعل الاجتماعي" في المغرب .. مسؤولية الحكومة وانتظارات المواطن    المغرب والسعودية يتفقان على تسهيل عملية ترحيل المحكوم عليهم بين البلدين    مسؤول برئاسة النيابة العامة يوضح النطاق المحمي بمقتضى قانون الصحافة وموجبات تطبيق القانون الجنائي    الولايات المتحدة.. ترامب يعين ماركو روبيو في منصب وزير الخارجية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    جهة الداخلة تعزز الشراكة مع إسبانيا    هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة غدا الخميس بعدد من أقاليم المملكة    باليراريا" تنقل فرق مغربية ومعدات شفط المياه لدعم جهود الطوارئ في فالنسيا            رقم قياسي.. المغرب استقبل 14.6 مليون سائح حتى متم أكتوبر الماضي    أمن العيون يطيح بشبكة إجرامية تنشط في سرقة الأسلاك الكهربائية    تقرير: 16% فقط من المغاربة يعيشون حياة "مزدهرة" و69% يفكرون في تغيير وظائفهم    جمعية ثاويزا آيث شيشار تكتشف و ترصد دولمن مدفني بجماعة بني شيكر يعود لألاف السنين    لجنة المالية تصادق على مركزية الأجور والمناصب المالية وصفة موظف عمومي لمهنيي الصحة        المغرب يستقبل أكثر من 14 مليون سائح في 10 أشهر    في لقاء إعلامي قبل التوجه إلى الغابون : الركراكي يؤكد أن المنتخب الوطني يشهد تنافسية كبيرة وزياش يغيب بسبب ضعف الجاهزية    شاحنات مغربية تصل إلى إسبانيا للمساهمة في إزالة مخلفات "دانا" بفالنسيا    المغاربة يواصلون الاحتجاج ضد الإبادة في غزة ومطالب بتوضيح حكومي حول سفينة متجهة لإسرائيل    لأول مرة.. "حزب الله" يعلن استهداف وزارة الدفاع الإسرائيلية بتل أبيب    تقديم 21 شخصا أمام وكيل الملك بتارودانت على خلفية أحداث شغب مباراة هوارة وأمل تزنيت    المغرب يحتضن المرحلة الأولى من الدوري الإفريقي لكرة السلة    أخنوش يبرز تجربة المغرب في "كوب29"    فيضانات جديدة تجتاح جنوب وشرق إسبانيا    هذا ما قرره وكيل الملك بتارودانت في حق المتورطين في أحداث شغب ملعب هوارة    بعد قطع عملية الإعدام الأولى .. إعدام رجل شنقا "للمرة الثانية"    "ذي غارديان" تتوقف عن نشر محتوياتها على "اكس"    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (الجزء2 فيديو)    بمناسبة اليوم العالمي لداء السكري…كيف نقي أنفسنا من داء السكري؟ غزلان لحرش تجيب عبر "رسالة24"    الركراكي يستدعي رضا بلحيان لتعويض أمير ريشاردسون المُصاب        ملف الطالب بدر يعود للمحكمة وهذه تفاصيل أولى الجلسات    صندوق النقد الدولي يشيد ب"التقدم المطرد" الذي يحققه المغرب    الدوري السعودي يضم 7 لاعبين بين أعلى الأفارقة أجرا عالميا ب 2.9 مليون إسترليني أسبوعيا    وليد الركراكي: لن نبكي على أحد.. من يريد تمثيل المغرب عليه بالصبر    حميد زيان ينهي تصوير الشريط التلفزيوني "بنت العم"    فيلم "مورا يوشكاد".. يجوب قاعات السينما المغربية ويكشف مآساة الاستغلال القسري للعمال المغاربة بفرنسا    واقعة الصفعة تحيل الفنان عمرو دياب إلى محكمة الجنح    احتفاء بالمنتخب الوطني للملاكمة بعد احرازه بطولة إفريقيا بكنشاسا    فوز البريطانية سامانثا هارفي بجائزة بوكر الأدبية العريقة للعام 2024    اختبار أول شبكة اتصالات تجمع الذكاء الاصطناعي وتقنية الجيل الخامس    إفريقيا تعتمد اختبار "بي سي آر" مغربي الصنع للكشف عن جدري القردة    أسعار صرف العملات العالمية مقابل الدرهم .. التحليل الكامل    كابوس النظام الجزائري ماركو روبيو.. المرشح الأبرز لمنصب وزير للخارجية الأمريكية في إدارة ترامب    "أجيال" ينقل الجمهور إلى قطاع غزة    حملة توعية بضرورة الكشف المبكر عن سرطان الرئة    تقارير.. المغرب من أكبر مستوردي الأدوية الروسية في إفريقيا    دراسة: تناول الدهون الصحية يقلل من احتمالات الإصابة بالسرطان    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمة في حق المعلم الكبير الأستاذ محمد التبر
نشر في هسبريس يوم 27 - 02 - 2014

بكلمات مكسورة، وبمفردات عصية على القلم أمام تعطل لغة الكلام، أقول كلمة في حق شيخ مهنة المحاماة، وأحد رموزها، وأكبر حكماء هيئة المحامين بالدار البيضاء الفقيد سيدي محمد التبر المعلم الكبير لكل الأجيال والفئات والأطياف في صفوف المهنة.
انه لم يكن فقط هرما من أهرامات المحاماة، بل كان قمة من قممها، ولم يكن شجرة مثمرة فحسب في حقل المهنة ، بل كان نخلة باسقة تعلوا كل الأشجار، ذكاؤه لا يجود الزمان بمثله إلا لماما ، انه فلتة من فلتات الدهر.
صبيحة يوم الاثنين 27 يناير 2014 نُكّست الأعلام في هيئتنا العتيدة التي كادت ان تفقد جيلا بكامله،الجيل الأول الذي أسس لمهنة المحاماة في ربوع المملكة وحافظ لها على شأوها ورفعتها وجلالها وقداستها، وكرس أعرافها وتقاليدها وأشاع أدبياتها وأخلاقياتها، إلى ان سلَّم المشعل، مضيئا وهاجا، للأجيال اللاحقة، وفي صدارة هذا الرعيل الأول يتربع فقيدنا المشمول بالرحمة والغفران.
نال رحمة الله عليه شهادة الباكالوريا في العلوم الرياضية بامتياز في ربيعه الثاني وكان ذلك بتاريخ 22 يوليوز 1948 من مدينة باريس عشيقته منذ شبابه إلى ان وافته فيها المنية، كما حاز دبلوما في الحقوق من جامعة السوربون بالعاصمة الفرنسية باريس بتفوق بتاريخ فاتح يوليوز 1952.
وينحدر الراحل من عائلة عريقة، إذ كان والده رحمه الله من أعيان مدينة مراكش التي ولد فيها الفقيد بتاريخ 7 يونيو 1927،وترك ولدين " عزيز" و" لطيف" الأول مهندس معماري، ساعد هيئتنا في تشييد الطوابق الأخيرة من " دار المحامي"، أما الثاني " لطيف" فهو محام بهيئة المحامين بالدار البيضاء، وله أخ يمارس المحاماة بالدار البيضاء هو الآخر، بمهنية عالية وهو الأستاذ عبد المالك التبر الذي له مكانة خاصة لدى المحامين واعتبره من حكماء الهيئة.
وفي البداية استهل المرحوم نشاطه بان ولج مهنة المحاماة، إذ أدى القسم المهني باستئنافية الرباط في جلستها المنعقدة يوم 23 دجنبر 1952، بعد ان تم قبول تقييده في لائحة المحامين المتمرنين لهيئة مراكش يوم 13 دجنبر 1952 إلى ان استقال من هذه الهيئة بتاريخ 10 يوليوز 1953 ، حيث التحق بهيئة المحامين بالدار البيضاء كمحام متمرن لإتمام تمرينه بتاريخ 22/9/1953 ،إذ احتضنه مكتب الأستاذ Gilbert SEBBAN .
وتتويجا لتمرينه سُجل بجدول المحامين بالدار البيضاء بتاريخ 23 دجنبر 1955، حيث التحق بمكتب الأستاذ علي بنجلون، وبعد سنتين من ممارسة المهنة التحق بالمجلس الأعلى كمحام عام بالغرفة الإدارية، وكان آنذاك المرحوم الحاج احمد زروق في منصب الوكيل العام لدى المجلس الأعلى.
إلا ان وفاة والد فقيدنا رحمه الله سنة 1958 عجلت بنهاية مهامه بالمجلس الأعلى، ليتحمل أعباء العائلة حيث عاد- والعود أحمد- إلى الدار البيضاء والتحق بهيئته ومارس المهنة وقضى بها 60 سنة إلى ان لقي ربه.
تعرفت عليه سنة 1966 ،حيث التحقت بهيئة المحامين بالدار البيضاء كمحام متمرن، وكان هو آنذاك عضوا بمجلس الهيئة، وفي إطار الزيارة الواجبة للنقيب ولأعضاء المجلس، استقبلني المرحوم في مكتبه ،وكان التوقيت مضبوطا، وعقارب الساعة تشير إلى الثانية عشرة ظهرا، واليوم يوم رمضان الشهر الفضيل،وكلمني كثيرا في مواضيع مختلفة، وكنت أصغى إليه بإمعان، مندهشا أحيانا، ومرتبكا أحيانا أخرى، اقرأ في عينيه معالم الذكاء الثاقب، كان في منتهى الأناقة التي لم تفارقه قط قيد حياته، كان أنيقا أناقة فكره.
توالت الأعوام تلو أخرى، وتعرفت عليه اكثر في مرافعاته الساخنة والقوية، وخصوصا منها مرافعاته في المحاكمات الشهيرة التي جمعتني معه، كان يقدم مرافعاته ومستنتجاته بطريقة ينفرد بها، يجعل المحكمة تقتنع، بل يجعل الخصم أيضا يقتنع، له ملكة الإقناع فريدة من نوعها، كان يقدم مرافعاته على شكل هندسي ثلاثي الأضلاع، التشريع، والقضاء، والفقه بمنهجية قل نظيرها.
ويرجع تألقه في المهنة إلى تمكنه المتين من القواعد المسطرية يستعملها بتقنية عالية ويطوع القاعدة القانونية في هذا الاتجاه أو ذاك.
تخرج من مكتبه محامون عديدون ،منهم نقباء وغيرهم، وهم الآن من نجوم مهنة المحاماة بفضل ما تلقوه من معارف بمكتب الفقيد.
من فضائله، وهي كثيرة، أنه لا يبخل على زملائه في المهنة أو القضاء بفتاويه وإرشاداته، يعترف لزميله المترافع في الضفة الأخرى بالسمو في المرافعة، وأحيانا- و بتواضعه المعهود- يعلن على الملأ وأمام المحكمة ان زميله كان أقوى وأفضل منه، كما كان الأمر بالنسبة لي في مناسبتين اثنتين.
محاسنه في المهنة لا تنتهي ويصعب حصرها، وسيرته الذاتية تحتاج إلى كتب ومطولات...!
لم يكن المرحوم محاميا لامعا فقط، بل كان حقوقيا ورجل سياسة بكل المقاييس، وذاكرتنا الشفوية لا زالت تتذكر تدخله القوي والعنيف، وهو رئيس الفريق الاتحادي بالبرلمان، بمناسبة تقديم ملتمس الرقابة سنة 1964 ضد حكومة الحاج احمد باحنيني، وكانت المعارضة آنذاك تتهم الحكومة بنهج سياسات لاشعبية قد تؤدي إلى القلاقل والاضطرابات بسبب غلاء المعيشة والزيادة في أسعار المواد الأساسية كالخبز والسكر والزيت.
وفي لجنة التشريع لبرلمان 1963 كان مميزا، وكثيرا ما كان يحرج الحكومة بأطروحاته وتحليلاته لمشاريع القوانين، لعب دورا كبيرا في وضع وصياغة القانون الداخلي لمجلس النواب ،كما كان له الفضل الكبير في تعريب وتوحيد ومغربة القضاء سنة 1965.
وإذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء إلى سنة 1964 وهو تاريخ تقديم ملتمس الرقابة، وكانت للمرة الأولى والأخيرة، فإننا نتذكر مداخلاته تحت قبة البرلمان التي أحرج بها أعضاء الحكومة، ونال بها إعجاب الرأي العام الذي كان يتتبع مناقشات البرلمان بمناسبة "ملتمس الرقابة"، بحيث كانت تلك المناقشات تنقل عبر الأثير (الراديو والتلفزة)، بأمر من المغفور له الحسن الثاني، وحدث عند تقديم مداخلة المرحوم ان توقف البث الإذاعي والتلفزي، إلا انه سرعان ما عاد البث بأمر المغفور له الحسن الثاني.
هذا وان كان ملتمس الرقابة لم يسقط الحكومة، فان الملك بادر إلى تعديلها بتاريخ 20 غشت 1964، وهي الحكومة التي تميزت باستوزار جنرالين هما محمد اوفقير وزيرا للداخلية، واحمد امزيان الزهراوي وزيرا للدفاع الوطني.
ومن جهة أخرى، فان ملتمس الرقابة الذي سطح فيه نجم الراحل أدى إلى الإعلان عن حالة الاستثناء بعد الأحداث المؤلمة والدموية التي عرفتها مدينة الدار البيضاء في مارس 1965 وهي نفس السنة التي تم فيها اختطاف المناضل الحقوقي المهدي بنبركة ( معلومات مأخوذة من مجلة " زمان" العدد 5).
وللتاريخ وللأمانة ، فان أستاذنا لم تنل منه الإغراءات منالا، بحيث عندما قرر إيقاف نشاطه السياسي بقي على حاله مخلصا لمبادئه ولم يتزحزح عنها قيد أنملة إلى ان وافاه الأجل المحتوم.
وفي إطار أنشطته الموازية هناك عدة مجالات مغمورة في حياة أستاذنا القدير، منها على الخصوص، انه تولى منصب رئيس الجامعة الملكية للملاكمة، وفي عهده نُظمت مباراة تاريخية في الملاكمة بحضور أسطورة اللعبة محمد علي كلاي سنة 1971 بالدار البيضاء. ثم تولى منصب رئيس الجامعة الملكية للشطرنج سنة 1972 إلى سنة 1975، حيث ارتقى الشطرنج المغربي في عهده أرقى مستوياته التنظيمية وتبوأ أعلى الدرجات، وكان له الشرف ان حظي بلقاء المغفور له الملك الحسن الثاني سنة 1974 رفقة الأساتذة الكبار في هذه اللعبة الذين شاركوا في أول دوري دولي مغلق بالدار البيضاء، وكان ضمن هؤلاء الروسي كوطوف، وبفضل المرحوم شارك المغرب في اولمبياد يوغوسلافيا سنة 1972 وفي فرنسا سنة 1974.
وقد عُرف عن الفقيد حبه وعشقه للعبة الشطرنج، الرياضة الفكرية، التي تعلمها وتألق فيها وأمسك بناصية قواعدها في وقت متقدم من عمره، لكنه كان مدمنا عليها، ان صح هذا التعبير، وسكنت وجدانه، خلال السبعينات إلى الثمانينات من القرن الماضي بنادي الفرس الذهبي الذي كان من مدعميه، وكان الطموح يغمره ليصبح بطل المغرب في الشطرنج، إلا ان طموحه لم يتحقق لتوقف بطولة المغرب سنة 1974 وانقسام الأندية وتوقف الأنشطة [هاتان الفقرتان مأخوذتان بتصرف من الموقع الالكتروني ( Maroc Echecs)].
بعد إذن النقيب أقول ان المحامين المنضويين تحت لواء هيئة المحامين بالدار البيضاء يبكون الراحل بكاء شديدا وبغصة في القلوب، ومرارة في الحلق، إلا ان ما راكمه فقيدنا من علم وما قدمه لمهنة المحاماة من صناعة الأنظمة الداخلية ودراسات وأبحاث وندوات، وإبداع في علم القانون، بمختلف فروعه، كل ذلك يخفف من وطأة الحزن ومن شدة الأسى...! انك معلمي الكبير لم تمت، فأنت في وجدان المحامين وفي قلوبهم بفضائلك، وعمق فكرك، ونقاوة سريرتك، ودماثة خلقك ،وحبك للصديق وللخصم ، وهيامك للمهنة التي عشقتها وأخلصت لها.
فنم قرير العين، هادئ البال، مطمئن الحال، مرتاح الضمير، مشكورا من كل الزملاء والأصدقاء وحتى من خصومك السياسيين.
*دكتور في الحقوق نقيب هيئة المحامين بالدار البيضاء (سابقا)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.